حيدر المكاشفي يكتب:جذوة ثورة ديسمبر لن يطفئها رماد الحرب
كتب أحد غلاة البلابسة من مسعري الحرب وقارعي طبولها ونافخي كيرها و(محمشي) نيرانها،يهدد ويتوعد ثوار ديسمبر بأنهم حتى لو قدر لهم العودة الى الخرطوم بعد نهاية الحرب فلن يستطيعوا ترديد هتاف مدنياااا،وقد صدق هذا البلبوسي وهو كذوب،فهو قد صدق لأن الذي اتضح جليا وبجملة من الشواهد والادلة،أن أحد أهم أهداف هذه الحرب القذرة اللعينة، هوهدفها المركزي القضاء على ثورة ديسمبر واخراس الثوار،وأن هذه الحرب موجهة بالأساس لمحاربة القوى المدنية والسياسية الداعية للحكم المدني الديمقراطي،وليس مليشيا الدعم السريع كما يتوهم بعض (المخمومين) والغشيمين،المنساقين كالقطيع بلا وعي ولاتدبر ولا تفكر خلف مزاعم الكيزان والفلول مشعلي الحرب،ومن عجب فما من حديث مكتوب أو ملفوظ يصدر من هؤلاء الا وتجده موجه بالأساس لسب وشتم وشيطنة القوى المدنية والديمقراطية،وليس ضد الدعم السريع الذي أعلنوا صراحة وتلميحا أن لا مشكلة لديهم معه ويمكن أن يتصالحوا ويتحالفوا معه ان عاد كسابق عهده الى موالاتهم وحمايتهم،أما أن هذا البلبوسي كذوب ذلك أنه يظن واهما أن حربهم هذه ستقضي على الثورة بكل أهدافها وعلى الثوار بكل شعاراتهم وهتافاتهم،ولكن هيهات فجذوة الثورة ستبقى مشتعلة ومتوهجة ولن يخمدها رماد حربهم القذرة..
وستهل علينا يوم الخميس القادم الموافق التاسع عشر من ديسمبر،ذكرى ثورة ديسمبر المجيدة التي شهدت ملاحم بطولية قادها شباب وثاب وواعي،ويطيب لنا هنا في مقام الذكرى والتذكير،أن نعرض في ايجاز ما حدث مابين ديسمبر 2018 وابريل 2019،ففي ديسمبر من العام 2018 وطوال أربعة اشهر الى ابريل 2019،انطلقت بلا توقف التظاهرات الرافضة لحكم جماعة (الانقاذ) الذي امتد لثلاثين عاما حسوما،وشهدت بعض الاماكن عمليات حرق لمقار حزب المؤتمر الوطني المحلول،وكانت تلك التظاهرات الحاشدة التي عمت كل البلاد بدءا من الولايات،تلتزم بالجدول الثوري الذي كان يعلنه تجمع المهنيين وتلتزم بتنفيذه،وكانت التظاهرات تبدأ باطلاق احدى الكنداكات زغرودة مجلجلة،وكانت شعارات الثوار تتمحور حول اسقاط النظام،وكانوا يرددون هتافاتهم المركزية (حرية سلام وعدالة) و(سلمية سلمية ضد الحرامية) و(تسقط بس) و(حكومة الجوع تسقط بس) و(حكومة البطش تسقط بس) و(الشعب يريد اسقاط النظام)،الى اخر تلك الشعارات والهتافات الهادفة الى اطاحة النظام الفاسد والقمعي واستبداله بنظام مدني ديمقراطي كامل الدسم،عبر عنه شعارهم الاثير (عسكرية ااااوين يا..مدنية وي وي وي)،وكان ان لجأت سلطات البطش والقمع في محاولة يائسة منها لاخماد الثورة،بضرب المتظاهرين بالرصاص الحي والاستخدام الكثيف للغاز المسيل للدموع،فسقط جراء هذا العنف المفرط عشرات الشهداء ومثلهم من المصابين،علاوة على اعتقال أعداد كبيرة من المتظاهرين والناشطين في مؤسسات المجتمع المدني وقيادات الاحزاب المعارضة،ووقتها أكدت منظمة العفو الدولية أن 37 متظاهرا قتلوا بالرصاص منذ بدء الحراك،كما دعت كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة والنرويج،النظام الى تجنب اطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين والاعتقال التعسفي والقمع،ليضطر الرئيس المخلوع عمر البشير بعد هذه الضغوط الشعبية والدولية،للظهور للرأي العام ليعلن عن نيته اجراء ما أسماه (اصلاحات جدية)،في محاولة لاخماد الثورة وامتصاص وامتصاص الغضب الشعبي والقلق الدولي،وبالطبع وكعادته لم ينس المخلوع أن يتهم من يتوهم أنهم خونة وعملاء ومرتزقة،يعملون على تخريب مؤسسات الدولة،متبجحا بأن الاحتجاجات لن تؤدي الى اسقاط النظام وتغييره،وتمثلت اصلاحاته الجدية التي وعد بها،في اعلان حالة الطوارئ واقالة رئيس الوزراء معتز موسى وتنصيب محمد طاهر ايلا بدلا عنه،واقالة وزير الصحة وتقديمه كبش فداء للارتفاع الكبير في اسعار الادوية وتسليم رئاسة الحزب لأحمد هارون،ولكن كل تلك الاصلاحات المزعومة لم تزد الشارع الا اشتعالا،ولم تغير في واقع الحكم شيئا غير أن تزيد السلطة من جرعات العنف المميت وتوسيع دائرة الاعتقالات والتضييق أكثر على حرية الرأي والحريات الصحفية،اذ سحبت السلطة تصاريح العمل الممنوحة للمراسلين والصحافيين العاملين في وسائل اعلام وصحف خارجية،هذا غير التضييق المستمر على الصحف المحلية بالمصادرات المتكررة،ورغم كل ذلك استمرت الثورة في عنفوانها بلا نكوص أو انتكاس رغم العنف والبطش وسقوط الشهداء، الى أن تكلل زحف الثوار بكل عزيمة واصرار بالوصول الى حرم ومحيط القيادة العامة للجيش واقامة اعتصام في محيط القيادة،(وتلك ملحمة أخرى سنأتي عليها لاحقا ان شاء الله)،وتواصل الاعتصام حتى (حدس ما حدس) في عملية فض الاعتصام القذرة، وما تلى ذلك من أحداث ومرور مياه كثيرة اسنة تحت الجسر،وصولا الى مرحلة انقلاب اكتوبر(2021) والحرب اللعينة الحالية..وما قصدنا من هذه الفذلكة السريعة والمختصرة لاخر أربعة أشهر من عمر النظام المباد،الا للتأكيد على أنها تشبه تماما ما حدث في انقلاب اكتوبر وما يجري الان في حرب أبريل القذرة،وكأنما يعيد التاريخ نفسه،فما حدث ابان نظام المخلوع البشير هو عينه الذي يحدث الان منذ انقلاب اكتوبر وحتى يوم الحرب هذا،ولكن الانقلابيون لا يتعظون ولا يقرؤون حتى التاريخ القريب،بل الانكى أنهم لا يتعلمون،فالثورة ماضية وعائدة وراجحة حتى بلوغ أهدافها بارادة الثوار والشعب الذي هو أقوى من أي ردة..