الخميس, أكتوبر 23, 2025
الرئيسيةمقالات    حسين سعد يكتب:من الجبال إلى المحيط: جغرافيا الروح والطبيعة بشرق...

    حسين سعد يكتب:من الجبال إلى المحيط: جغرافيا الروح والطبيعة بشرق إفريقيا(2)

      حسين سعد يكتب:من الجبال إلى المحيط: جغرافيا الروح والطبيعة بشرق إفريقيا(2)

دار السلام… مدينة البحر والأسواق والنكهات الإفريقية في حضن المحيط الهندي، حيث يلتقي البحر بالسماء في زرقة لا تنتهي، تمتد دار السلام، كمدينة تجمع بين الهدوء الساحلي والضجيج اليومي الجميل ليست مجرد مدينة، بل لوحة من البشر والألوان والروائح والموسيقى التي لا تتوقف ، الأسواق في قلب المدينة النابض منذ الصباح الباكر، تبدأ المدينة يومها في الأسواق، تلك المتاهة الواسعة من الأزقة والنداءات والروائح، بجوار فندق ريلاكس الذي كنت اقيم فيه تجد محلات بيع اطارات السيارات ومحلات زينات السيارات ايضا وفي المساء يشتعل ذات الطريق بالمطاعم التي تطهي الدجاج المشوي والبطاطس واللحوم لاسيما ( النجاما جومة) هذا المكان يبدو كأنه لا ينام أبدًا، وعندما تذهب بالطريق الرئيسئ للمواصلات تجد الباعة يعرضون كل ما يمكن تخيله: من التوابل ذات الروائح القوية — الزنجبيل، القرنفل، القرفة — إلى الأقمشة الإفريقية المطرزة بالألوان التي تشبه الغروب على المحيط، في أطراف السوق، تتدلى الأسماك الطازجة من خيوط معدنية، بينما تنبعث رائحة الزيت الساخن من عربات صغيرة تقلي اللحم والبطاطا والموز الأخضر. النساء يساومن الباعة بمهارة، والرجال يجرون عربات خشبية محمّلة بالخضروات والفواكه الاستوائية. أما الباعة الصغار، فيركضون بين الأزقة حاملين أكياس “سمبوسا” ساخنة، يبيعونها للمارة بابتسامة دافئة وعبارة مألوفة ( مرحبا) باللغة السواحلية والانجليزية وكما كتب صديقي الدكتور عباس التجاني في كتابه (سفر الروح حكايات أفريقية) الناشر مركز سلاميديا وبتصميم ولوحة الغلاف للفنان نصر الدين الدومة والتصميم الداخلي انس احمد عمر بينما كتب المقدمة الاستاذ منصور الصويم حكايات افريقية الكتابة بماء النور ونار البراكين. كتب في صفحة (59) تحت عنوان (الماساي في الخرطوم ) يمر البص السفاري الفاخر بين الاشجار في السهل الافريقي ليعبر الحدود الكينية التنزانية تتغير سرعة البص حسب خارطة السير التي اجتهد فيها موظفو الحياة البرية وشرطة المرور.
رحلة بين الجبال والبحر:
دار السلام مدينة تعرف كيف تجمع بين البساطة والفخامة على طول الواجهة البحرية، لكن سحر المدينة لا يكمن فقط في فنادقها الفخمة، بل في النُزل الصغيرة المنتشرة داخل الأحياء القديمة، حيث يرحبك أصحابها بابتسامة عائلية، وتشم رائحة القهوة السواحيلية الممزوجة بالزنجبيل منذ عتبة الباب هناك، الحياة تسير بإيقاع بطيء، وتغدو الضيافة جزءًا من النسيج اليومي، لا من بروتوكول الفنادق، شغف الكرة الإفريقية كرة القدم في دار السلام ليست مجرد رياضة، بل طقس اجتماعي ومهرجان شعبي. في إستاد كرة القدم تجد الجماهير تهتف وترقص قبل ساعات من انطلاق المباراة، والباعة يملؤون الشوارع المحيطة بصفوف من العصائر الطبيعية والذرة المشوية ، في تلك الفترة كان فريق سيمبا التنزاني قد ادي مبارتان وديتان مع نادي الهلال السوداني قبيل مباراة الاياب مع البوليس الكيني يوم 17 اكتوبر 2025 والتي انتصر فيها الهلال ، داخل الاستاد، يتحول المدرج إلى بحر من الأصوات والألوان، والكرة في المنتصف أشبه بنقطة ضوء تتبعها عيون الآلاف. بعد المباراة، تستمر الاحتفالات في الشوارع، تمتزج فيها أصوات الطبول والموسيقى ويغدو الشغف بالكرة مرآة لحب التنزانيين للحياة ذاتها.
الطعام الشعبي… نكهة من الأرض والبحر:
أما مائدة دار السلام، فهي حكاية أخرى تمامًا، الوجبات هنا تُطهى ببطء، على نار الفحم والغاز ، وتُقدَّم بروحٍ من البساطة والكرم. في الأزقة والأسواق والمطاعم الشعبية، يمكن للزائر أن يتذوق طعامًا إفريقيًّا أصيلًا، لحم غنم او بقر مشوي يقدم مع شرائح من البطاطس والبصل والطماطم ( وعصيدة اوقالي ) وهي أشبه بالعصيدة تطبخ من دقيق الذرة الشامية وهي طعام أساسي يشبه العصيدة، يُعد من دقيق الذرة، يؤكل مع اللحم أو الخضار أو السمك، في المساء، تجتمع رائحة الشواء مع نسمات البحر، وتختلط أصوات الباعة بصوت الموج. دار السلام في تلك اللحظات تبدو كأنها مدينة تتنفس من معدتها؛ طعامها حار، رائحته قوية، ومذاقه لا يُنسى، مدينة تعيش بالإيقاع ما يجعل دار السلام مختلفة هو إيقاعها الخاص. لا تستعجل الزمن، الناس هنا يعيشون ببساطة ولكن بكثافة؛ يضحكون من القلب، يأكلون مع الأصدقاء في الشوارع، ويرقصون كلما سنحت الفرصة. المدينة لا تفرض عليك طريقتها في العيش، بل تدعوك لتسير بإيقاعها، ببطء البحر ودفء الشمس وابتسامة العابرين، في دار السلام، الأسواق ليست مجرد تجارة، والفنادق ليست مجرد إقامة، والطعام ليس مجرد وجبة. كل شيء فيها يحمل روح المكان: البحر في الذاكرة، والملح في الهواء، والموسيقى في القلب، ينزل الركاب من البص، ويستقبلهم نسيم المحيط العليل، يملأ الرئتين برائحة الملح والهواء الرطب، وكأن الجزيرة نفسها تبارك وصولهم بعد رحلة طويلة عبر الجبال والوديان والأشجار العملاقة، على الشواطئ الممتدة، يهرع السياح إلى المياه الصافية، يلعب الأطفال في الرمال، بينما يلتقط آخرون الصور التذكارية، مستمتعين بالمياه الفيروزية ودفء الشمس. البنايات المطلة على البحر، من الفنادق الفخمة إلى المقاهي الصغيرة، تضيف بعدًا حضريًا على جمال الطبيعة، مانحة شعورًا بالرفاهية وسط السحر الطبيعي للمدينة، الأسواق المحلية، المنتشرة بالقرب من الميناء والشواطئ، تعج بالحياة؛ الباعة يعرضون التوابل الفاخرة، الفواكه الاستوائية، والمشغولات اليدوية، فيما ينجذب الزوار إلى الروائح الغنية والألوان الزاهية.

على إيقاع المحركات وصفير الطيور:
في المقاهي المطلة على البحر، يتجمع السكان المحليون والسياح معًا، يشاركون قصصهم، ويستمتعون بالقهوة المحلية المصنوعة من حبوب البن المميزة ، أصوات الموسيقى التقليدية تتخلل المكان، مضيفة بعدًا ثقافيًا، بينما يروي بعض السكان قصص البحارة القدامى والرحلات البحرية التي جعلت دار السلام مركزًا تجاريًا تاريخيًا على المحيط الهندي، على طول الشواطئ، يمكن رؤية القوارب الشراعية الصغيرة والسفن الخشبية التقليدية، والتي لا تزال تبحر كما في الماضي، تحمل الركاب والسلع بين الجزر المجاورة. كل حركة، كل موجة، وكل انعكاس للضوء على سطح الماء يضيف إحساسًا بالرحلة والاستكشاف، وكأن البحر نفسه يشارك الزائر تجربة الجزيرة،
إنه شعور مختلف تمامًا كل ركن هنا يحمل قصة، وكل منتج يروي تاريخًا من التجارة والثقافة في المدينة الباعة المحليون، بابتساماتهم الدافئة وصوتهم المفعم بالحيوية، يقدمون للزائر تجربة تفاعلية، يشهد من خلالها كيف يمتزج التراث الثقافي مع الحياة اليومية.
قلب دار السلام النابض، يعكس الحركة البحرية المستمرة. القوارب الشراعية الصغيرة والسفن التقليدية تبحر بين الأمواج، محملة بالبضائع والركاب، فيما يراقب السياح العملية اللوجستية عن كثب، مستمتعين بألوان القوارب الزاهية وأصوات الصيادين. الرحلات البحرية اليومية تمنح الزائر فرصة لرؤية المدينة من منظور مختلف، والتمتع بمشاهدة البحر الممتد، الشواطئ، والجزر الصغيرة القريبة.
كما يقدم الميناء تجارب غنية لمحبي المغامرة؛ الغوص في الشعاب المرجانية، ركوب الأمواج، أو حتى المشاركة في رحلات صيد تقليدية مع الصيادين المحليين. كل نشاط يكشف للزائر جانبًا جديدًا من دار السلام، ويخلق شعورًا بالاتصال العميق مع البحر والطبيعة، مع غروب الشمس، تتحول دار السلام إلى مشهد ساحر آخر؛ أضواء المقاهي والمطاعم المطلة على البحر تتلألأ، وأصوات الموسيقى الحية تمتزج مع همسات النسيم العليل. المطاعم تقدم مأكولات بحرية طازجة، ممزوجة بالتوابل المحلية، بينما يجلس الزوار على الشواطئ أو على الأرصفة المطلة على البحر، مستمتعين بالهواء المالح والمشهد الساحر، الحياة الليلية في المدينة لا تقتصر على الترفيه؛ إنها تجربة ثقافية متكاملة، حيث يلتقي السكان المحليون والسياح لتبادل القصص، الاستماع إلى الموسيقى التقليدية، والتعرف على عادات المدينة. “الليل في دار السلام يعكس روحها الحقيقية، بين الشواطئ، الحدائق، والجزر القريبة ، ينطلق الزوار لاستكشاف شواطئ دار السلام الممتدة، حيث المياه والرمال الذهبية تجذب الجميع للسباحة أو مجرد الاسترخاء تحت أشعة الشمس. الأطفال يمرحون على الشاطئ، والسياح يمارسون رياضات مائية مثل التجديف وركوب القوارب الصغيرة، و الحدائق الاستوائية، حيث الأشجار العملاقة والزهور النادرة، والتمتع بالمشي بين الممرات المظللة، كما يمكن زيارة الجزر القريبة للاستمتاع بالغوص في الشعاب المرجانية، ومراقبة الحياة البحرية الغنية. كل تجربة تمنح الزائر فرصة لاكتشاف جانب جديد من دار السلام، سواء كان ذلك جمال الطبيعة، الثقافة الغنية، أو دفء السكان المحليين، لحظة الانسجام مع المدينة بين الأسواق، الشواطئ، الميناء، والمقاهي، يشعر الزائر بأن دار السلام ليست مجرد مدينة على الخريطة، بل تجربة حية تتفاعل مع كل الحواس. أصوات الأمواج، رائحة التوابل، ألوان الأسواق والشواطئ، والابتسامات الدافئة للسكان المحليين، كلها تجتمع لتخلق شعورًا بالانسجام مع المدينة، وتجعل كل لحظة من الرحلة تجربة متكاملة(يتبع)

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات