الجمعة, يوليو 18, 2025
الرئيسيةاخبار سياسيةجمهورية إفريقيا الوسطى: النفوذ الأجنبي وتأثيراته على السودان وتشاد وجنوب السودان

جمهورية إفريقيا الوسطى: النفوذ الأجنبي وتأثيراته على السودان وتشاد وجنوب السودان

جمهورية إفريقيا الوسطى: النفوذ الأجنبي وتأثيراته على السودان وتشاد وجنوب السودان

ذو النون سليمان، وحدة الشؤون الافريقية، مركز تقدم للسياسات
تقدير موقف:
تقديم: تمثل الانتخابات المقبلة في جمهورية إفريقيا الوسطى امتدادا للتحول الاستراتيجي الناتج من توسع نفوذ روسيا عبر مجموعة فاغنر المعروفة حاليا بالفيلق الافريقي، مقابل تزايد التواجد العسكري الرواندي بدعم غربي من أمريكا وفرنسا. في دولة ضعيفة التكوين من الداخل، قوية عبر الشراكات الأمنية الخارجية، تفتقد الشرعية المجتمعية، الأمر الذي يجعلها أداة إقليمية في صراع النفوذ الدولي على منطقة وسط وغرب إفريقيا. وينعكس بشكل مباشر على دول الجوار، خصوصًا السودان وتشاد، اللتان تعانيان من هشاشة سياسية وأمنية وصراعات داخلية حول السلطة.
في التفاصيل:
ستخوض ‏‏جمهورية إفريقيا الوسطى‏‏ الانتخابات في ديسمبر المقبل، كأول انتخابات لها منذ الاستفتاء الذي مهد الطريق أمام فوستان أرشانج تواديرا الترشح للرئاسة في 2016 لعدد غير محدود من المرات‏. مما يؤدي لتضخم المصالح الروسية والرواندية التي بدأت في ظل رئاسته. وعلى الرغم من أن تواديرا لم يعلن رسميا ترشحه لانتخابات ديسمبر، إلا أن الكثيرين في بانغي يعتبرون إعادة انتخابه أمرا مفروغا منه، وأن هناك فرصة بنسبة 99٪ لإعادة انتخابه والفوز. ومن المتوقع أن تدعم العاصمة الرواندية كيغالي وموسكو الرئيس الحالي بدافع الرغبة في حماية مصالحهما الاستراتيجية، مما يجعل الانتخابات المقبلة، رغم غلافها الديمقراطي، تبدو وكأنها تمرين في تثبيت النفوذ وليس تداول السلطة، وسط مشهد تتداخل فيه المصالح الروسية والرواندية مع الحسابات الأمنية والاقتصادية، بما يحول جمهورية إفريقيا الوسطى إلى مسرح لوجستي ومصدر تهديد مباشر لجوارها الإقليمي.
– ‏في عام 2018، وصلت ‏مجموعة فاغنر الروسية إلى بانغي، وأصبحت منذ ذلك الحين جزءا لا يتجزأ من معادلات القوى في جمهورية إفريقيا الوسطى، تعمل بشكل مستقل عن فيلق إفريقيا، وهو جهاز موسكو المركزي حديثا لإدارة بصمتها العسكرية في جميع أنحاء إفريقيا، حيث تتولى مجموعة فاغنر مسؤولية الأمن الشخصي للرئيس والعمليات العسكرية في المناطق التي تنشط فيها المعارضة المسلحة. ‏
– منذ عام 2014، تتمركز القوات الرواندية في جمهورية إفريقيا الوسطى كجزء من قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة مينوسكا. تم نشر ‏‏1,000 من القوات الخاصة الإضافية‏‏ في أعقاب هجوم على العاصمة في عام 2021. تستفيد رواندا من عملية حفظ السلام كأداة للسياسة الخارجية ومن أجل تحقيق بعض المصالح الاقتصادية.‏
التأثير على السودان وتشاد وجنوب السودان:
– تعاظم نفوذ فاغنر في إفريقيا الوسطى يهدد التوازن بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، خصوصًا إذا استخدمت أراضي إفريقيا الوسطى كمنصة إمداد لأي من الطرفين، أو كمنطقة لاستقطاب المقاتلين للحرب أو كملاذ آمن للفارين منها، ويعتبر الشريط الحدودي بين إفريقيا الوسطى والسودان منطقة لتهريب الأسلحة والذهب، مما يغذي الحرب الأهلية السودانية، ويفاقم الفوضى في مناطق تعاني أصلًا من غياب الدولة.
– كما تواجه تشاد تهديدات أمنية نتيجة لاستمرار تواجد مجموعة فاغنر في الأجزاء الشمالية المتاخمة لحدودها الجنوبية مع إفريقيا الوسطى. ويخشى النظام في انجامينا من دعم روسي محتمل للمعارضة المسلحة المتواجدة في الشريط الحدودي مع إفريقيا الوسطى والسودان، كما أن التوسع الرواندي في إفريقيا الوسطى يأتي خصما على نفوذ أنجمينا التاريخي في المنطقة وتراجعه لصالح كيغالي، المدعومة من الغرب، مما يجعل تشاد تتراجع إقليميا لصالح رواندا من جهة، ومن الجهة الأخرى ستكون تحت مخاطر التطويق السياسي الروسي من أفريقيا الوسطي والنيجر والجنوب الليبي.
– يشترك جنوب السودان بحدود مباشرة مع إفريقيا الوسطى من الغرب، وهي مناطق نائية وضعيفة السيطرة، ما يجعلها مساراً مثالياً لتهريب السلاح والمقاتلين، خصوصا مع ازدياد النشاط الروسي في إفريقيا الوسطى عبر فاغنر، الأمر الذي يعزز من احتمال تسريب الأسلحة إلى المجموعات المسلحة المعارضة في جنوب السودان.
خلاصة:
** التقدير بان الوضع في افريقيا الوسطى يمثل حالة نموذجية للدولة الهجينة “دولة ضعيفة من الداخل، قوية عبر الشراكات الأمنية الخارجية، لكنها فاقدة للشرعية المجتمعية”.
**من الواضح برأي المراقبين أن الانتخابات في جمهورية افريقيا الوسطى تتحول عمليا إلى أداة تكريس للاستبداد. وما يمكن وصفه بانه خصخصة السيادة لصالح فاعلين أجانب.
**توسّع فاغنر ورواندا في إفريقيا الوسطى لا ينحصر داخل حدود الدولة المضيفة، بل يمتد تأثيره إلى دول الجوار المنهكة، كالسودان وتشاد، عبر زعزعة الأمن، وتأجيج الصراعات، وتوسيع حلبة التنافس الجيوسياسي في منطقة تعد من أكثر مناطق القارة الإفريقية هشاشة.
** طبيعة النظام في إفريقيا الوسطي تساعد في تمدد النفوذ الروسي والرواندي على حساب التوازن التقليدي في المنطقة، الأمر الذي قد يخلق تحديات استراتيجية لتشاد، ويزيد من وتيرة الصراع المسلح في السودان.
** تمدد النفوذ الروسي–الرواندي يسهم في إعادة ترسيم مناطق النفوذ في الساحل الإفريقي، ويضغط على فرنسا، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة. وهو النمط الذي يتكرر في (مالي، بوركينا فاسو، إفريقيا الوسطى…) في معادلة تشير إلى نموذج “الاستقرار عبر الشراكة الأمنية الحصرية”، مقابل إقصاء المجتمع المدني وضعف الشفافية والعدالة والحكم الرشيد.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات