الأربعاء, أكتوبر 22, 2025
الرئيسيةاخبار سياسيةحسين سعد يكتب:مبادرات متنامية لتوثيق قضية المفقودين في السودان

حسين سعد يكتب:مبادرات متنامية لتوثيق قضية المفقودين في السودان

حسين سعد يكتب:مبادرات متنامية لتوثيق قضية المفقودين في السودان

في ظل الحرب المشتعلة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أبريل 2023، تتسع قضية المفقودين في السودان يوماً بعد يوم، وسط غياب أي آليات رسمية فعالة للبحث أو التوثيق. وبينما يعيش آلاف السودانيين حالة من القلق والانتظار لمعرفة مصير أبنائهم، برزت مبادرات محلية ومجتمعية مستقلة تسعى إلى توثيق حالات الاختفاء القسري، وجمع المعلومات، وتقديم الدعم النفسي والقانوني لأسر الضحايا، في محاولة لسد الفراغ الذي تركته مؤسسات الدولة المنهارة، هذه المبادرات أصبحت الوسيلة الوحيدة للأسر للبحث عن أحبائهم والمطالبة بحقهم في الحقيقة والعدالة، وتعتمد هذه المجموعات على تطوع الناشطين والصحفيين وأفراد المجتمع المحلي، الذين يوثقون القصص من داخل الأحياء ومخيمات النزوح، في ظل ظروف أمنية خطيرة وانقطاع الاتصالات في عدد من الولايات،وتقول ناشطة فضلت حجب إسمها لدواعي أمنية ، إن الهدف من التوثيق ليس فقط “إحصاء عدد المفقودين”، بل حفظ الذاكرة الجماعية ومنع طمس الأدلة. وتضيف أن “الكثير من حالات الاختفاء تحدث في ظروف الحرب أو أثناء الاعتقالات، ومن دون تسجيل أو متابعة، مما يجعل التوثيق المجتمعي هو السند الوحيد لأسر الضحايا حتى الآن، وأضافت الإعلام كمنصة للبحث والمساءلة رغم القيود المفروضة على الصحافة في السودان، لعب الإعلام المستقل والحقوقي دوراً محورياً في تسليط الضوء على قضية المفقودين. فعدد من الصحف الإلكترونية والقنوات المحلية والدولية خصصت مساحات لرواية قصص الأسر والناجين، بينما نفذت تقارير ميدانية كشفت حجم المأساة الإنسانية والحقوقية التي خلفتها الحرب، وقالت أن التغطية الإعلامية كانت في البداية “مجزأة وخجولة”، لكن مع تزايد أعداد المفقودين، بدأت وسائل الإعلام تنسق جهودها مع منظمات المجتمع المدني لتوثيق الحالات بشكل أكثر مهنية وتنظيماً. ويضيف: “الإعلام أصبح جزءاً من عملية العدالة الانتقالية، لأنه يوثق الذاكرة ويمنح صوتاً لمن لا صوت لهم، ويقول الصحفي محمد عبد الكريم المسيكتابي في حديثه مع مدنية نيوز إن “التوثيق عبر الإنترنت أصبح وسيلة مقاومة مدنية في وجه النسيان، وأداة ضغط على الأطراف المتحاربة والمجتمع الدولي لعدم تجاهل مصير المفقودين ، وأضاف أن جهود التوثيق المحلي ليست مجرد عمل إنساني، بل تمثل ركيزة أساسية لأي عملية عدالة انتقالية قادمة، إذ توفر البيانات الأولية التي يمكن أن تُستخدم لاحقاً في لجان الحقيقة أو المحاكم. كما أن استمرار هذه الجهود يحافظ على الذاكرة الجمعية للسودانيين ويمنع طمس الجرائم التي ارتُكبت خلال الحرب، ولفت الي إن المجتمع السوداني اليوم يصنع أرشيفه بيده، عبر الكاميرات والهواتف والصفحات، لأن الدولة غائبة والإفلات من العقاب مستمر”. ويضيف أن “هذه المبادرات، رغم تواضع إمكاناتها، هي الضمان الوحيد ألا يضيع المفقودون في العتمة، وأن يظل أمل الحقيقة قائماً، وقال المسيكتابي منذ إندلاع الحرب ، وتمدد الفوضى إلى كل زاوية في السودان، وتمدّد معها النسيان ،
في هذا الفراغ، ظهرت مبادرات مثل “التقصي الأسري” و“مفقودين السودان” و“حملة ابحث عنهم” و“مفقود”، أنشأها متطوعون أغلبهم من الشباب، بينهم صحفيون وأطباء ومبرمجون. تعمل هذه المبادرات بآليات بسيطة لكنها فعّالة
تنشر الصحف الإلكترونية بين الحين والآخر قصصًا عن عودة أحد المفقودين أو عن مبادرة جديدة، لكنها تظل جهودًا فردية ومتفرقة. المشكلة لا تكمن فقط في غياب المنصات الرسمية، بل أيضًا في غياب قاعدة بيانات موحدة للمفقودين، وعبر هواتفهم وكاميراتهم وصفحاتهم، يوثقون الغائبين، ويرسمون خريطة الأمل من شظايا الألم ورغم المخاطر الأمنية وضبابية المعلومات، نجحوا في بناء سجلٍّ إنساني موازٍ، يجمع بين التقنية والعاطفة، بين الخسارة والبحث المستمر عن الحياة.
في النهاية، تُثبت هذه المبادرات أن التوثيق — على بساطته — شكل من أشكال المقاومة: مقاومة النسيان، وغياب الدولة، والحرب ذاتها.
ففي كل صورة تُنشر، وكل تعليق يحمل اسمًا جديدًا، ثمة محاولةٌ صغيرة لإبقاء الذاكرة حيّة، حتى يعود آخر مفقود إلى بيته، أو يُكتب اسمه في سجلٍّ لا يُمحى — سجل العدالة والذاكرة.
الختام:
“الإنسان في النهاية ذاكرة، فإذا فقد ذاكرته فقد نفسه.”
الأديب الكاتب السوداني الراحل الطيب صالح في بلدنا الذي تناثرت فيه الذاكرة تناثر طلقات هذة الحرب، صار البحث عن المفقودين نوعًا من الكتابة ضد الفناء.
كل منشور، وكل صورة، وكل تعليق، هو سطرٌ في كتابٍ أكبر يُكتب الآن — كتاب المفقودين في الحرب السودانية.
هؤلاء الذين لا نعرف وجوههم جميعًا، لكننا نحملهم في وعينا الجماعي، يذكّروننا بأن التوثيق ليس مجرد فعلٍ إعلامي، بل وصيّةُ ذاكرةٍ لأمةٍ تُقاوم محوها.
فما يفعله المواطنون على هواتفهم اليوم، هو في جوهره محاولة لإنقاذ الوطن من النسيان، ولإعادة بناء العدالة، صورةً بعد صورة، واسمًا بعد اسم، حتى تكتمل الحكاية،ويُغلق سجل الحرب على آخر مفقود، ويُفتح سجل الذاكرة على بلدٍ يتذكر كي لا يضيع مرّة أخري

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات