حيدر المكاشفي يكتب :حرامية الاغاثة وتجار الحرب
اسمحوا لي ولمصلحة هذه القضية المزعجة أن أُسقط كل ما علمته بنفسي أو سمعته من رواة ثقاة طوال عام ونصف قضيتها في مناطق الحرب،عن ظهور طبقة من عديمي الضمير فاسدي الذمم والأخلاق ضعيفي الدين، رغم ادعائهم التدين الذي وضح أنهم ليس لهم فيه إلا المسوح الظاهرية والمظاهر الخارجية، الذين تكالبوا على إغاثات المنكوبين من النازحين تكالب الأكلة على القصعة، ساعدهم على ذلك، أنهم لسخرية الزمان كانوا من المشرفين على التوزيع، سأسقط كل الحكاوى والمواقف المخزية لهؤلاء مما علمته وسمعته واكتفي فقط بإيراد احدى الروايات الرسمية التي وردت خجولة على لسان أحدهم الذي اعترف بتسرب بعض المواد الاغاثية للاسواق، وغير هؤلاء الحرامية الصغار التافهين الذين يخطفون اللقمة من الأفواه المنكوبة الجائعة، هناك حرامية آخرون من الوزن الثقيل يتحينون الفرص ويتصيدون الازمات والكوارث ليستثمروا في فواجع الناس ونكباتهم واحزانهم ويتربحوا منها ويكسبوا المليارات، وقد وجدوا فرصتهم بل ضالتهم في كارثة الحرب الحالية، فتحركوا بسرعة لاغتنامها والاغتناء منها تحت دعاوى استجلاب الدعم والاعانات والإغاثات من الخيرين داخل البلاد وخارجها، فبرزوا إلى العلن كما تبرز الثعالب الماكرة وأعلنوا أنفسهم مغيثين لمتضرري الحرب، في محاولة لاستغلال العلاقات المشبوهة التي بنوها مع بعض الأطراف الداخلية والخارجية بمقدراتهم البهلوانية على التضليل تارة والتزلف اخرى..
قالت امرأة منكوبة في إحدى المناطق المتضررة بالحرب لمن تفقدها يسألها عن حالها..
البيت اتهد فضلت بس الدانقة الواقفة دي، ناس الاغاثة مع البياح جابو لنا اكل، وقالولنا امشوا طرف الشارع شان الموية، انا ابيت نرحل اخير نقعد نحرسا، وكان فتنا نلقى مساعدة وين، الوليدات دايرين الاكل والهدوم، الصغير مورود وبطنو واجعاهو من برد امبارح، كان لقيت لي حبة نعناع، لكن اغليها وين…
لا شك أن قلبك قد انفطر وطفرت منك دمعة عزيزي القارئ على حال هذه المرأة الضعيفة وغيرها من آلاف الروايات والحكايات الحزينة التي يتفتت لها الصخر العصيا وليس فقط الاكباد الرطبة، هذا غير من استشهدوا بدانة أو طلقة طائشة أو برميل متفجر أو بكولرا أو حمى ضنك أو خلافها من الامراض التي لم تجد العلاج،أو بانهيار حائط أو مبنى قصفه الطيران إلى آخره، هذا الحال البائس الذي (يحنن الكافر) ويجعلك تندفع في هاشمية فتخلع جلبابك الذي ترتديه وتغطي به ذاك الطفل الصغير المورود الذي يرتجف وتصطك اسنانه من اثر الحمى والبرد، لا تراه حكومة بورتسودان ولا يراه هؤلاء الحرامية الانذال الذين نزعت الرحمة من قلوبهم، سوى فرصة سانحة لنهب وسرقة ما يجود به الخيرون من الدول على هؤلاء الضعفاء المساكين،وتحويله لمصلحتهم ومنفعتهم الشخصية ومنفعة تابعيهم ومنسوبيهم واصدقائهم والمتاجرة في المعاناة واستثمار الكارثة وتحويل الاغاثات إلى صفقات تدر عليهم المليارات.
علينا أن ننتبه، وعلى الشباب الطاهر الذي لم يتلوث بحب السلطة أو المال ممن انخرطوا في تجرد ونقاء في التكايا وعمليات الإغاثة والعون للمنكوبين من النازحين أن ينتبهوا لكشف وفضح هذه الممارسات اللا انسانية التي تتخفى وراء لافتة الانسانية، فعند الأزمات والكوارث هناك دائما أناس شرفاء يبذلون كل ما يستطيعون وما يملكون لتقديم العون والمساعدة، وعلى الضد من هؤلاء الافاضل هناك أيضاً الحقيرون الخسيسون الذين يسخرون كل ألاعيبهم للاستفادة بأقصى ما يمكنهم من الازمة أو الكارثة لمنفعتهم الشخصية والتربح منها، هؤلاء هم عباد المال لا مبدأ لهم غيره ولا عقيدة فأحذروهم.