تذبذب في اسعار الدولار مقابل الجنيه السوداني في السوق الموازي
وكالات:السودانية نيوز
تشهد أسعار العملات الأجنبية مقابل الجنيه السوداني اليوم السبت حالة من التذبذب الحاد في السوق الموازي، وذلك بعد موجة ارتفاع تدريجي استمرت خلال الأسابيع الماضية وأدت إلى بلوغ مستويات قياسية غير مسبوقة.
وعلى الرغم من هذا التصاعد، فإن السوق يشهد في الوقت الراهن تفاوتًا ملحوظًا في الأسعار، ما يجعل تحديد رقم دقيق لسعر صرف الدولار أمرًا غير موثوق به، إذ يعتمد بعض المتعاملين على مصدر واحد أو نطاق جغرافي محدود. وقد رصد موقع اخبار السودان تداولات الدولار الأمريكي اليوم السبت تتراوح بين 3,000 و3,190 جنيهًا، إلا أن النطاق الأكثر تداولًا ظل بين 3,050 و3,130 جنيهًا، مع متوسط بلغ نحو 3,100 جنيه مقابل كل دولار ، وهو ما يعكس واقعًا غير مستقر ناجم عن عوامل متعددة تؤثر على حركة السوق، التي باتت تتسم بتقلبات كبيرة وتغيرات سريعة في الأسعار خلال اليوم الواحد.
وفي سياق متصل، شكّل شهر يوليو من العام 2025 نقطة تحول حادة في مسار الجنيه السوداني، حيث شهدت العملة الوطنية انهيارًا غير مسبوق أمام العملات الأجنبية، وسط تصاعد الاضطرابات السياسية والمصرفية، وتحذيرات متزايدة من تداعيات اقتصادية خطيرة تهدد الاستقرار المالي في البلاد. ووفقًا للمتابعات اليومية التي ينشرها موقع “أخبار السودان”، أنهى الدولار الأمريكي تعاملاته في السوق الموازي بمتوسط سعر صرف بلغ نحو 3,100 جنيه سوداني، مع تفاوتات وصلت إلى 3,120 جنيهًا في بعض المدن، بينما تجاوز في بعض التعاملات حاجز 3,350 جنيهًا خلال الأسبوع الثالث من الشهر، مقارنة بسعر صرف بلغ 560 جنيهًا فقط في ذات الفترة من عام 2023، ما يعكس تراجعًا بنسبة تفوق 498% خلال 27 شهرًا.

كان قد شهد الجنيه السوداني خلال شهر يوليو 2025 انهيارًا تدريجيًا لكنه متسارع أمام العملات الأجنبية، في ظل استمرار الحرب الداخلية وتفاقم الأزمات الاقتصادية والإنسانية التي تعصف بالبلاد. بدأت مؤشرات هذا التراجع في الأيام الأولى من الشهر، حيث افتتح الدولار تعاملاته عند 2,753.01 جنيهًا، وسجل في التاسع من يوليو نحو 2,850 جنيهًا، ثم ارتفع تدريجيًا ليصل إلى 2,950 جنيهًا في الأسبوع الثاني، قبل أن يتجاوز حاجز 3,350 جنيهًا في الأسبوع الثالث، ويختتم الشهر عند مستوى قياسي بلغ 3,250 جنيهًا للدولار الواحد. ويُعد هذا الانهيار الأعلى منذ اندلاع النزاع في أبريل 2023، ويعكس فقدانًا شبه كامل للثقة في العملة الوطنية.
ولم يكن هذا الانهيار نتيجة مضاربات مالية فحسب، بل جاء نتيجة تراكمات اقتصادية وأمنية خطيرة، أبرزها استمرار الحرب التي عطلت الإنتاج الزراعي والصناعي، وتسببت في نزوح ملايين المواطنين، وتدمير البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك شبكات الكهرباء والمياه والمصارف. كما أن سيطرة قوات الدعم السريع على أجزاء واسعة من العاصمة الخرطوم ومدن رئيسية مثل الفاشر، وما صاحب ذلك من عمليات نهب للبنوك والمخازن، أدى إلى فقدان السيولة النقدية، ودفع المواطنين والتجار إلى التعامل بالعملات الأجنبية كوسيلة أكثر أمانًا.
وقد ساهم غياب البنك المركزي عن المشهد المالي وتوقفه عن التدخل في سوق الصرف في تفاقم الأزمة، خاصة مع توقف التحويلات الخارجية، وانعدام الثقة في النظام المصرفي، وتعليق برامج الدعم الدولي، وانسحاب المؤسسات المالية العالمية من التعامل مع السودان. هذه العوامل مجتمعة أدت إلى تعميق العجز في الاحتياطات النقدية، ورفع الطلب على العملات الأجنبية في السوق الموازي، ما تسبب في انفلات الأسعار وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين.
وكانت النتائج المترتبة على هذا الانهيار كارثية على المستوى المعيشي، إذ ارتفعت أسعار السلع الأساسية بنسبة تجاوزت 400% في بعض المناطق، وتضاعفت أسعار الوقود والدواء، فيما فقدت الرواتب الحكومية قيمتها الشرائية خلال أيام من صرفها. كما أدى انهيار الجنيه إلى توقف شبه كامل في عمليات الاستيراد، وعجز التجار عن توفير البضائع، ما زاد من حدة التضخم الذي بلغ مستويات غير مسبوقة، وسط غياب أي سياسات اقتصادية واضحة أو إجراءات حكومية فعالة.
ويُعد شهر يوليو 2025 من أسوأ الفصول في تاريخ الجنيه السوداني، حيث لم يشهد فقط تراجعًا حادًا في قيمته، بل كشف عن انهيار شامل في المنظومة الاقتصادية، ما يستدعي تدخلًا عاجلًا لإيقاف الحرب، وإعادة بناء المؤسسات المالية، واستعادة الثقة في النظام النقدي، كخطوة أولى نحو إنقاذ الاقتصاد السوداني من الانهيار الكامل.