توتّر بين أثيوبيا والصومال: ثقل مصر وحلّ جيبوتي
تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات
تقديم:توتّر بين أثيوبيا
تصاعدت لهجة التوتّر بين أثيوبيا والصومال وسط إشارات ملتبسة بشأن مواجهة عسكرية محتملة بين البلدين. وتأخذ هذه الإشارات بعدا جديدا بعد إرسال مصر معدات عسكرية إلى مقديشو واستعدادها لإرسال قوات إلى الصومال استجابة لبروتوكول أمني عقد بين البلدين. وفيما تعارض مصر والصومال اتفاقا بين أثيوبيا وإقليم “أرض الصومال” يتيح حضورا عسكريا أثيوبيا على البحر الأحمر، فإن خلاف القاهرة وأديس أبابا بشأن سدّ النهضة يرخي بظلاله على التوتّر الجديد.
نرصد سمات هذا التوتر من خلال قراءة مسار المعطيات والتحليلات التالية:
– إثر توتّر بين أثيوبيا والصومال بسبب اتفاق أبرمته أديس ابابا مع حكومة “أرض الصومال”، أعلنت إثيوبيا، في 30 أغسطس 2024، تعيين سفير لها بـ “أرض الصومال”، وذلك لأول مرة منذ بدء العلاقات بين أديس أبابا والإقليم الانفصالي.
– يعود أصل الأزمة تاريخيا إلى حاجة إثيوبيا إلى منفذ بحري بعد أن فقدته إثر انفصال أريتريا عنها وإعلانها استقلالها عام 1993 بعد حرب دامت 30 عاماً. وقد اعتمدت إثيوبيا لاحقا على موانئ الدول المجاورة.
– في 1 يناير 2024، أبرمت إثيوبيا اتفاقاً لتأمين ممر مباشر إلى البحر الأحمر عبر “أرض الصومال”، وهي منطقة أعلنت استقلالها عن الصومال منذ 30 عاما من دون أن تحظى باعتراف دولي.
– تعتبر الصومال، “أرض الصومال” جزءاً من أراضيها. وتعتبر أن لا صفة قانونية لها للتفاوض بشكل مستقل على الاتفاقيات الدولية. •وصف رئيس الوزراء الصومالي، حمزة عبدي بري، الصفقة مع إثيوبيا بأنها عمل عدواني ضد سيادة الصومال وسلامة أراضيه وتهديد مباشر لموارده البحرية. وقال إن حكومته ستدافع عن حقوقها.
– رغم الوضع القانوني المثير للجدل لـ “أرض الصومال”، وقع هذا الإقليم اتفاقيات استثمار دولية، بما في ذلك مع شركة “موانئ دبي العالمية” لتوسيع مينائه الرئيسي ومع شركة “غينيل إنيرجي” (Genel Energy) ومقرها لندن لاستكشاف النفط.
– ينص الاتفاق على حصول إثيوبيا على إمكانية الوصول إلى خليج عدن عبر ممر تستأجره من أرض الصومال لمدة 50 عاماً. ويمكن لإثيوبيا إنشاء قاعدة عسكرية ومرافق تجارية هناك.
– في المقابل، ستحصل “أرض الصومال” على حصة غير محددة في الخطوط الجوية الإثيوبية، أكبر شركة طيران في القارة. وقال رئيس “أرض الصومال”، موسى بيحي عبدي، إن إثيوبيا ستعترف رسمياً بأرض الصومال كدولة ذات سيادة.
– إثر هذا الاتفاق، طردت الصومال سفير إثيوبيا وأغلقت قنصلياتها، واستدعت سفيرها من أديس أبابا، وهددت بفرض عقوبات على الشركات التي تعامل “أرض الصومال” كدولة مستقلة.
– وسط الحديث عن مخاوف بشأن احتمال أن تتمكن إثيوبيا، من خلال اتفاقها مع “أرض الصومال”، من الوصول إلى مضيق باب المندب الذي يربط خليج عدن بالبحر الأحمر، والذي يتدفق إلى قناة السويس، وقعت مصر اتفاقية مع الصومال تهدف إلى تعزيز التعاون الأمني صادقت عليها حكومة الصومال في 20 يوليو.
– إثر وصول طائرتين عسكريتين مصريتين محملتين بالأسلحة والمعدات العسكرية إلى الأراضي الصومالية في 27 أغسطس الماضي، أصدرت إثيوبيا بيانا حاد اللهجة، يتهم مقديشو بزعزعة الاستقرار في المنطقة. لم يسمِ البيان الإثيوبي مصر، لكنه قال “يتعين على القوى التي تحاول تأجيج التوتر لتحقيق أهداف قصيرة الأجل أن تتحمل عواقب وخيمة”.
– أوضح مصدر مصري مراقب أن تلك الخطوة جاءت في ضوء بروتوكول التعاون الأمني الذي وقعته مصر والصومال مطلع هذا العام، حيث تهدف القاهرة إلى أن تساعد الصومال في حفظ أمن مضيق باب المندب على البحر الأحمر والذي يعد أحد عوامل أمن قناة السويس المصرية.
– يرى مصدر أثيوبي مراقب أن أثيوبيا تلقت باستياء رسالة دعم مصر للصومال في خلافها مع أثيوبيا. واعتبر أن حساسية العلاقة المصرية الإثيوبية وتعقيدات ملف سد النهضة ومعارضة مصر لوصول إثيوبيا إلى البحر الأحمر وقيامها بتحشيد جامعة الدول العربية ضد إثيوبيا عزز الفهم السلبي للتحرك المصري الأخير.
– تحدثت مصادر أثيوبية عن تطوّر “اللغة العدائية” من قيادات مقديشو، و “تحركها في اتجاه التحشيد الديني للمجموعات المتطرفة لاستخدامها في حل الخلاف مع إثيوبيا”، وهو ما دفع أديس أبابا للتخوف من “عدم انضباط” حكومة مقديشو في إدارة السلاح والمعدات المصرية، بحسبه.
– يوافق مصدر مصري مراقب على أن مصر تتجاوز مرحلة إرسال الرسائل إلى إثيوبيا وتعتمد حاليا “سياسة الأفعال لا الأقوال”. ولفت مع ذلك إلى أن خيار المواجهة المباشرة مع إثيوبيا ليس مطروحا لدى بلاده، وأن مصر تحرص على سياسة عدم الاعتداء.
– وفق مصادر إعلامية أفريقية فإن القاهرة وافقت على نشر 10 آلاف جندي مصري (5 آلاف في عداد بعثة Aussom الأفريقية و 5 آلاف سيكون مقرهم في منطقة هيران المتاخمة لإثيوبيا.
– أعربت الحكومة الإثيوبية عن قلقها من التشكيل الجديد لبعثة الاتحاد الإفريقي لحفظ الأمن في الصومال. وكان بيان صادر عن الاتحاد الأفريقي أعلن في وقت سابق من أغسطس الماضي، عن عرض مصر للمساهمة بقوات في مهمة حفظ سلام جديدة ستنطلق العام المقبل في الصومال.
– كانت الصومال هددت في وقت سابق بطرد ما يصل إلى 10 آلاف جندي إثيوبي، موجودين هناك كجزء من مهمة حفظ السلام وبموجب اتفاقيات ثنائية لمحاربة متشددي حركة الشباب، إذا لم يتم إلغاء الصفقة بين إثيوبيا و “أرض الصومال”.
– يعتقد خبراء في الشؤون الأفريقية أن وجود القوات المصرية داخل مهمة حفظ السلام دون أي مناقشة أو اتفاق مع إثيوبيا، قد يؤدي إلى مواجهة مباشرة بين البلدين اللذين يفصل السودان بينهما.
– بهدف نزع فتيل التوتّر، قال وزير الخارجية الجيبوتي، محمد علي يوسف، في 30 أغسطس الماضي، أن بلاده، التي تشترك في الحدود مع إثيوبيا وأرض الصومال، ستقترح على إثيوبيا طريقاً بديلاً إلى خليج عدن من خلال إدارة بنسبة 100 في المائة لميناء في الشمال، وهو ممر جديد تم بناؤه بالفعل” في تاجورة، وأن الرئيس الجيبوتي، إسماعيل عمر جيلة، طرح الاقتراح “لإيجاد طريقة للحوار” لوقف التصعيد في التوترات في منطقة القرن الأفريقي.
خلاصة:
**بسبب حاجة إثيوبيا لمنفذ بحري وإبرامها اتفاق مع “أرض الصومال” في هذا الصدد، رفضت الصومال ومصر هذا الاتفاق ما رفع حدّة التوتر في القرن الأفريقي.
**تتخوّف مصر من إطلالة إثيوبيا العسكرية على باب المندب والبحر الأحمر ما يهدد مصالحها وسط توتّر بين البلدين بسبب سدّ النهضة.
**إثر قيام مصر بإرسال شحنات أسلحة إلى الصومال والاستعداد لإرسال قوات مصرية إلى هناك، هاجمت أديس أبابا التدابير المصرية التي اعتبرتها مصادر مصرية بأنها سياسة “أفعال بدل الأقول” تنتهجها مصر للتعامل مع التهديد الأثيوبي.
**تلوّح جيبوتي بإمكانية منح أثيوبيا منفذ على البحر عبر ميناء تاجورة في محاولة لنزع فتيل التفجير في القرن الأفريقي.
** التقدير ان ينعكس التوتر في العلاقات المصرية الاثيوبية على الوضع في السودان، ومزيدا من الاستقطاب الضار في القرن الافريقي، وتحديدا في جنوب السودان وارتريا.