بين الأمل والغياب: مأساة الأسر السودانية مع الإختفاء القسري(2)
تقرير:حسين سعد
نواصل في هذه التقرير سرد وقائع الجلسة الحوارية التي نظمها المركز الافريقي لدراسات العدالة والسلام حول الاختفاء القسري بالتزامن مع الاحتفالية العالمية ويقول المدافع الحقوقي شوقي يعقوب أنهم في المركز الافريقي مهتمين بقضية الاختفاء القسري من قبل الحرب ولديهم إنشطة عديدة تم تنفيذها في ذات الاتجاه وأضاف جمعنا أسر الضحايا في مجموعات وطالبنا الحكومة بالكشف عن مصير المفقودين وتابع (نمط الاخفتاء القسري مختلف ما بعد الحرب) وقال حالات الاختفاء القسري شريكة فيها الحكومة والمجموعات المسلحة التابعة لها في مناطق سيطرة الحكومة وهنالك حالات اختفاء قسري للمدنيين في مناطق تحت سيطرة الدعم السريع وزاد( بعض الحالات تطالب بفدية مالية فلكية لاطلاق سراح الضحية ) وقال شوقي إن قوات الدعم السريع تركت خلفها في العاصمة الخرطوم عشرات المعتقلات السرية بعد أن حولت المنازل والمرافق الحكومية إلى مقار أمنية وعسكرية، كما رصدت تقارير عن اعتقال أشخاص بواسطة القوة المشتركة في الفاشر، وقال شوقي يعقوب هناك حالات للاختفاء القسري في ولاية الجزيرة ومدينة سنجة لحظة سيطرة الدعم السريع عليها منتصف العام الماضي، ولا يزال مصيرهم مجهولًا بينهم الأطفال والنساء وقدر عدد الحالات في سنجة بنحو ثلاثة الف حالة وأشار شوقي الي مشاكل خاصة بالتوثيق مثل الاوضاع الامنية والانترنت وعدم وجود الناشطين المهتميين وتابع (الحالات المرصودة أقل بكثير ) وبشأن الاجراءات المطلوبة لمحاربة قضية الاختفاء القسري أشار لعدم وجود الارادة السياسية لتعديل القوانيين مشددا علي ضرورة سن تشريعات قانونية خاصة بالاختفاء القسري، مشيرًا إلى أحراز الحكومة الانتقالية برئاسة عبدالله حمدوك تقدمًا في هذه القضايا بتوقيع الاتفاقيات الدولية، لكنها لم تكتمل نتيجة التحولات التي حدثت لاحقًا، وفي محور الاثار الانسانية والاجتماعية والنفسية ، لاسيما معاناة الاسر في البحث عن مصير زويهم، قال شوقي غالبية الاسر حصل لها انهيار اقتصاد لان الشخص المفقود غالبا يكون معيل للاسرة ، وكذلك المعاناة النفسية في البحث المستمر وعمالة الاطفال والفدية المالية التي تطالب بها الجهة المختطفة وفي بعض الحالات الاسر تدفع المبلغ المالي لكن الشخص المفقود لا يتم اطلاق سراحه ، مشيرا الي ان اسرة كاملة تم اعتقالها في ارتكاز بمصفاة الجيلي من قبل قوات الدعم الدعم وتضم تلك الاسرة الزوج وزوجته وطفلتهما ذات الثلاث سنوات حيث تم ترحيل الزوجة وطفلتها الي معتقل بالرياض لمدة ستة اشهر قبل اطلاق سراحهما بينما مازال الزوج مفقوداً وتابع( هذه القضية تلخص الاثر النفسي لطفلها عمرها ثلاث سنوات وهي تري امامها معاناة المعتقلين والتعذيب والتجويع) وزاد(لدينا قصصة عديدة وحزينة مثلا في الفاشر أسرة طلب منها سداد مبلغ 15 مليون جنيه نظير اطلاق سراح رب الاسرة )
الأمهات ينتظرن:
وبدوره قال المدير التنفيذي للمركز الأفريقي للعدالة والسلام مساعد محمد خلال الجلسة الحوارية قال إن قضايا الاختفاء القسري في حرب السودان ذات أبعاد اجتماعية، لأن آلاف العائلات تعيش في حالة نفسية سيئة نتيجة فقدان رب العائلة أو الابن أو البنت أو الأم أو الأخت، مشددًا على ضرورة اتباع البروتوكولات المعروفة دوليًا في نبش المقابر الجماعية، حتى لا تطمس الأدلة وتتحقق العدالة للضحايا، وطالب بتسليط الأضواء الكاشفة على قضية المقابر الجماعية المنتشرة بالعاصمة الخرطوم والمدن التي شهدت القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع ، وأضاف يجب اللجوء إلى الأقمار الاصطناعية لتحديد المقابر كما يجب الوضع في الاعتبار أهمية التعاون بين الدول للاستعانة بالخبراء الدوليين في الطب الشرعي، وقال مساعد أن تقادم الزمن لن يجعل هذه القضايا خلف الجدران و ستظهر يومًا ما إلى العلن لإنصاف الضحايا، واشار مساعد في حديثه الي الخطوات التي مضاها المجتمع المدني في محاربة الاخفتاء القسري بالرغم من التحديات التي يعاني منها وكذلك الاعلام بذل مساعي جيدة ايضا رغم مشاكله المتعددة.
الغياب الذي لا ينتهي:
وفي المحور الأخير من الجلسة الحوراية الذي تناول تاثير الحرب علي النساء والاطفال قالت المدافعة عن حقوق الإنسان مريم حامد خلال الجلسة الحوارية أن النساء دفعن الثمن الأكبر في الحرب، مشيرة إلى أن قوات الدعم السريع اقتادت عشرات النساء من أمدرمان في الأسابيع الأولى لاندلاع القتال، ولا يزال مصيرهن مجهولًا، وقالت مريم حامد إن قوات الدعم السريع داهمت المنازل في أم درمان إبان سيطرتها على العاصمة الخرطوم، واقتادت عشرات الأطفال لتجنيدهم في صفوفها، كما استخدمت هؤلاء الأطفال لأغراض عسكرية في مناطق الجيش وتحدثت مريم حامد عن اقتياد قوات الدعم السريع النساء وإجبارهن للعمل في الأعمال المنزلية والجنس، ولفتت إلى أن قضايا الاختفاء القسري تحتاج إلى تسليط الضوء السياسي والإعلامي والقانوني والدولي، وأضافت النساء والأطفال اختفوا قسريًا، منذ ذلك الوقت لم تكشف قوات الدعم السريع عن مواقع تواجدهم، وعما إذا كانوا أحياء أو أموات دفنوا في المقابر الجماعية التي تنتشر في ولاية الخرطوم.
الخاتمة:
(من المحرر) الإختفاء القسري في السودان ليس مجرد ملف حقوقي يُختتم بتقرير أو أرقام، بل هو مأساة ممتدة تتجسد في صمت الأمهات، ودموع الزوجات، ووجوه الأطفال التي كبرت قبل أوانها، هو غيابٌ يتحول مع مرور الأيام إلى حضور طاغٍ، حضور للانتظار الطويل، وللأمل الذي يتشبث بالحياة رغم قسوته، كل بيت فقد عزيزاً في هذه الحرب أو في سنوات القمع الماضية يعرف أن الاختفاء القسري لا ينتهي عند حدود الشخص المفقود، بل يظل يلاحق الأسرة كلها، يعيد تشكيل تفاصيل حياتها، ويترك جرحاً لا يندمل في روح المجتمع فهذه الجريمة ليست مجرد إنتهاك للقانون الدولي، بل هي جريمة ضد إنسانيتنا جميعاً، فحين يُنتزع إنسان من بين أهله ويُلقى به في المجهول، فإن ذلك يختبر ضمير العالم، ويضع الإنسانية أمام سؤالها الأصعب: كيف نقبل أن يختفي البشر وكأنهم لم يكونوا؟ كيف نسمح للصمت أن يغطي على أصوات الاستغاثة التي تصعد كل يوم من بيوت المفقودين؟ إن أصعب ما في الاختفاء القسري ليس فقط غياب الجسد، بل غياب الحقيقة فالأسر لا تعرف إن كانت ستبني على أمل العودة أم على يقين الفقد، قصص الصمود التي نسمعها من الأمهات والناجين والناشطات تعكس أن هناك قوة كامنة في مواجهة الظلم، وأن الأمل، مهما بدا هشاً، يظل هو الحبل الأخير الذي يتمسك به الناس، فاليوم، يحتاج السودان إلى كسر جدار الصمت، وإلى أن تتحول معاناة الضحايا إلى قضية رأي عام، محلياً ودولياً، يحتاج إلى آليات عدالة تكشف الحقيقة، وتُعيد الكرامة للمفقودين وأسرهم، وتضع حداً لإفلات الجناة من العقاب فالمعركة ليست فقط معركة أسر تبحث عن أحبائها، بل معركة مجتمع بأسره يريد أن يحمي ذاكرته وحقه في العيش بأمان، يجب ان نعمل جميعاً حتي لا يضيع الإنسان كما يضيع الطريق؛ فكل غياب لا بد أن تُلاحقه الحقيقة، وكل مفقود له الحق في العودة أو في كشف مصيره لأن الوطن لا يُبنى على الغياب، بل على عدالة تكشف النور في عتمة المجهول( إنتهي)