ترامب رئيسا.. دروس الانتخابات وسيناريوهات التدخل في ملفات العالم
تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات
ترامب رئيسا
تقديم:
بدأت التحليلات والقراءات تصدر من الولايات المتحدة لتقييم أسباب فوز دونالد ترامب الساحق في الانتخابات الرئاسية، ووجوه تبدّل سلوكه السياسي، وما يمكن أن يغيّره في بلاده، وحدود تدخله لوقف حرب أوكرانيا وحروب الشرق الأوسط. في التقييم أيضا، مجهر على إخفاقات الحزب الديمقراطي، وهجر كتل ناخبة تصوّت تقليديا لصالح الديمقراطيين للمرشحة كامالا هاريس لصالح منافسها.
لفهم دروس تلك الانتخابات نعرض للملاحظات الأولية التالية:
– يرى باحثون أن الانتخابات تمثل هزيمة ساحقة للحزب الديمقراطي قد تشبه ما مني به الحزب الجمهوري أمام باراك أوباما لمرتين. ويدعو هؤلاء إلى أن يتمثّل الديمقراطيون بنقاشات جرت داخل الحزب الجمهوري آنذاك لاستنتاج أسباب الهزيمة، وأن يراجع الحزب الديمقراطي أخطاءه (الكثيرة حسب وصفهم) والتي أدت إلى خسارة في السلطتين التنفيذية والتشريعية معطوفا على ميل المحكمة العليا إلى التيار المحافظ.
– لفت مراقبون إلى ظاهرة ذهاب “اتحاد العمال”، الذي كان تقليديا تحت سقف الديمقراطيين، باتجاه الحزب الجمهوري، ليس تأييدا لعقائدهم، بل دعما لترامب كبديل عن الإدارة الديمقراطية. فسّر هذا التحوّل إلى أولوية القدرة الشرائية والاقتصاد في تحديد حوافز الطبقة العاملة وابتعادها عن الثوابت الايديولوجية السابقة.
– يعتقد خبراء في الشؤون الحزبية، أن الحزب الديمقراطي شكّل نخبة تزعم التموضع في موقع يسار الوسط، لكنها فرضت سياسات لم تعد تشبه الحزب وقيمه. واستنتج هؤلاء فرض نخبة الحزب، كامالا هاريس، كمرشحة أمر واقع لم تخضع لعملية انتخابية ديمقراطية تقليدية وحقيقية بين متنافسين، الامر الذي دفع القواعد الشابة الى مقاطعة التصويت او التصويت الكيدي لترامب.
– يلاحظ خبراء في شؤون المجتمع الأميركي أثر قضايا الجندر والأقليات الجنسية والتحوّل الجنسي على هجر الحزب الديمقراطي، وذلك احتجاجا على تدخل الدولة (برعاية من الديمقراطيين) في شؤون العلاقة داخل الأسرة، ما يهدد حرية مكوّن العائلة واستقلال قرارها، ما يعتبر خطا أحمر. وهو أمر يعمل المحافظون، مدعمين بمواقف الكنيسة، على حمايته.
– يؤكد بعض المعلقين أن دونالد ترامب بات أقل توترا مما كان عليه في ولايته الأولى بسبب ما اكتسبه من خبرة، وسيطرته خلال الأعوام الأخيرة على الحزب الجمهوري، وانضمام شخصيات مرموقة من خارج فضاء الحزب، مثل ايلون ماسك وروبرت كينيدي، إلى حملته الانتخابية. وتميل بعض التحليلات أيضا، أنه بات أكثر استعدادا للتخفيف من حدّة الانقسام المجتمعي. ويعتبرون أن “خطاب النصر” الذي ألقاه بعد الفوز يمكن أن يكون أساسا لسلوكه المقبل في البيت الأبيض.
– ينصح خبراء بالانتباه إلى حقيقة وجود مجتمعيْن منفصلين في الولايات المتحدة متناقضي العقائد والمصالح باتا أقرب إلى التصادم. ويعتبرون أن ترامب لعب في دورته الرئاسية الأولى على وتر تفاوت ثقافتي المجتمعين، واستفاد منه وعمق من مساحاته، وأن الأمر يحتاج إلى فضاءات نقاش تصادرها وسائل الإعلام الاجتماعي.
– يضيف هؤلاء أن ترامب لم يعد معنيّا بهذا الانقسام، ولم يعد مفيدا له بعد انتخابه، وأنه قد يلجأ إلى خطاب آخر باتجاه رأب الانقسام أو محاولة إظهار شكل من أشكال الوحدة الوطنية.
– توقّع خبراء السياسة الخارجية الأميركية أن تكون أولوية ترامب هي أوكرانيا قبل الشرق الأوسط، واعتبروا أنه سيحاول الاستثمار في علاقته مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، للتوصل على الأقل إلى وقف إطلاق، والشروع بعد ذلك في ورشة لإنتاج تسوية.
– لفت الخبراء أيضا إلى أن الأولوية الاستراتيجية للولايات المتحدة منذ ولاية أوباما الأولى هي الصين، وأنه من الأهمية بالنسبة لواشنطن فك ارتباط روسيا بالصين، وهو أمر يأخذه ترامب، في عدائه للصين، بعين الاعتبار جيداً.
– كان لافتا في هذا الصدد ما صدر عن أمين عام الناتو، مارك روته، بمناسبة مشاركته في قمة المجموعة السياسية الأوروبية التي تضم حوالي 40 من قادة الدول في بودابست في تصريح قال فيه إنه يتطلع إلى الجلوس مع الرئيس الأميركي المنتخب ورؤية كيف سنضمن بشكل جماعي مواجهة التحديات، ومن بينها التهديد الروسي والكوري الشمالي.
– تنقسم الآراء بشأن قدرة ترامب على وقف حروب الشرق الأوسط. يلفت البعض إلى الفترة الفاصلة لتسلم منصبه، في 20 يناير، والتي ستعيق قدرة واشنطن على ممارسة الضغوط على الحكومة الإسرائيلية، ما يعطي رئيسها، بنيامين نتنياهو، مهلة لتصليب مواقفه وفرض أمر واقع عسكري على الإدارة الجديدة والمنطقة.
– تلفت آراء أخرى إلى أن الدول العربية، لا سيما المعنيّة بشؤون الحرب في المنطقة، وفي المقدمة مصر ودول الخليج، قد تستقوي بحسن علاقاتها مع ترامب للضغط باتجاه ترتيب شروط وقف الحرب وترتيب اليوم التالي لها وهو أمر يدركه نتنياهو.
خلاصة:
**على المستوى الحزبي يُعد فوز ترامب هزيمة ساحقة للحزب الديمقراطي، ما يستدعي مراجعة داخل الحزب تفسّر هجر الناخبين، لا سيما من الطبقات العاملة المؤيدين تقليديا للحزب الديمقراطي.
**يكشف الفوز عن نجاح ترامب في استقطاب وجوه من خارج الحزب الجمهوري وجذب شرائح جديدة من الناخبين الملتحقين بالتصويت لصالحه لأسباب اقتصادية أو هجرا لما يعتبرونه اقتحاما للدولة، يرعاه الديمقراطيون، لشؤون الأسرة، لا سيما في قضايا الجندر والتحوّل الجنسي.
**يكشف “خطاب الفوز” عن أعراض عدم حاجة ترامب لخطاب التوتّر والانقسام، واحتمال قيادته لإدارة من مشارب مختلفة تخفف من الانقسام المجتمعي في البلاد، لتحقيق حلول ناجعة وعاجلة للازمة الاقتصادية والبطالة والتضخم، وتلبية تطلعات ناخبيه.
**يُعتقد أن أولوية ترامب في السياسة الخارجية هي وقف حرب أوكرانيا، وأن الهاجس الصيني في واشنطن ما زال دافعا للعمل على فك ارتباط روسيا والصين.
**تنقسم الآراء بشأن قدرة ترامب على وقف حروب نتنياهو في ظل الفترة الفاصلة من تسلمه الحكم. ويتوقع استغلال نتنياهو لهذه الفترة لفرض أمر واقع للمساومة لاحقا.
**تعتقد آراء أخرى أن حروب الشرق الأوسط مستمرة ومرتبطة بقضايا أمن اسرائيل وعلاقة واشنطن مع روسيا وإيران والصين، وأن أمر إنهائها سيكون معقدا بالنسبة لترامب.