تضارب واضطراب في خطاب قائد الدعم السريع (٢) .
بقلم : الصادق علي حسن.
خطاب قائد الدعم
في خطاب قائد الدعم السريع حميدتي وهو يتحدث عن إجتماع عقدوه بمنزل السفير السعودي بالخرطوم بحضور مساعدة وزير الخارجية الأمريكية (مولي في) وبمشاركة زميله كباشي والأستاذ ياسر عرمان وآخرين قال في ذلك الإجتماع أنه رفض الاتفاق الإطاري الذي وأفق عليه الكباشي وعلى كل ما أورده ياسر عرمان، كما ذكر أنه حذر بأن الاطاري سيدخل البلاد في الحرب ، وكان قد أتجه للخروج من منزل السفير السعودي الذي أستوقفه وأعاده وطلب منه البقاء ، هذه الوقائع تكشف كيف كانت تدار الدولة من داخل بيوت السفراء بعقلية تفتقر لماهية هيبة الدولة ورمزية سيادتها ، حوار صحفي خاص مع أسرة رئيس الوزراء الأسبق محمد أحمد محجوب تكشف الفواصل ما بين سلوك الشخص العام المسؤول والشخص العادي في القضايا التي ترتبط بالبلاد ، في زيارة خاصة لأسرة السيد محمد أحمد محجوب من الدويم إلى الخرطوم ٢ كنت قد قرأته منذ عدة سنوات ، أدرت محرك الجوجل وأعدت قراءة ذلك الحوار المنشور بصحيفة المجهر العدد الصادر بتاريخ ٣١/ ١٢/ ٢٠١٤م ,في ذلك الحوار قال الجيلي وهو من أقرب أصدقاء المحجوب على لسان أحد ضباط الأمن الآتي ( الرئيس عبد الناصر عند زيارته للسودان أشترط أن يقابل الزعيم “المحجوب” أولا قبل دخول القصر الجمهوري وكُلف ذلك الضابط بتأمين الزيارة وعمل (كردون) فذهب للمحجوب يخطره بطلب الرئيس عبد الناصر فوجده تحت شجرة يقرأ كتابا ووأضعا رجليه على تربيزة مرتديا العراقي وحكى الضابط عند وصول عبد الناصر أن المحجوب لم يغير جلسته ولا لبسته فقال عبد الناصر للمحجوب أزيك يا زعيم فرد عليه المحجوب (get out)فقال عبد الناصر ليه يا زعيم ، فرد عليه الزعيم بتتكلم عن تخلص (النميري) من الرجعية وتقصد حكومتي، ولا تتذكر مشكلتك مع الملك فيصل أعجزت كل الدول العربية وجامعة الدول العربية وحليتها انا في بيتي دا، وبكي عبد الناصر ) ، هذه المواقف بتكشف كيف كانت القيادة حازمة ومسؤولة حتى ولو تكن في مواقع إتخاذ القرار وبالتالي كانت للدولة ورجالها هيبة، في إجتماع منزل السفير السعودي كان حميدتي يتولى منصب النائب الأول لرئيس مجلس السيادة وزميله الكباشي عضوا بالمجلس المذكور، وهما يمثلان رمزية سيادة الدولة وكانا يبحثان في مشروع دستور الدولة المقترح (الإطاري) في بيوت السفراء بدلا عن المؤسسات الوطنية المنوطة بها ذلك الأمر، ويختلفان في الموقف الذي يمثلان فيه الدولة أمام الوسطاء الأجانب ، إن وأقعة تعامل المحجوب مع عبد الناصر بالرغم من فقدان المحجوب لمنصب رئيس الوزراء تكشف كيف تظل المسؤولية العامة ملازمة لرجل الدولة حتى ولو فقد منصبه طالما هو في موقف يعبر فيه عن شعبه والإرادة الوطنية الحرة غير المكبلة بالقيود، المحجوب بلا صولجان السلطة أعطى الدرس للرئيس عبد الناصر ، لقد كان أعضاء مجلس السيادة يشاركون في الإجتماعات بشأن مشروع الدستور المقترح في منازل السفراء مع النخب ولم تعد للدولة من هيبة وقد ساد الاستنصار بالخارج وهذا ما يفسر جأر حميدتي بالشكوى للأمريكان و الوسطاء متسائلا طالما تقبلون بعودة الإسلاميين للحكم لماذا هذه الحرب وتدمير بلادنا، وما قاله حميدتي يكشف بأنه كان يراهن على مساندة الغرب له طالما هو يرفع شعار محاربة الكيزان وقد أصيب بخيبة الأمل في عدم ممانعة الغرب بعودة الكيزان ، وقد بدأوا العودة بالظهور العلني في جبل موية بظهور والي سنار الأسبق أحمد عباس القيادي بالحركة الإسلامية مع الكابشي وإبراهيم محمود ببورتسودان ، لقد شغل الكيزان الجزء الأكبر من خطاب حميدتي ولم ينتهز الفرصة للحديث عن أي تدابير قام بإتخاذها أو ينوي إتخاذها حول تنفيذ مدونة السلوك تلك المدونة التي قام بالتوقيع عليها بصورة منفردة بجنيف برعاية المبعوث الأمريكي توم بيريللو، وحرص على التلويح بالحرب وتحدث عن الخطة ب كما أمر جنوده بعدم التصوير مما يفهم منه الاستمرار في أفعالهم وممارساتهم مهما كانت من دون توثيق الانتهاكات المرتكبة ، ووجه جنوده بعدم اطلاق الرصاص في المناسبات وتبديد الذخيرة لأن مصدر الذخيرة والعتاد الحربي هو الجيش ورغب أن يعطي رسالة للرأي العام بأنه لا يمتلك مصادر أسلحة وذخائر تصله من خارج البلاد ، وقد يكون قصده التمويه، فحميدتي لا يمكنه في هذا الظرف من الحرب تسجيل نقاط معتبرة لصالح خصمه وإضعاف جنوده وأنصاره معنويا ، ولكن قد لا يستبعد أن حميدتي حصل على معينات عسكرية متقدمة جعلته يعلن الحرب المفتوحة من موقع الدفاع عن النفس مما سيدفع بالمجتمع الدولي للتحرك الجاد لتلافي آثار الحرب المتمددة لدول الجوار والإقليم .
لماذا هذا الخطاب :
.
في الواقع حميدتي حتى الآن لم يخسر كثيرا في محاور الحرب الدائرة ، صحيح لقد حقق الجيش بعض التقدم في ارتكازات شرق النيل و أمدرمان وفي جبل موية وهي منطقة صغيرة بمقياس عواصم الولايات والمدن الكبرى التي لا زالت في أيادي قوات الدعم السريع ،كذلك زيارة الكباشي لجبل موية لا تعني أن سنجة عاصمة سنار تمت استعادتها ولا مدينة مدني عاصمة الجزيرة ، إن إنتصارات الجيش الحالية أكثرها في الوسائط وليست على أرض الواقع، لقد تضمن خطاب حميدتي إشارات يفهم منها الإقرار بالهزيمة بسلاح الجو المصري وهو لم يتعود على الإقرار بالهزيمة والإستسلام أوالجأر بالشكاوى، كما لم يكن يظهر نشوة الفرح بإنتصارت قواته كما تفعل قيادة الجيش، وكأن الإنتصارات بالنسبة له آتية لا محالة، إن إظهار حميدتي عدم رضاه عن المجتمع الدولي وعن السعودية وأمريكا وعن الثلاثية والرباعية وتكرار القول بعدم رضاه السابق عن الاتفاق الإطاري وأنه قبل به على مضض، ومحاولة استمالة مناوي بخطاب المنطقة الواحدة والمجتمع الأهلي الواحد في دارفور ، هذه كلها إشارات يمكن أن تتأسس عليها إتصالات غير معلنة ،وقد يكون فيها عرض لمشروعات تسوية مستترة بإظهار رغبته في إمكانية التخلي عن شركاء الإطاري، لقد وجه حميدتي خطابا حادا للفريق إبراهيم جابر وأعاب عليه عدم مراعاة صلة الدم والقربى كما صب جام غضبه على القيادي الإسلاموي علي كرتي وربط نشاطه في الحرب وأجهزة الدولة بقبيلته كما ربط قبيلة الشايقية بالحرب ، إن هذه الوجهة الجديدة قد تشير بأن حميدتي في خياراته اللاحقة ربما اتجه لمخاطبة الإنتماءات الطبيعية والجهوية لأهالي دارفور وغرب السودان ولو ذهب نحو ذلك الإتجاه فانه سيفقد دعم الكثيرين من مناطق السودان الأخرى بالشمال والوسط والشرق خاصة الذين يؤيدونه باعتباره حائطا لصد الكيزان ومنهم منسوبي تقدم .
من يستمع لخطاب حميدتي قد يرى بأن مكان مستشاره السابق يوسف عزت لا يزال شاغرا، لقد تناسى حميدتي أنه يقود قوات الدعم السريع التي يوصفها دوما بأنها قوات قومية وفي أقواله بأن إبراهيم جابر لم يراع صلة الدم والقرابة فإن هذه الأقوال لا تناسب زعيم قوات قومية يتطلع لحكم البلاد ، والراجح أنه قصد بها المجتمعات المحلية في دارفور وغرب السودان والفزع الأهلي .
المعروف بأن النخب الحاكمة خاصة في ظل نظام الإنقاذ جعلت من السلطة والوظيفة العامة والمال العام ملكية خاصة بها وبأسرها والأقارب وليس بالضرورة القبائل فالقبائل تستغل رمزيتها وأفرادها يعانون كغيرهم في كل مناطق السودان من كافة أصناف المعاناة ، البشير وأعوانه أتوا بأسرهم وأقاربهم ومحاسيب الحركة الإسلامية وجعلوهم أمراء على المال العام وعلى كل مؤسسات الدولة وأجهزتها كأقطاعية تملكوها بسطوة السلطة، البرهان سار في ذات دربه ، جبريل ومناوي وعقار وغيرهم أيضا جعلوا من الوظائف العامة التي نالوها حكرا لذوي القربي والعشيرة والمحاسيب من منسوبي الحركات التي يقودونها، كذلك الدعم السريع جعل من مناصب الدعم السريع العليا حكرا لقائده وشقيقه وأخوته والأقرب من العشيرة والمحاسيب من الخلفيات الجهوية والقبلية الأخرى وليس كل أبناء الرزيقات دعم سريع ، وهنالك من أمثال إبراهيم جابر من أعوان البرهان ضد حميدتي والصحفي الصادق الرزيقي يقود حملة إعلامية شعواء ضد الدعم السريع وقائده كما والقيادي الأهلي الضيف عليو وتنسيقية الرزيقات وزعيم المحاميد موسى هلال .في السابق قد وضع حميدتي نفسه في موضع رجل الدولة الذي يتحدث عن احترام خيار الديمقراطية وتسليم السلطة للمدنيين وكفالة الحقوق الأساسية لكل أبناء السودان بلا تمييز ولم يكن مثل ياسر العطا الذي ظل يتحدث عن استئصال شافة العطاوة والمهيرية .
لقد فقد قائد الدعم السريع الكثير بخطابه الأخير وقد نحى منحى ياسر العطا في الحديث عن الحواضن الإجتماعية ، فهل هنالك مشروع لتسوية مستترة كان بالضرورة تمريرها بهكذا خطاب، أم بدأ قائد الدعم السريع بالفعل يتخلى عن طموحاته في حكم كل السودان ميمما وجهه شطر دارفور لتكرار تجربة خليفة حفتر أم هنالك خفايا وخبايا لا زالت في طي السرية والكتمان ..