دول الساحل الافريقي: نهضة اقتصادية وطنية بعد القطيعة مع فرنسا
ملخص تنفيذي لبيانات اقتصادية من دول كونفدرالية الساحل
ذو النون سليمان/ مركز تقدم للسياسات
تواجه دول كونفدرالية الساحل- النيجر ومالي وبوركينا فاسو- حملة عقوبات فرضتها فرنسا بالتعاون مع دول مجموعة ” إيكواس “، كرد فعل على أطاحتها بالأنظمة الموالية لفرنسا. كانت العقوبات تهدف إلى خنق هذه الدول اقتصاديًا وعزلها سياسيًا، لإفشال النموذج السياسي الجديد بالمنطقة، ولكن بفضل الدعم الشعبي استطاعت الأنظمة السياسية البقاء في السلطة وتحقيق إنجازات نهمة لشعوبها لم تتحقق منذ عقود الاستقلال.
– شملت العقوبات إغلاق الحدود البرية والجوية، تجميد الأصول، تعليق المعاملات المالية، تعليق العضوية في المنظمات الإقليمية، ووقف المشاريع الاقتصادية والتنموية. وكانت من تداعياتها المباشرة نقص حاد في الإمدادات الأساسية مثل الوقود والغذاء، وشلل كبير في العمليات التجارية والمصرفية، وتوقف مشاريع البنية التحتية والتنموية، مما أعاق خطط التنمية في البلاد.
– قوبلت العقوبات التي كانت تهدف بشكل أساسي إلى الضغط على السلطات العسكرية لإعادة النظام البرلماني، بصمود شعبي واسع ودعم داخلي عزز من شرعية السلطات الحالية في مالي والنيجر، ودفعها لاتخاذ قرارات اقتصادية حاسمة غيرت المسار الاقتصادي. سمح إلغاء اتفاقيات تاريخية مع فرنسا، و بإعادة التفاوض مع الشركات الأجنبية التي كانت تستغل مواردها، وفرضت عليها الضرائب التي كانت معفية منها، مما ساهم بشكل كبير في تعزيز اقتصادها الوطني.
– استطاعت النيجر بفضل هذه القرارات استرداد الوصاية على منجم “إيمورارين”، أحد أكبر مناجم اليورانيوم في العالم، بعد سحب رخصة تشغيل المنجم من شركة “أورانو” الفرنسية. ويُقدّر احتياطي المنجم بنحو 200 ألف طن من اليورانيوم، ما يجعله من بين الأصول الاستراتيجية التي تُعد ركيزةً لاقتصاد البلاد
– أعلنت دولة مالي تأميم منجم “ياتيلا” الذي يحتوي كميات كبيرة من الذهب، المدار سابقا من قبل شركتين أجنبيتين هما AngloGold Ashanti الجنوب إفريقية وIamgold الكندية. لم تقتصر الإجراءات على التأميم فقط، بل تضمنت أيضًا تسوية مالية بقيمة 36 مليون دولار للإغلاق وإعادة التأهيل، وتسوية نزاع ضريبي بقيمة 2.5 مليار فرنك إفريقي (4.1 مليون دولار)، مما يضيف موارد جديدة إلى الخزينة العامة.
– عززت مالي سيادتها على قطاع الذهب، حيث بلغت إنتاجيتها 72.2 طنًا في عام 2023، مساهماً بنسبة 25% من الميزانية الوطنية و75% من عائدات التصدير، و10% من الناتج المحلي الإجمالي، واعتماد سياسات تهدف إلى زيادة مساهمة قطاع التعدين إلى ما بين 15% و20% من الناتج المحلي الإجمالي، وإلغاء الإعفاءات الضريبية للشركات على المنتجات والمعدات النفطية، التي كانت تكلّف الدولة نحو 9.4 مليار دولار سنويًا.
– في نوفمبر 2024، أضافت النيجر إنجازًا اقتصاديًا آخر، بافتتاح مصنع لإنتاج الحديد في منطقة “باداغيشيري بطاوا” أشرفت عليه “شركة نيجر ستيل غروب كومباني” بتمويل بلغ 2 مليار فرنك إفريقي، ) 1000 فرنك افريقي 1.55 دولار ( وبقدرة إنتاجية تصل إلى 20,000 طن سنويًا. كما تسعي النيجر لبناء صناعة نفطية متكاملة، فبعد تشغيل أول مصفاة في زاندير، أطلقت في ديسمبر 2024 العمل التمهيدي لمنشأة ثانية في منطقة دوسو، بشراكة مع مجموعة زيمار الكندية، وبطاقة معالجة تبلغ 100 ألف برميل يوميًا، بالإضافة إلى مجمع بتروكيماويات.
– أبرمت مالي اتفاقيات جديدة مع الشركة الكندية B2Gold حول منجم الذهب ” فيكولا” صاحب إنتاج سنوي يتراوح بين 420,000 و450,000 أوقية من الذهب خلال عام 2024، ما يجعله ثاني أكبر منجم للذهب في البلاد . وتستثمر مالي في الليثيوم، عبر مشروع “جوليمينا” بالتعاون مع شركة “جانفينج ليثيوم” الصينية، مع تخصيص حصة 35% للدولة ومستثمرين محليين، ومن المتوقع أن يحقق المشروع عائدات تصل إلى 250 مليار فرنك أفريقي للشركات المملوكة للماليين، مع تخصيص ما بين 22 إلى 25 مليار فرنك أفريقي سنويًا للتنمية المحلية. وتمتلك البلاد احتياطيات غنية من الحديد والمنغنيز، وأعلنت مالي في أكتوبر 2024 عن اتفاقية مع مجموعة يادران الروسية لبناء مصفاة للذهب ومصنع لتجهيز القطن، بالإضافة إلى توريد المنتجات البترولية.
– أعلنت بوركينا فاسو تعليق تصدير الذهب لفرنسا، وذلك تزامنًا مع إلغاء اتفاقيات استثمارية وتأميم عدة مناجم للذهب. وشرعت في بناء أول مصفاة للذهب الذي يعتبر المورد المعدني الرئيسي للبلاد.
– بلغ إنتاج المناجم الخمسة الكبرى في بوركينا فاسو 23 طنًا بين يناير وسبتمبر 2023، وشهدت نهاية 2024 قفزة تاريخية بإنتاج 93 طنًا من الذهب وفقًا لتقرير صادر عن وكالة (AFP)، ومن المتوقع أن تصل الطاقة الإنتاجية لمصنع التكرير الجديد إلى 150 طنًا سنويًا من الذهب الخالص بنسبة نقاء تبلغ 99.99%، أي ما يعادل 400 كجم يوميًا. هذا الإنجاز يُعد أسرع تطور تشهده منطقة غرب إفريقيا، ويعكس تحولًا عميقًا في استراتيجيات التنمية والسيادة الوطنية في بوركينا فاسو
الخلاصة والتوصيات:
** فتحت التطورات الأخيرة في دول الكونفدرالية الثلاث – النيجر وبوركينا فاسو ومالي ، افاقا واسعة للاستثمار الخارجي في قطاعات للمعادن النادرة ، خاصة في قطاع الخدمات ، الاتصالات والمواصلات والسكك الحديد والفنادق، ويبلغ عدد سكان الدول الثلاث نحو 75 مليون نسمة ، وتعد من الأسواق الناشئة بعد انتهاء عهد الاحتكارات الفرنسية.
** الدولة العربية الأولى التي تنبهت لهذه التطورات هي المغرب، خاصة بعد ان توترت العلاقات بين النيجر والجزائر، ونجاح الوساطة المغربية في اقناع السلطات في بوركينا فاسو بالإفراج عن اربعة مواطنين فرنسيين كانوا متهمين بالتجسس، وتتداول صحف مغربية وأفريقية، تفاصيل وساطة أخرى تخوضها الرباط للسماح بمغادرة الرئيس النيجيري السابق محمد بازوم للبلاد.