حيدر المكاشفي يكتب: اذا غابت الحكمة حضر الخراب
والله إن المرء ليحار في أمر بوم الخراب وغربان الدمار هؤلاء الناعقين مع الحرب وضد دعاة ايقاف الحرب ووقف الدماروالقتل ووضع حد للمعاناة المتطاولة التي يكابدها الناس جراء الحرب، فهذا البوم وهذه الغربان لا تملك شيئا غير النعيق والزعيق وتلويث الاجواء بإثارة الفتن والشحناء والبغضاء ونفخ كير الحرب المفضية للخراب والدمار والفرقة والشتات، ليس لديهم فكرا ناضجا يقدمونه ولارؤية سديدة يطرحونها، ولا بديلا نافعا يحتجون به، ولا حكمة مفيدة ينطقون بها، انهم خلو من كل ذلك ما عدا مقدرتهم الفائقة على بذل الشتائم وابتذال القضايا وممارسة الخصومة بنذالة، ولا غرابة فكل إناء بما فيه ينضح، واناؤهم ملئ بالاحقاد والاحن والضغائن والغبائن العنصرية، ورؤوسهم خاوية من اية قدرات تحتاجها متطلبات قيادة البلاد بحنكة، وسياسة امور العباد باللباقة والكياسة وادارة الشأن العام بعقلية رجال الدولة المحترمين وليس عنتريات الموتورين والمتوترين والمهووسين والمهجسين، ولو سئلوا الآن ما بديلكم لوقف الحرب بدلا عن حافة الهاوية التي توشك البلد ان تتردي فيها، لحاروا جواباً نافعاً ولقالوا هي الحرب وكفى و(بل بس) مع انهم ليسوا من رجالها، وهذا لعمري انما هو فعل الغربان التي قال فيها الشاعر (لو كان الغراب دليل قوم مرّ بهم على جيف الكلاب)، انهم يريدون ان يقودوا الناس إلى هذا المصير، ثم من بعد ان ينداح الدمار ويعم الخراب يستمتعوا مثل البوم بالجلوس على الاطلال والخرائب والتمتع بالنظر لمشاهد الدماء والدموع والاشلاء والجثث، مصداقاً لقول الشاعر الشعبي (كايس للخراب تهدم ولا هماكا، رحمن العباد خيب جميع مسعاكا، يصرف ربنا شر الحروب واياكا) ولكنهم للاسف بعد ان اعمت العنصرية المنتنة والخصومة السياسية الفاجرة بصائرهم يحسبون انهم يحسنون صنعا وهنا تصدق فيهم الآية الكريمة (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض قالوا إنما نحن مصلحون إلا انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون)..
يكفي للانخراط في صفوف المنادين بوقف الحرب وانهاء معاناة السودانيين ومناصرتهم، انهم في هذه المرحلة على الاقل يفتحون كوة للتفاؤل بأن الحكمة الغائبة لابد ان تعود، فعندما غابت الحكمة نعق الغراب وحضر الخراب، وتزايد اعداد المطالبين بوقف الحرب وانهاء عذابات الناس يوما بعد يوم، تؤشر إلى أن من كانوا مغيبين بدأوا يدركون خطورة المماحكة والمخاطر الماحقة المحدقة بالبلاد، وهذا وحده سبب كاف ليناصروا دعاة وقف الحرب، فالاهم الان هو البحث عن الحكمة الغائبة حتى الآن واستعادتها، الحكمة المطلوبة لحل أيما مشكلة أو قضية عن طريق التفاوض والتراضي وليس أي أسلوب اخر غيرها، فتلك هي خبرة البشرية ودرس التاريخ وسنته الماضية، فلا أقل من أن نعتبر بها، ولهذا سنظل دعاة سلام ووئام وتلاق وطني، ولن نسعى بالفتنة مثل
(الفاتيات والحكامات) ندعو لشحن النفوس وشحذ الأسلحة لمزيد من القتل والدمار على غرار (وسّع قدها) حتى يعم الخراب كل الأنحاء والأرجاء، فحاجة البلاد الآن إلى حكماء يطببون جراحها وليس (حكامات) يزيدون حريقها..