السبت, مايو 31, 2025
الرئيسيةمقالات"الواد كامل الشغّال": مسرحية الانتهازية السياسية في السودان

“الواد كامل الشغّال”: مسرحية الانتهازية السياسية في السودان

“الواد كامل الشغّال”: مسرحية الانتهازية السياسية في السودان

بقلم: مازن أبو الحسن …

في مشهد سياسي لا يخلو من الكوميديا السوداء، برز إسم الدكتور كامل إدريس، المدير السابق للمنظمة العالمية للملكية الفكرية، فجأة في قلب المعادلة السودانية، لا بوصفه صوتًا نضاليًا أو حاملًا لمشروع وطني، بل كشخصية يُراد لها أن تُجمّل واجهة سلطة الأمر الواقع، وتؤدي دورًا وظيفيًا محددًا: توفير غطاء مدني لتسويق النظام دوليًا وكسر العزلة الدبلوماسية المفروضة على سلطة الانقلاب، في لحظة يسعى فيها الجنرال عبد الفتاح البرهان جاهدًا إلى إيجاد مظلة سياسية تمنح نظامه بعض الشرعية.

المسرحية: كامل إدريس في دور “سيد”

لكن حين ننظر إلى هذا المشهد من زاوية شعبية وساخرة، لا يمكننا إلا أن نستحضر شخصية “سيد” التي جسّدها عادل إمام في المسرحية الشهيرة الواد سيد الشغال. فالمقارنة بين “سيد” و”كامل” ليست فقط في الاسم، بل في الوظيفة الرمزية والدرامية:

– كلاهما يظهر فجأة في القصر: “سيد” يدخل بيت الباشا كخادم، ثم يتحوّل إلى عنصرٍ داخل اللعبة الأسرية، تمامًا كما يدخل إدريس فجأة على قصر السياسة بعد سنوات من الغياب، لا عبر صندوق انتخابي، ولا عبر ثقة الشارع، بل عبر تعيينٍ فوقي من سلطة انقلابية.

– كلاهما يُتقن فنَّ التلوّن: إدريس، كما “سيد”، يعرف كيف يظهر بكامل أناقته – الكرافيتة – وكلامه المعسول، وبشعارات رنّانة لا تُغضب أحدًا، دون اتخاذ موقف سياسي حاسم. لم ينتمي للثورة يوماً، ولا هو مع الانقلاب علنًا. إنه مع “اللحظة”، كما يقول المتذاكون.

– وكلاهما يُستخدم كديكور: كما كانت عائلة الباشا تستخدم “سيد” لتغطية فضائحها وإسكات بعض الأصوات، سيستخدم البرهان اليوم “كامل” لإسكات العواصم الغربية، وتقديم صورة محسَّنة عن سلطة انقلابية تبحث عن شرعنتها.

لكن الفرق الجوهري أن “سيد” كان يمتلك على الأقل حسًّا شعبيًا وبديهة جعلت الناس تحبه وتضحك معه، بينما كامل إدريس يفتقر إلى هذا الارتباط بالجماهير. فمعظم الشارع السوداني لا يرى فيه بديلًا حقيقيًا أو صوتًا يُعبّر عن الثورة.

لا قاعدة… ولا جذور

كامل إدريس، رغم تاريخه الأكاديمي والدولي، لم يكن يومًا جزءًا من نضالات الشارع السوداني، وظهوره بعد الثورة بدا كمن أراد قطف الثمار من شجرة لم يزرعها.

تمامًا كما كان “سيد” غريبًا عن القصر، لكنهم أبقوه مؤقتًا لخدمة أغراضهم، فإن كامل إدريس ليس أكثر من موظف سياسي مؤقت لدى سلطة تبحث عن غطاء.

ختامًا:

إن تعيين الدكتور كامل إدريس اليوم لا يُعبّر عن تحوُّل حقيقي نحو المدنية، بل عن استغلال براغماتي لشخصية ناعمة المظهر، خالية من الوزن السياسي الحقيقي، لأداء دور محدد في مسرحية الردّة. وكما انتهت مسرحية الواد سيد الشغال بكشف اللعبة، سينكشف عاجلاً أم آجلاً هذا الدور المؤقت، حين تعود الجماهير إلى الخشبة الحقيقية للمسرح: الشارع.

وإذا كان “سيد” في نهاية المسرحية قد ظنّ أنه بات جزءًا من العائلة، فإن الكلب “شحيبر” – رمز الطاعة العمياء والانتماء الطبقي الحقيقي – ظلّ في نظر الجميع أرفع شأنًا منه. تمامًا كما هو حال كامل إدريس اليوم، إذ لا يملك سلطة القرار ولا مفاتيح الدولة، بل يقف في الهامش، يؤدي دورًا مكتوبًا له مسبقًا، فيما تُدار الدولة فعليًا من غرفٍ مغلقة بيد الجنرالات وأركان النظام القديم.

فما يجري ليس أكثر من ترفيع وهمي، أشبه بترقية “سيد” إلى رتبة خادم مطيع، بينما يظل شحيبر، كلب العائلة المدلّل، أكثر حظوة ونفوذًا. في هذا المشهد العبثي، تتجلى حقيقة السلطة: لا مكان فيه لمن لا جذور له، ولا نفوذ لمن لا ولاء له لقواعد اللعبة السياسية.

مازن أبو الحسن
فيلادلفيا، الولايات المتحدة الأمريكية

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات