بعد مرور شهر على قرار حجب مكالمات (الواتساب) الصوتية والمرئية: الوطن بلا صوت وصورة
السودان في زمن الحظر : مكالمة مقطوعة.. وقلوب معلّقة خلف شاشة الهاتف
تقرير: حسين سعد لــ(سودانس ريبورترس)
في ظل الأزمات المتلاحقة التي يشهدها السودان، لم تعد معاناة المواطنين تقتصر على النزوح أو فقدان الأمن والخدمات الأساسية، بل امتدت لتشمل أبسط حقوقهم في التواصل والتعبير، حيث أصدرت هيئة الإتصالات بياناً لها قبل ما يُقارب الشهر، أعلنت من خلاله تقييد خدمة الاتصال الصوتية والمرئية بالواتساب إعتباراً من يوم 25 يوليو الماضي، وتُعتبر مكالمات الواتساب من أكثر وسائل التواصل إستخداماً بين السودانيين داخل البلاد وخارجها، لم تكن مكالمات الواتساب وسيلة ترفٍ، بل صارت شريان تواصل رئيسياً يربط الأسر الممزقة بفعل الحرب، ويوصل صوت المغتربين إلى ذويهم، ويُيسِّر الأعمال التجارية الصغيرة، ويُمكِّن المستخدمين من متابعة شؤون حياتهم في بيئة رقمية أصبحت أكثر أهمية من أي وقت مضى، وعندما حُجبت هذه الخدمة، في وقت سابق لجأ كثيرون إلى تطبيقات (في بي إن) أي (الشبكة الإفتراضية الخاصّة) في محاولة لكسر الحظر، لكونها تحمي الاتصال بالإنترنيت والهوية والخصوصية، وتتيح إمكانية استخدام نقاط اتصال الـ(واي فاي) العامّة بأمان، لكن، هذا لديه مشاكل بسبب بطء الإنترنت وارتفاع تكاليفه، مما خلق واقعاً رقميًا خانقاً ومفروضاً على الناس. ومازال أثر قرار حجب المكالمات الصوتية والمرئية فى تطبيق الواتساب، يُشكّل أثراً سالباً ملموساً فى التواصل بين السودانيين والسودانيات داخل وخارج الوطن، حيث انحصر التواصل عبر (الواتساب) من وإلى السودان، فى الرسائل النصيّة “المكتوبة”، إلى جانب “تسجيل الصوت” من المُرسل، ومن ثمّ إرساله للمتلقّي، وفى هذا ضياع لزمن كان من الممكن استثماره، فى عمل آخر، بجانب زيادة تكلفة استخدام الإنترنيت.
معاناة إقتصادية
ورجح بعض المراقبين إلي أن حجب مكالمات الواتساب سيلقي بظلاله على الحياة الاقتصادية للآلاف من السودانيين. فالكثير من صغار التجار وأصحاب الأعمال يعتمدون على (الواتساب) خدمة “المكالمات” كوسيلة لتسويق منتجاتهم والتواصل مع العملاء، وفي إتجاه أخر يذهب البعض إلى إعتبار الحجب خطوة تستهدف الحد من إستخدام هذه المنصات في التوثيق الفوري للانتهاكات، أو التنسيق بين مجموعات الناشطين والفاعلين في المجتمع المدني، وهو ما يُعيد إلى الأذهان ممارسات سابقة قبل الثورة.
السوداني في عزلة رقمية
وللنظر للموضوع من زاوية الحقوق، وصف مدافعون عن حقوق الأنسان القرار بإنه إنتهاك صريح لحرية التعبير، وحق الوصول للمعلومات، لاسيما، في أوقات الأزمات التي يحتاج فيها الناس إلي تبادل المعلومات بحرية وسرعة وتوثيق الإنتهاكات، وقال المحامي والمدافع عن حقوق الانسان سمير مكين في حديثه مع (سودانس ريبورترس) من حيث المبدأ يعتبر حظر مكالمات الواتساب شكلاً من أشكال منع حريه التعبير، وهو حق قابل للتقييد بمقتضي إعلان حاله الطوارئ، بشرط أن يكون التقييد ضرورياً ومؤقتاً، ويتناسب مع طبيعه التهديد والخطر، وفي جميع الأحوال ينبغي أن يخضع التقييد لرقابه قضائيه مستقلة.
انتهاك للحقوق الرقمية
ومن جهته اعتبر محامي بارز فضل حجب اسمه في حديثه مع (سودانس ريبورترس) القرار بانه إنتهاك مباشر للحقوق الأساسية المكفولة، بموجب القوانيين الوطنية والمواثيق الدولية، ومن بينها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المادة (19)، والذي صادق عليه السودان، ويضمن الحق في حرية التعبير وتلقي ونقل المعلومات، وكذلك الميثاق الأفريقي لحقوق الانسان والشعوب المادة (9) الفقرة (1) والتي تنص علي حق كل فرد في الحصول علي المعلومات، وكذلك دستور السودان الإنتقالي 2019، والذي ينص علي حماية حرية التعبير والحق في الوصول للمعلومات، وأضاف المحامي أن تقييد الوصول إلى وسائل الإتصال الرقمية، يُعتبر انتهاك خطير لهذه الحقوق، والحقوق الرقمية بصورةٍ أدقّ، ويمس جوهر الحريات الأساسية للمواطن، وأوضح المحامي أنّ القانون الدولي يتح فرض قيود محددة علي بعض الحقوق في حالات إستثائية، لكن هذه القيود يجب أن تستوفي معايير صارمة، منها أن تكون ضرورية لمواجهة تهديد محدد، ومتناسبة مع مستوي ذلك التهديد، وأن تكون محددة من حيث الزمان والمكان، وأن لا تفرض بشكل شامل وغير مُقيّد، وأن تستند إلى أُسس قانونية واضحة وشفافة، وتخضع لرقابة قضائية مستقلة، لكن الحظر الحالي لايفي بأيّ من هذه المعايير، اذا لم تقدم مبررات فنية أو قانونية كافية، ولم تُحدد مدّته الزمنية ونطاقه الجغرافي، ما يثير مخاوف جدية من استخدامه كاداة للرقابة والقمع، لا للحفاظ علي الأمن.
تداعيات إنسانية وتنموية خطيرة
وأشار المحامي بقوله في ظل النزاع المسلح المستمر في السودان، أصبحت وسائل الاتصال الرقمية شريان حياة للمجتمعات المحلية، والعاملين في المجال الإنساني، والأسر المتفرقة… ويُعتبر تعطيل أو تقليل فعالية هذه الوسائل في هذا التوقيت الحرج، تهديداً مباشراً لحياة المدنيين، بمن فيهم المرضي والنازحين، وعائقاً أمام تنسيق عمليات الطؤاري والإستجابة الإنسانية، وانتهاك صارخ للمبادئ الإنسانية الدولية، التي تضمن حق الوصول إلى المساعدات والخدمات الأساسية… وبشأن التداعيات الإنسانية أشار المحامي إلى أن ملايين السودانيين المقيمين في الخارج بمن فيهم آلاف اللاجئين، يعتمدون على المكالمات الصوتية والفيديو عبر (واتساب) كوسيلة اتصال رئيسية مع ذويهم في الداخل، وقد يتسبب الحظر المفروض في: قطع شريان التواصل العائلي والإنساني بين الأسر المشتتة بسبب الحرب، وزيادة القلق والمعاناة النفسية لدى اللاجئين غير القادرين على الاطمئنان على أحبائهم، أو متابعة أحوالهم، بالتواصل عبر الصوت والصورة مع ذويهم.
وسيلة للبحث عن المفقودين
وقال المحامي: “في ظل الانهيار المؤسسي وانعدام الخدمات، بات تطبيق “واتساب” أداة حيوية يستخدمها المواطنون للبحث عن المفقودين، وتبادل صورهم ومعلوماتهم، وقد ساهمت هذه الجهود المجتمعية في لم شمل بعض الأسر التي فُقد الاتصال بها أثناء عمليات النزوح أو القصف، ووجه المحامي مطالبة عاجلة باسم العدالة والقانون، بالرفع الفوري للحظر المفروض على خدمات الاتصال الصوتي والمرئي عبر الإنترنت، وضمان إمكانية الطعن القانوني في مثل هذه القرارات، وتوفير آلية رقابة قضائية مستقلة. ودعوة الأمم المتحدة، الاتحاد الإفريقي، والمنظمات الحقوقية الدولية للتدخل العاجل، والضغط على السلطات السودانية لاحترام إلتزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان. وختم المحامي حديثه مع (سودانس ريبورترس) بقوله: “إن استمرار مثل هذه السياسات يُرسِّخ نمطاً خطيراً من التضييق الرقمي، ويقوض الجهود المبذولة فى جبهة التوثيق لتحقيق العدالة والعدالة الإنتقالية الانتقالية وبناء السلام والاستقرار في السودان، إذ لا يمكن بناء دولة القانون والمؤسسات عبر خنق حرية التعبير، أو تعطيل وسائل التواصل المشروعة التي تمكن المواطنين من ممارسة حقوقهم الأساسية.