تقليص المساعدات العسكرية الامريكية للصومال تركيا تملأ الفراغ
ذو النون سليمان، وحدة الشؤون الافريقية، مركز تقدم
تقديم: سحبت واشنطن دعمها للقوات الخاصة الصومالية، وتعيد النظر في خططها لنشر مئات الجنود الأمريكيين في أنحاء البلاد وفق برنامج تقليص المساعدات الخارجية. وأدى سحب المدربين الأجانب بعد تقليص المساعدات الأمنية، الى انهيار الروح المعنوية للقوات المحلية، في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات بين المسؤولين الأمريكيين والسلطات الصومالية توترا ملحوظا. حيث أقر مسؤول في البيت الأبيض بالإحباط المتزايد من الحكومة الصومالية التي تعطي الأولوية للسياسة الداخلية بدلا من مكافحة الإرهاب، لا سيما في ضوء التهديد المتزايد من حركة الشباب الجهادية.
في التفاصيل:
• يكتنف الغموض موقف إدارة ترامب الثانية، وما إذا كانت واشنطن لا زالت تعتقد بأولوية المعركة ضد الجماعة الإرهابية، أو ما إذا كانت الحكومة الصومالية، التي تعاني من الفساد وفقدان السيطرة الميدانية على البلاد، قادرة فعلا على قيادة المعركة ضد الارهاب. خاصة وان الاعتقاد السائد في واشنطن يتجه الى خلاصة عبثية استمرار الدعم المالي واللوجستي لحكومة مقديشو التي توصف بالفاسدة بنيويا، وان أموال المساعدة الامريكية تذهب لتأمين الولاءات المحلية والقبلية وتعزيز سلطة الرئيس شيخ محمود.
• وتشير التقارير الى ان الإدارة الامريكية الحالية، لا ترغب في تركيز جهدها واموالها على تأمين نفوذها في القارة الافريقية، في ضوء تفاقم تحديات الأمن الإقليمي وطرق التجارة الدولية وتدافع ديناميكيات الصراع العالمي، ولهذا تميل الإدارة الى تقليص المساعدات الامريكية للقوات الحليفة في المنطقة وإيجاد مقاربات أخرى قيد الاعداد للاعتماد على منظومات إقليمية تتحمل العبء الأمني في مناطقها.
• تتجه الحكومة الصومالية وبعثة حفظ سلام تابعة للاتحاد الأفريقي، بشكل متزايد نحو تركيا للمساعدة في صد التمرد الجهادي الذي طال أمده وبات يهدد العاصمة والمدن الرئيسية.
• وثق خبراء عقوبات الأمم المتحدة، اجتماعين حديثين بين حركة الشباب الإرهابية وجماعة الحوثيين اليمنية. وقال مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأمريكية إن آخرها تعلق بإرسال الحوثيين خبيرا في المتفجرات إلى مناطق سيطرة حركة الشباب.
• عملت الولايات المتحدة على تنظيم لقاءات للشركاء الأمنيين السبعة الأساسيين في الصومال، ومن بينهم بريطانيا وتركيا والإمارات العربية المتحدة والاتحاد الأفريقي. وأشارت المصادر الامريكية الى انه وعلى الرغم من التوافق الكامل حول الحرب على الإرهاب في الصومال الا ان الشركاء لديهم اجندات ومصالح خاصة ومتنافسة أحيانا، تحول دون تركيز الجهود وفاعليتها.
• منذ فبراير، استعاد تنظيم الشباب الإرهابي عشرات القرى، بما في ذلك بلدة عدن يعبال الاستراتيجية، واستعادوا القدرة على العمل فيما يقرب من ثلث الأراضي التي فقدوها في معاركهم مع القوات الفيدرالية في عام 2022. يتزامن هذا التصعيد والتطور مع انخفاض الدعم الأمريكي للقوات الخاصة الصومالية والتي كانت مخصصة لوحدة قوامها 2500 جندي تعرف باسم لواء دانب. كما عجز الاتحاد الافريقي عن دفع مرتبات جنوده في بعثة الصومال، بقيمة 96 مليون دولار منذ يناير هذا العام. ومن غير الواضح ما إذا كان عجز دفع الرواتب مرتبط بمزاعم فساد داخل المنظمة الإقليمية نفسها أو بالتجميد الأوسع نطاقا لبرامج المساعدات الخارجية في عهد ترامب.
التركي يملأ الفراغ:
• تعود العلاقات التركية مع مقديشو إلى عام 2011، عندما شاركت أنقرة في مساعدات غذائية خلال مجاعة أودت بحياة حوالي 260,000 شخص. ومنذ ذلك الحين، أعادت تركيا تأهيل أحد المستشفيات الرئيسية في العاصمة، وتولت إدارة ميناء مقديشو ومطاره، وأنشأت أكبر قاعدة عسكرية أجنبية لها في مقديشو ومركزاً للتدريب العسكري رصدت له ميزانية قدرت بـ 50 مليون دولار، تقوم عل اعداد عناصر الأمن والجيش الصومالي، ووصل عدد المتدربين حوالي 15 ألف جندي صومالي.
• في 8 فبراير 2024 وقَّع كلٌّ من وزير الدفاع التركي يشار غولر، ووزير الدفاع الصومالي عبد القادر محمد نور، في أنقرة، اتفاقية إطار للتعاون الاقتصادي والعسكري وقد وصفت بانها استثنائية، وتوفر لتركيا نفوذاً عسكرياً واسعا في الصومال، براً وبحراً وجواً.
• تشمل العلاقة المزدهرة بين أنقرة ومقديشو صفقة التنقيب عن النفط التي تم الكشف عنها حديثا، وتسليم طائرات بدون طيار تركية متطورة من طراز “أكينجي”، قادرة على حمل حمولات أكبر من الطائرات بدون طيار التركية الأصغر الموجودة في الصومال، الامر الذي يعزز الوجود التركي العسكري في القرن الأفريقي بينما يمنح الصومال شريكا أمنيا آخر للتحوط من عدم القدرة على التنبؤ بالموقف الأمريكي.
• مع بدء انسحابات القوى الاستعمارية التاريخية من إفريقيا، ترى أنقرة الفرصة مناسبة للتدخل وملء الفراغ. وتمثل الصومال قيمة استراتيجية لأنقرة، نسبة لموقعها في ممرات الشحن الرئيسية وطرق التجارة الحيوية وتمتعها بالموارد الطبيعية.
• وقعت الشركات التركية العديد من العقود المربحة مع الحكومية الصومالية، تتيح لها تشغيل الميناء والمطار. بينما سفن المسح التركية تستكشف الحقول النفطية في المياه الصومالية. وفي أبريل ظهرت تفاصيل عن اتفاق للتنقيب عن النفط أعطى الصومال حقوقا في خمسة بالمئة فقط من الإنتاج مما أثار غضب المشرعين والمعارضة.
خلاصة:
** فك الارتباط الأمريكي بالصومال قد يغذي توسع حركة الشباب في كينيا وإثيوبيا المجاورتين ويسمح للمقاتلين الصوماليين بتعزيز العلاقات الوليدة مع المتمردين الحوثيين في اليمن.
** أي انسحاب أمريكي إضافي يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الانقسامات السياسية في الصومال ويعرض للخطر الجهود المبذولة لاحتواء أحد أشد التهديدات الأمنية حدة في القارة.
** تخطط تركيا لعلاقات استراتيجية بعيدة المدي تتيح لها الاستفادة من الموارد الصومالية في حال تحقق السلام والاستقرار, وتسمح لها بتعميق وجودها في منطقة القرن الإفريقي.
** الوجود العسكري التركي المتزايد في الصومال، بات يواجه انتقادات واسعة داخليا، خاصة انه ترافق مع توسع مناطق سيطرة حركة الشباب الجهادية واستيلائها على مساحات واسعة من المناطق وتهديدها المستمر للعاصمة مقديشو والمدن الكبرى الأخرى.