الإثنين, نوفمبر 24, 2025
الرئيسيةاخبار سياسيةترحيب بورتسودان بالقمة السعودية–الأمريكية: بين رهان عودة مسار جدة ومحاولة امتصاص الضغوط...

ترحيب بورتسودان بالقمة السعودية–الأمريكية: بين رهان عودة مسار جدة ومحاولة امتصاص الضغوط الدولية

ورقة تقدير موقف بحثية
ذوالنون سليمان، مركز تقدم للسياسات
الملخص التنفيذي
يعكس الترحيب الصادر عن مجلس السيادة في بورتسودان بالمبادرة السعودية–الأمريكية لإنهاء الحرب في السودان تحوّلاً لافتاً في موقف السلطة العسكرية والحركة الإسلامية الداعمة لها، بعد سنوات من رفض أي مسار تفاوضي مشابه لمسار جدة وانتقاد دور الآلية الرباعية.
توظّف بورتسودان هذا الانفتاح لاعتبارات سياسية وعسكرية، أبرزها السعي لإحياء مسار تفاوضي ثنائي يمنح الجيش هامش مناورة أكبر، إضافة إلى محاولة احتواء ضغوط دولية متصاعدة مرتبطة بالاشتباه في تقارب مع إيران.
لكن هذا التوجه يصطدم بالموقف الأمريكي الرسمي الذي يؤكد التمسك بدور الآلية الرباعية، ما يجعل فرص استحداث عملية سياسية بديلة أقل ترجيحاً.
وتشير الورقة إلى ثلاثة سيناريوهات مستقبلية محتملة للحرب، تتراوح بين تسوية تفاوضية مشروطة، وتصعيد إقليمي داخلي، واستمرار الحرب بوتيرة استنزاف طويلة.
مقدمة
شهد الموقف الرسمي لبورتسودان تحولاً غير مسبوق بعد إعلانها الترحيب بالقمة السعودية–الأمريكية التي تناولت ملف الحرب السودانية. ويأتي هذا التحول بعد ثلاث سنوات من انتقادات متواصلة لمسار جدة، واتهام الآلية الرباعية بالتبني غير المتوازن لمقاربات سياسية تستبعد الإسلاميين وتساوي بين الجيش والدعم السريع.
تسعى هذه الورقة إلى تحليل أبعاد هذا التحول، وفهم دوافعه، واستكشاف تداعياته المحتملة على مسار الحرب والسلام في السودان، في ضوء التفاعلات الإقليمية والدولية المتسارعة.
أولاً: خلفية عامة حول موقف بورتسودان ومسار جدة
• رفضت بورتسودان طوال السنوات الماضية انخراطاً جدياً في المبادرات الدولية، خاصة تلك التي تتضمن إشراك قوات الدعم السريع باعتبارها طرفاً مساوياً للجيش.
• تحفظت على الدور الإماراتي داخل الرباعية وعلى ما اعتبرته سعياً دولياً لاستبعاد الحركة الإسلامية من مستقبل الحكم.
• شكّل ذلك الأساس لابتعادها عن مسار جدة وتفضيلها العمل العسكري المباشر على التسوية السياسية.
في هذا السياق، يبدو الترحيب الجديد محاولة لإعادة صياغة العلاقة مع الولايات المتحدة والسعودية بما يخدم الحسابات السياسية والعسكرية للقيادة في بورتسودان.
ثانياً: رهان بورتسودان على عودة مسار جدة بصيغة ثنائية سعودية–أمريكية
تقرأ بورتسودان الدعوة السعودية–الأمريكية كفرصة لإحياء مسار تفاوضي يمنح الجيش أفضلية في التمثيل والقرار.
ويرتبط ذلك بعدة دوافع:
1. تراجع ثقل الآلية الرباعية بسبب الخلافات الداخلية بين أطرافها العربية.
2. سعي الجيش للحصول على مظلة تفاوضية ضيقة (سعودية–أمريكية) بدلاً من مظلة متعددة الأطراف تضم قوى إقليمية تختلف في توجهاتها.
3. امتلاك بورتسودان أوراق قوة جيواستراتيجية تتعلق بالموانئ وحماية البحر الأحمر ومكافحة الهجرة والإرهاب.
من وجهة نظر بورتسودان، قد يؤدي هذا المسار إلى:
• تعزيز موقع الجيش سياسياً،
• أو على الأقل منحه الوقت لتحقيق مكاسب ميدانية إضافية.
ثالثاً: محاولة امتصاص الضغوط الدولية في ظل تصاعد هواجس النفوذ الإيراني
تزايد الضغوط الدولية على بورتسودان خلال الأشهر الماضية بسبب تقارير تفيد بوجود تعاون عسكري محدود مع إيران، ما أثار مخاوف واشنطن وبعض القوى الخليجية.
وبالنظر إلى أن تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وطهران يتزامن مع حملة أمريكية ضد النفوذ الإيراني في المنطقة، فإن:
• رفض الجيش للهدنة أو المسار التفاوضي قد يعرضه لتهديدات سياسية وربما عسكرية.
• الترحيب بالمبادرة السعودية–الأمريكية يشكل محاولة لامتصاص العاصفة الدولية وإعادة التموضع تكتيكياً.
وبذلك يصبح الانفتاح على واشنطن والرياض جزءاً من استراتيجية دفاعية لتجنب تصنيف بورتسودان ضمن دائرة النفوذ الإيراني.
رابعاً: رغبة سعودية في تجاوز خلافات الرباعية
يشير طلب ولي العهد السعودي من الرئيس الأمريكي التدخل لإنهاء الحرب إلى:
• وجود عدم ارتياح سعودي لآلية الرباعية التي شابتها خلافات عربية واضحة،
• وتفضيل صيغة سعودية–أمريكية أكثر تركيزاً وتأثيراً.
السعودية، التي كانت ركيزة لمسار جدة، تدرك أن إشراك واشنطن بشكل مباشر يوفر زخماً دبلوماسياً أكبر ويعيد توجيه العملية السياسية وفق منظور يخدم مصالحها في البحر الأحمر والأمن الإقليمي.
خامساً: الموقف الأمريكي الرسمي وتضاؤل فرص إعادة إنتاج مسار جديد
رغم التفاؤل الذي تبديه بورتسودان، فإن:
• تصريحات الرئيس ترامب،
• والمستشار الأمريكي للشؤون الإفريقية،
• وبيان السفارة الأمريكية في الخرطوم،
كلها تشير بوضوح إلى التمسك بالإطار الرباعي باعتباره الآلية الأساسية لوقف الحرب.
وهذا يضع حدوداً واضحة لأي محاولات للخروج من هذا المسار نحو ترتيبات ثنائية جديدة.
سادساً: السيناريوهات المستقبلية المحتملة للحرب في السودان

سيناريو التسوية التفاوضية المشروطة (مرجّح جزئياً)
يحدث هذا السيناريو إذا:
• نجحت السعودية والولايات المتحدة في توحيد موقفهما،
• وضغطتا على طرفي الصراع للقبول بهدنة قابلة للتوسع.
النتائج المحتملة:
• بدء مسار سياسي تدريجي،
• لكن بدون معالجة جذور الأزمة البنيوية،
• احتمالية بقاء النفوذ العسكري على حساب المسار المدني.

سيناريو التصعيد العسكري والإقليمي (متوسط إلى مرتفع الاحتمال)
قد يتصاعد الصراع إذا:
• فشلت المبادرة السعودية–الأمريكية،
• واستمرت بورتسودان في التقارب مع إيران،
• أو توسع الدعم الخارجي للدعم السريع.

التداعيات:
• اتساع رقعة الحرب،
• احتمال تدخلات إقليمية بالوكالة،
• تهديد الملاحة في البحر الأحمر،
• انفجار أزمات إنسانية مضاعفة.

سيناريو حرب الاستنزاف طويلة المدى (مرتفع الاحتمال)
في حال غياب توافق دولي–إقليمي، قد تستمر الحرب على شكل صراع طويل منخفض الوتيرة مع:
• تبادل سيطرة ميدانية،
• انقسام جغرافي مستمر،
• تفكك مؤسسات الدولة،
• وتدهور أكبر في الوضع الاقتصادي والإنساني.
هذا السيناريو هو الأكثر واقعية في المدى القصير إذا لم تتحقق اختراقات سياسية كبيرة.
الخلاصة
يمثل تعهد الرئيس ترامب باستخدام نفوذ الرئاسة لوقف الحرب تطوراً مهماً، لكنه يظل غير كافٍ دون توافق إقليمي شامل يشمل السعودية والإمارات ومصر وواشنطن، إضافة إلى القوى الأفريقية والدولية المعنية.
غياب هذا التوافق سيؤدي إلى استمرار الحرب أو انتقالها إلى مرحلة أكثر خطورة، قد تُحوّل السودان إلى ساحة صراع إقليمي مفتوحة، مع تداعيات خطيرة على استقرار البحر الأحمر والمنطقة

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات