الإثنين, نوفمبر 24, 2025
الرئيسيةاخبار سياسيةتصعيد البرهان ضد مبعوث واشنطن: خضوع لنفوذ تيار في الجيش والميليشيات

تصعيد البرهان ضد مبعوث واشنطن: خضوع لنفوذ تيار في الجيش والميليشيات


ذوالنون سليمان، تقدير موقف – مركز تقدّم للسياسات
تقديم: يمثّل التصعيد الحاد الذي وجّهه الفريق أول عبد الفتاح البرهان ضد مبعوث الرئيس الأمريكي مسعد بولس أحد أخطر التحولات في مسار التفاعل بين قيادة الجيش السوداني والوساطة الدولية منذ اندلاع الحرب في البلاد. فقد أعلن البرهان، خلال اجتماع ضمّ كبار قادة القوات المسلحة وقيادات أمنية رفيعة في بورتسودان، رفضه القاطع لمقترح قدّمته الآلية الرباعية عبر المبعوث الأمريكي، واصفاً إياه بأنه “أسوأ ورقة منذ بداية الحرب”. ويكشف اختيار البرهان منصة عسكرية رفيعة المستوى لإطلاق هذا التصعيد عن رغبة في توجيه رسالة داخلية وخارجية في آن واحد، مفادها أن الجيش مستعد لمواجهة أي مسار تفاوضي يراه مُنتقصاً من سلطته أو مهدِّداً لهيمنة معسكر بورتسودان على ترتيبات المستقبل السياسي والأمني في السودان.
وتكتسب هذه التصريحات أهميتها من أنها تأتي في لحظة دقيقة أعقبت مباشرة ترحيب البرهان بتصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بشأن السعي لإنهاء الحرب في السودان، وفي سياق جهود سعودية–أمريكية لمحاولة إعادة إحياء مسار التهدئة. هذا التناقض الظاهري بين الانفتاح المرحلي والتصعيد اللفظي لا يدل على اضطراب في الموقف بقدر ما يكشف عن صراعات عميقة داخل معسكر بورتسودان، وعن ضغوط سياسية وعسكرية تمارس على البرهان في محاولة لدفعه إلى إعادة تموضع فوقي يضمن لهم البقاء في مركز القيادة، ويحول دون انفراط تحالفه مع الإسلاميين والحركات المسلحة التي تقاتل إلى جانبه.
لقد مثّلت تصريحات البرهان ضربة مباشرة لمسعى واشنطن والرباعية لإعادة بناء الثقة مع قيادة الجيش، وفتحت الباب أمام احتمال تعثر عملية الوساطة الدولية أو انتقالها إلى مسارات بديلة تتجاوز الآلية الرباعية. كما أن حدّة التصعيد ضد مبعوث الرئيس الأمريكي تُرسل إشارة مقلقة إلى واشنطن والعواصم الإقليمية بأن بورتسودان ليست في وارد قبول أي صيغة تفاوضية تُقلّص نفوذ الجيش أو تُعيد هيكلة المؤسسة العسكرية بطريقة تتيح إدماج قوات الدعم السريع أو تُقوّي حضور القوى المدنية في المشهد الانتقالي.
وبذلك، لا تمثّل تصريحات البرهان مجرد رفض لمقترح أمريكي–خليجي، بل تحمل في طياتها تهديداً مباشراً لزخم الوساطة الدولية، واحتمالاً متزايداً بأن يدخل السودان مرحلة جديدة من انسداد الأفق السياسي، وهو ما قد يطيل أمد الحرب، ويزيد من تعقيد البيئة الإقليمية المتصلة بالأزمة السودانية.
التحليل:
جاء هجوم البرهان على المبعوث الأمريكي في سياق سياسي وأمني شديد الحساسية داخل معسكر بورتسودان، حيث تتبلور مجموعة من الاختلالات البنيوية التي تهدد تماسك التحالف الحاكم هناك. ففي أعقاب ترحيبه العلني بتصريحات ترامب، ساد غضب واسع داخل التيار الإسلامي، والحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش، وعناصر نافذة داخل القوات المسلحة نفسها. هذه المكونات ترى في أي انفتاح سعودي–أمريكي خطوة خطرة قد تعيد إنتاج مقاربة الرباعية، القائمة على تقليص نفوذ الإسلاميين، وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، وفرض ترتيبات انتقالية تعطي وزناً أكبر للقوى المدنية أو تمنح الدعم السريع شكلاً من أشكال الشرعية.

أولاً، يمكن قراءة تصعيد البرهان باعتباره محاولة لاحتواء هذا الغضب الداخلي عبر توجيه رسالة واضحة مفادها أن الجيش لن يقبل بأي اتفاق يُنتقص منه دوره أو يقلّص من نفوذ الإسلاميين وشركائهم داخل السلطة. وتُظهر التجربة السياسية لمجلس السيادة أن البرهان لا يستطيع اتخاذ خطوات براغماتية دون تقديم ضمانات داخلية تُطمئن التيارات المتشددة بأنه ثابت على رفض أي صيغة تفاوضية تمسّ تركيبة القوة داخل الجيش أو تهدد مواقع النفوذ التي راكمتها الحركة الإسلامية.
ثانياً، يُشكّل التصعيد ضد بولس محاولة للضغط الاستراتيجي على الوسطاء بهدف تحسين شروط التفاوض. فبرغم الانفتاح المرحلي على المبادرة السعودية–الأمريكية، إلا أن بورتسودان تُدرك أن أي عملية سياسية ملزمة قد تُفقدها القدرة على التحكم في الإيقاع السياسي والعسكري للحرب. ومن خلال رفع سقف الخطاب، يسعى البرهان إلى تحصيل تنازلات جوهرية: إما تعديل بنود الورقة المطروحة، أو تجميد دور الآلية الرباعية، أو فتح الباب لصيغة تفاوضية ثنائية مع الرياض وواشنطن تتجاوز الأطراف الأخرى في الرباعية وتمنح الجيش مساحة أوسع للمناورة.

ثالثاً، تعكس الاتهامات الموجهة لمسعد بولس—بأنه يروّج لرواية الدعم السريع ويتحدث بلسان الإمارات—مخاوف داخلية من أن التحالفات الإقليمية قد تتغير على نحو يضرّ بمعسكر بورتسودان. فالسردية التي يروج لها أنصار الجيش تقوم على أن الإمارات تسعى لتكريس نفوذ الدعم السريع، وأن واشنطن تُعيد تركيب مقاربة جديدة تُهمّش القوى الإسلامية. هذا التصور، يستخدمه البرهان لتبرير موقف أكثر تصلباً بهدف منع تحويل المبادرة الأمريكية–الخليجية إلى مسار ملزم يعيد إنتاج توازنات لا تصب في مصلحة الجيش.
رابعاً، يحمل الهجوم على المبعوث الأمريكي بعداً تكتيكياً يرتبط بالخشية من أن تتحول المبادرة السعودية–الأمريكية إلى مسار سياسي يعيد إنتاج مقاربة 2022–2023، بما تتضمنه من ترتيبات أمنية تتعلق بإعادة هيكلة القوات المسلحة وإدماج الدعم السريع بشكل أو بآخر، وهو الأمر الذي تعتبره بورتسودان خطاً أحمر. والمفارقة أن البرهان، رغم إدراكه لأهمية الغطاء السعودي–الأمريكي، يحاول عبر التصعيد إعادة ضبط الإطار التفاوضي قبل الدخول فيه، بحيث لا يكون الجيش مجبراً على قبول شروط يعتبرها “هندسة سياسية” تستهدف توازنات السلطة الحالية.
ويُضاف إلى ذلك أن الخطاب المتشدد يهدف إلى إرسال إشارة مفادها أن الجيش غير مستعد للتفاوض من موقع ضعف، وأنه يحتفظ بقدرة عسكرية وسياسية تسمح له برفض أي صيغة لا تتوافق مع رؤيته للحل. وهذه الرسالة موجهة للداخل والخارج معاً، وتأتي في سياق محاولة بورتسودان الحفاظ على وحدة المعسكر الحاكم في مواجهة أي انقسامات محتملة.
الخلاصات:
**إن تصعيد البرهان ضد المبعوث الأمريكي لا يمثل تحولاً جوهرياً في موقف بورتسودان، بقدر ما يعكس مناورة تفاوضية تهدف إلى ضبط الإطار السياسي الذي ستنشط داخله الوساطة الدولية، وإلى منع تحول المبادرة السعودية–الأمريكية إلى مسار ملزم يُضعف نفوذ الجيش.
**الخطاب المتشدد يهدف أساساً إلى حماية التماسك الداخلي لمعسكر بورتسودان- بما يشمل التيار الإسلامي والحركات المسلحة- وطمأنتهم بأن الجيش لن يقبل بأي ترتيبات تنال من مراكزهم داخل الدولة أو تمنح الدعم السريع شرعية سياسية أو عسكرية.
**التصعيد ضد بولس يتضمن رسالة واضحة للوساطة الدولية مفادها أن بورتسودان تريد إعادة تشكيل العملية التفاوضية بالشروط التي تحافظ على مركزية الجيش وتحدّ من دور الآلية الرباعية، من دون أن يعني ذلك انسحاباً كاملاً من مسار السلام.
**وعلى الرغم من حدّة التصريحات، من المرجح أن تستمر المفاوضات خلال الفترة المقبلة، لكن وفق شروط أكثر تشدداً من جانب الجيش، وسقف أعلى تجاه أي تسوية تتعلق بوضع الدعم السريع أو إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية.
**تمثل هذه التطورات خطراً مباشراً على جهود الوساطة الدولية، إذ إن التصعيد قد يؤدي إلى إضعاف الثقة بين بورتسودان والآلية الرباعية، ويهدد بإطالة أمد الحرب في السودان إذا لم تنجح الأطراف الإقليمية والدولية في احتواء هذا التوتر وإعادة التوازن إلى العملية السياسية.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات