الأربعاء, يوليو 30, 2025
الرئيسيةاخبار سياسيةدارفور: التعدد الثقافي والعرقي تظل رمزًا للتسامح والوحدة الوطنية.

دارفور: التعدد الثقافي والعرقي تظل رمزًا للتسامح والوحدة الوطنية.

دارفور: التعدد الثقافي والعرقي تظل رمزًا للتسامح والوحدة الوطنية.

واشنطن : صلاح شعيب

إن التعدد الثقافي، والعرقي، والأيديولوجي، والمذهبي الديني، والسياسي، هو ما يميز دارفور الذي عرفت بسماحتها عند رجاحة عقل سلاطينها، وأعوانهم.. ولا مستقبل لدارفور إن لم تستمد وجودها المستمر من هذا الإرث المتسامح الذي بناه أجدادنا، وتمدد ليشمل أجزاءً واسعة من السودان الحالي.
إن تاثير دارفور على المستوى القومي ملحوظٌ على كل المستويات المجتمعية، وما تزال إلى الآن رغم محاولات دق الأسفين المجتمعي في تساكنها البديع مع جوارها الوطني، إنما ترنو للمستقبل بوحدة أبنائها، وبناتها. ذلك مهما تعاظمت مطامع سلطوية، وانتهازية لبعض من أولئك الذين سقطوا في اختبار الولاء للإقليم، وللسودان الوطن بذات الدرجة.
إن الفنون في دارفور من مجامع الغناء، والإيقاعات المتنوعة التي تتقدمها رقصات الكسوك، والفرنقبية التي طورتها البديعة الراحلة مريم أمو، وزوجها الراحل آدم بونقا..إن هذه الفنون القولية، والسمعيّة، والبصرية، كلها إنما زادنا الذي أسس لليبرالية المزاج الدارفوري، وطبعه بسماته الإنسانية المتصالحة مع ذاتها. ولعل مكونات الغناء بلهجة دارفور العربية، وإيقاعاتها مثل جمل رقد، والتويا، والكاتم هي أيضا رصيد التنوع الذي امتد إلى أمدرمان، وكل هذا التراث منح ابن الفور الموسيقار العظيم موسى محمد إبراهيم ليقود الأوركسترا السودانية في الستينات، ويقدم أجمل الألحان لأبي داوود: تعتذر بعد إيه، وذكريات عثمان مصطفى: رحت في حالك نسيتني،، وخاتم المنى للبلابل، ومهما أمري يهون عليك لبهاء الدين أبو شلة، وأخريات تكشف عن البراعة اللحنية لهذا الرمز الموسيقي السوداني الباهر.
وهل ننسى استلهام خليل فرح لجلالة السلطان علي دينار في أغنية “عازة في هواك” والتي صارت ميثولوجيا السودان الغنائية التي سعت لتوحده رمزية عزة، ذلك بوصفها نقطة التقاء نوعية للذائقة النغمية لغالب المكونات السودانية.

سادتي المؤتمرين: إن رتق النسيج الاجتماعي – في السودان إجمالاً، ودارفور تخصيصاً – يتطلب التخلي عن القبائلية في التفكير السياسي لكونه طريقاً منغلقاً، ويحمل بذرة فنائه. ولكن ذلك لا يعني التخلي عن الاعتداد بتاريخ قبائلنا السودانية، وهو في مجمله اعتداد بالإسهام الثقافي المستنير، والانفتاح به كذاكرة حضارية استمدت احترامها، وقدرتها على تبني الوافد الحضاري.
إن أهالي دارفور هم من أكثر شعوب الأرض طيبةً، ومودةً، وتوحداً، على المستوى الاجتماعي، وسيخرجون من أزمتهم كما ينبجس طائر الفينيق من الرماد ليشكلوا وطناً للتسامح، وإقليماً يشحذ إطاره القومي الواسع بالزاد، والعتاد، والرأي الفصل. وفوق كل هذا سيكون أهل دارفور في مقدمة أهل الـ ريادة الداعين لدولة المواطنة التي تعترف بالتعددين الإثني، والثقافي، ولا تحتال عليهما.
لقد ساهمت الدولة المركزية تاريخياً في تشظي النسيج الاجتماعي منذ قرنين مضيا، وكانت دارفور تتجاسر بالمقاومة الملحمية، وتتعاضد بالصبر الصعب، وتتواسى بالأمل الوارف. وما يزال مثقفوها الصادقون يؤمنون بالتعاضد مثل تعاضدكم الميمون هذا ليصنعوا مجتمع الحق، والخير، والجمال في سوداننا الحبيب.
وبمثلما علينا جميعاً أن نعلم أن هذه الحرب الحالية ليست حرب أهل دارفور أصلاً، ولم يوقدوا نارها ليتدفأوا بها. ولكنها بالحق الخطة الخبيثة لعقلية المركز التي توطد حرثه على التفريق بين مكونات البلاد لأهداف أيديولوجية متخثرة، ومناطقية منكفئة، وانتهازية زنيمة.
ولذلك علينا جميعا أن نسهم في المساعدة في إيقاف أهوال، وأحوال، هذه الحرب الخاسرة لنا جميعاً لكونها تدمر بلادنا، وتجعلها على حافة التفتت التام لوحدتها القطرية. وهي الحرب التي تزيد الفتق على الراتق في نسيج دارفور الاجتماعي، والتي ما فتئت تنكأ جراحها منذ حين طال، وجغرافيتها مكلومة بأساها المر، وأنينها المؤلم، وزفراتها الحرى..بينما تستمر نكبة مواطنيها بالنزوح الداخلي ، واللجوء الخارجي، بسبب استيطان الفواجع الحياتية، والظلم المستدام، والتداعي المجتمعي المؤسف. وذلك وضع مأساوي امتد لعقود لم يعشه قريباً مجتمع آخر في الشمال الجغرافي للبلاد، بل في عموم الدنيا.


فعلينا جميعاً – إذن – أن نشمر عن سواعدنا المتحفزة، ونعيد الاعتبار لذاكراتنا العقلية، ونعمق الحوار السلمي بيننا، لنوجد مساهماتنا في ل لسلام في وقت الحرب، وبعد توقفها. فلنتنادى – والحال هكذا – لبذر هذه الحلم، وسقايته، رجالاً ونساءً، شيباً وشباباً، وأن نجتهد بما نملك من طاقة لتوحيد مساعينا مع الجهود القومية للمفكرين، والمثقفين، والفنانين، والإعلاميين، نحو مشروع لإعادة النسيج الاجتماعي في بلادنا إلى سالف مجده عموماً، وأن نسعى من ثم في دارفور خصوصاً كي نعيدها إلى سيرتها الأولى. وذلك حين كانت السلطنة تأوي الوافد، وتمنحه الأرض المنبسطة بجانب غديرها المخلب للنظر، وبستانها الناضج الثمار، حتى ليغدوا الرافد مواطناً يتمتع بكل حقوقه في الامتلاك، والمصاهرة، والمشاركة في الحكم. هكذا كانت دارفور حفية بوافديها، وتصاهر مكونها القبلي نموذجا مع أسرة الشايقي العمدة بشير نصر عمدة حلفاية الملوك، والقاضي زكريا ادريس الدنقلاوي، والسنهوري الجعلي والدادينقاوي الملك رحمة الله، واليوناني شاشاتي، وأهالي أولاد الريف الذي نزحوا من بنجا، وأسيوط، فضلاً عن احتوائها لعلماء البرقو، والشناقيط، والفولاني، الذين شكلوا دعامة المستشاريين الفقهاء للسلطنة. ولا شك أن كل ذلك الإيجاب المجتمعي قد مهد له فكر السلطان الشاب المستنير عبد الرحمن الرشيد، وهو الذي نقل العاصمة من طرة الجبل إلى الفاشر، ودشنها بملتقى ثقافي راتب يعقده في بساتين رهد تندلتي كاستنارة متميزة في مجاهل ذلك القرن الثامن عشر.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات