” تقدم” ارتباك تنظيمي، يبقي الحل بيد المتحاربين في السودان
تقدير موقف، ذو النون سليمان، مركز تقدم للسياسات
أصدرت تنسيقية القوي الديمقراطية المدنية “تقدم” بيانا ختاميا لاجتماع هيئتها القيادية في العاصمة الأوغندية عنتيبي، في الفترة من 3-6 ديسمبر 2024:
-أدان الاجتماع الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الدعم السريع والقوات المسلحة والقوات المتحالفة معهما ضد المدنيين، وأشاد بتقرير لجنة تقصي الحقائق الدولية المستقلة، ودعا لضرورة تفعيل آليات العدالة والحماية الدولية لضمان وقف الجرائم وانصاف الضحايا ومحاسبة المجرمين.
– شكل الاجتماع آلية خاصة لمتابعة قضايا اللاجئين والنازحين، وأوصى بعقد مؤتمر لإيجاد حلول لإشكالياتهم، وأصدر عدد من القرارات لمواجهة قضايا الحرمان من التعليم وايلاء الاهتمام بقضايا المزارعين والرعاة الرحل.
-قرر الاجتماع تطوير مقترح المناطق الآمنة، ودعا لخروج جميع القوات المتقاتلة من المراكز المدنية وتقليص الوجود العسكري في المناطق المأهولة بالسكان ووقف القصف المدفعي وقصف الطيران.
-دعا الاجتماع المجتمع الدولي لتوسيع ولاية المحكمة الجنائية الدولية لتحقق في كل الجرائم التي ارتكبت في حق المدنيين، وتمديد حظر الأسلحة في دارفور ليشمل كل السودان.
-اشترط الاجتماع تحديد أطراف العملية السياسية، والتي تعني القوى السياسية وحركات الكفاح المسلح وقوى المجتمع المدني والمهنيين والنقابات، على أن تتمتع العملية السياسية بعمق شعبي وبمشاركة حقيقية لأصحاب المصلحة، وألا تكافئ المؤتمر الوطني وحركته الإسلامية وواجهاتهم، بل يجب أن تؤدي الى محاسبتهم.
– أكد الاجتماع على عدم شرعية حكومة البرهان، والعمل على نزعها والتصدي لها بكافة الوسائل المتاحة، وتم تكليف الآلية السياسية ب” تقدم” على مناقشة خيارات الحفاظ على وحدة السودان أرضًا وشعبًا.
-وجه الاجتماع بضرورة الإسراع في اكمال تكوين مكاتب “تقدم” بالداخل والخارج وشروعها في توسيع قاعدة العمل المدني الديمقراطي المناهض للحروب.
** حاول بيان تنسيقية القوي الديمقراطية المدنية “تقدم” الظهور بمظهر الحياد من طرفي الحرب، الجيش وقوات الدعم السريع, وذلك من خلال إدانتها للطرفين, على الرغم من علاقتها الوثيقة مع قوات الدعم السريع, التي تطالبها بموقف سياسي وإعلامي داعم لها أمام فعالية حواضن الجيش من الإسلاميين والحركات المسلحة, مما سيباعد الشقة بينها والدعم السريع.
** تمسك اجتماع الهيئة القيادية بإبعاد الإسلاميين وواجهاتهم من العملية السياسية تحت رعاية الايغاد والاتحاد الافريقي والرباعية الدولية كواحدة من مسارات الحل, وثمة راي يتكون في أوساط سياسية سودانية إن الإصرار على استبعاد الإسلاميين من العملية السياسية كان سببا رئيسيا في افشال مسارات التفاوض بسبب سيطرتهم على قرار الحرب والمؤسسات العسكرية والأمنية والمدنية في البلاد. ولم يسعى قادة تقدم الى تقديم حلول عقلانية لهذه المعضلة.
**يقرأ البيان الختامي أيضا باعتباره محاولة من تحالف “تقدم” للمحافظة على وحدة مكوناته التنظيمية على حساب علاقته مع قوات الدعم السريع بل وعلى حساب دوره المستقبلي كطرف مدني رافض للحرب، وذلك بعد تحفظات البيان المعلنة على الدعم السريع جراء الانتهاكات الأخيرة في مناطق سيطرته.
** شكل موضوع نزع الشرعية عن حكومة البرهان وتشكيل حكومة مدنية بديلة، قدمته الجبهة الثورية-الهادي ادريس والطاهر حجر- بندا خلافيا، رفضته غالبية القوي السياسية والمدنية المكون الأساسي لتحالف” تقدم” ، فقد كان واضحا خشية هذه القوى من أن تحسب على الدعم السريع, ومخاوفها -وهو الأهم- من ردود فعل حواضنها في ولايات الوسط والشمال, ليس هذا وحسب لكنها تضع في الاعتبار أيضا تكرار النموذج الليبي بحكومتين في طرابلس وبنغازي، كما أن التخوف بحسب مصادر قيادية في الاجتماع من ان يؤدي تشكيل حكومة موازية لبورتسودان الى انقسام اداري، خاصة وان الحكومة ستشكل في مناطق سيطرة الدعم السريع ، يؤسس لتقسيم السودان، في ظل مطالب قوى من الشمال النيلي تنادي بدولة البحر والنهر، وفصل ولايات الجنوب والغرب عن السودان.
** ثمة تساؤلات حول تقديم منظومة ” تقدم” للمجتمع الإقليمي والدولي كممثل مستقبلي للشعب السوداني، من خلال محافظتها على اشتراطها لمعايير المشاركة في السلطة، والتمسك بإبعاد العسكريين ورفض مشاركة نظام الإسلاميين السابق في العملية السياسية، معتمدة على التوجهات الإقليمية والدولية ومبادرة الاتحاد الإفريقي وخارطة الطريق للحل السياسي المقدمة من الإيغاد. هذا الموقف يطرح تساؤلات تتعلق بقدرة “تقدم” على إيقاف الحرب في السودان وقيادة عملية الانتقال السياسي.
** حمل اجتماع عنتيبي تحديات تنظيمية، تتعلق بفشله في تكوين أمانة عامة نتيجة لصراعات داخلية بين مكوناته، عطفا على تجميد أعضاء مؤثرين في التنسيقية تمثيلهم، مثل لجان المقاومة، وعدم ممارسة التنسيقية لأي نشاط سياسي داعم لتوجهاتها في الداخل أو الخارج حتى الان, بالإضافة لوجود مكونات سياسية ومدنية وعسكرية مؤثرة خارج التحالف, مثل تحالف القوي الجذرية بقيادة الحزب الشيوعي والحركة الشعبية قيادة الحلو، حركة تحرير السودان قيادة عبدالواحد وحزب البعث العربي القيادة القطرية.
** تعول تنسيقية القوي المدنية الديمقراطية على شخصية رئيسها، عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء السابق، وعلى داعميها من القوي الإقليمية والدولية الباحثة عن شريك مدني للمشاركة في مجهودات وقف الحرب وإدارة الفترة الانتقالية، وتستثمر القوي السياسية في هذا التوجه في براغماتية يتهمها بها العديد من المراقبين من دون التقدم لطرح مشروع حل وطني حقيقي يساعد في توحيد القوى السياسية وإنهاء الحرب.
** مخرجات اجتماع الهيئة القيادية لتنسيقية “تقدم” ستدفع قوات الدعم السريع للاهتمام أكثر بحاضنته السياسية، القوى المدنية الديمقراطية “قمم” والبحث عن شراكات وتحالفات سياسية جديدة ملائمة لمتطلبات الميدان واحتياجات المواطنين بمناطق سيطرته، ومن غير المستبعد ان تتمسك التيارات الإسلامية التي تقود الحرب بمقاطعة مبادرات الحل السلمي والعمل على إجهاضها، كما إنه سيحد من فعالية التحالف بفضل تأخيره معالجة تبايناته التنظيمية والفصل فيها، مما سينعكس سلبيا على هدفها الأساسي المتعلق بإنهاء الحرب, ويمهد في ذات الوقت لظهور تحالفات سياسية جديدة .