الإثنين, يوليو 14, 2025
الرئيسيةمقالات  د. النور حمد يكتب :الإخوانُ المسلمونَ طاقةٌ تدميرية

  د. النور حمد يكتب :الإخوانُ المسلمونَ طاقةٌ تدميرية

  د. النور حمد يكتب :الإخوانُ المسلمونَ طاقةٌ تدميرية

“ما لمس الإخوان المسلمون بِنْيَةً، إلا أحالوها إلى رماد”
قولٌ من تأليفي

يمثُّل فكر الإخوان المسلمين، في طبيعته الأصلية والجوهرية طاقةً تخريبيةً تدميريةً. والسبب وراء ذلك أنه قائمٌ أصلاً على أوهٍام دينيةٍ أساسها أن وهمًا غليظًا تلبَّس منتسبيه منذ شبابهم الباكر أنهم مُكلَّفون إلهيًّا بحكم الناس. ومن ثم، إجبارهم على الانصياع لتلك التصورات والأوهام التي سيطرت على عقولهم. عبر هذا التقمُّص الانتحالي الاحتيالي لسلطة الغيب، والتوهُّم بمعرفة حقيقة ما تريده السماء بأهل الأرض، أصبح هؤلاء القوم لا يبالون إن هم أوردوا الناس موارد الهلاك، أو إن هم قضوا على الأخضر واليابس، كما فعلوا الآن بأهل السودان وبالبلاد. فالمقصود بأن يُخدم لهو ذلك الوهم الضحل الذي يعشش في رؤوسهم، وليس مصالح الناس؛ من أمنٍ وطمأنينةٍ وعيشٍ كريم. وبنظرة سريعة إلى ممارساتهم في السودان منذ انقلابهم المشؤوم الذي جرى في يونيو 1989، نجد أنهم لم يبالوا قط بتعذيب خصومهم بأبشع الأساليب، بل وقتلهم وبأعدادٍ مهولةٍ لأتفه الأسباب. وهذا مما أثبته عن نفسه وعنهم الرئيس المخلوع عمر البشير. كما أنهم لا يتعاطفون قط مع الناس مهما ألمَّت بهم من نكباتٍ وكوارث مهما عظُمت. وهل يا ترى لاحظ السودانيون، أن الفريق البرهان لا يشير إلى النكبة الكارثية التي يعيشها السودانيون، منذ عامين، إلا لمامًا؟ ولا تظهر على وجهه قط أي تعابير تشير إلى أنه يتألم لآلام الناس الذين جرَّهم بجهله وهوسه ودمويته وهوس جماعته بالسلطة والمال، إلى هذا الجحيم؟ وهل لاحظ السودانيون، وغير السودانيين، أن الفريق البرهان ظل غارقًا طيلة العامين الماضيين في انتهاج مختلف التكتيكات والحيل التي تبقيه ممسكًا بمقعد السلطة، غض النظر عن أي نتيجة. وأنه لا تبدو عليه أيُّ عجلةٍ لإخراج الناس من هذا الأتون المحرق؟

باختصارٍ شديدٍ، البنية الذهنية لجماعة الإخوان المسلمين بنيةٌ عصابيةٌ منحرفةٌ تمامًا عن مألوف الطبيعة البشرية السوية. ولهذا السبب فهي جماعةٌ لا يمكن أن تبني وتعمِّر وتنمِّي. وإنما على العكس من ذلك تمامًا، هي جماعةٌ لا تملك أن تفعل إلا ما يورد الناس، ويوردها هي نفسها معهم، موارد الهلاك. فهي جماعةٌ تسيطر عليها أصلاً نزعةٌ انتحاريةٌ تُعلى الموت على الحياة وتقدمه عليها في الأولويات. والنزعة الانتحارية نزعةٌ مَرَضية توجد لدى الأفراد ولدى الجماعات. وهذه النزعة هي، هي، سواءً إن كانت لدى جماعة جيم جونز التي انتحر أفرادها عام 1978، في مستعمرتهم المسماة جونزتاون فيما كانت تُسمَّى غيانا في أمريكا الجنوبية، أو لدى من يفخخون أنفسهم ويفجرونها، كيفما اتفق، من المتطرفين المسلمين. أو، حتى لدى النازيين وغيرهم من القوى الفاشية. فمهما تشدَّق الإخوان المسلمون بأنهم الوحيدون القادرون على إصلاح الحياة وأنهم وحدهم من يمسكون بمفاتيح الفردوس المفقود، إلا أنهم على المستوى التطبيقي، وهذا أمرٌ أثبتته التجارب، لن ينتهوا بحكم النزعة الاستبدادية والادعاء الاحتيالي الانتحالي لإرادة الغيب وسلطته، وبحكم الترخيص للذات بممارسة كل صنوف العنف وخلق الفوضى ونسف ممسكات الأمن أداةً للسيطرة، سوى أن ينتهوا بكل شيءٍ إلى كومةٍ من الرماد.

تجربتاهما في السودان وغزة

ليس أدل على كل ما سقته في الفقرة السابقة مما فعله إخوان السودان بالسودان، وما فعلته منظمة حماس الإخوانية بقطاع غزة. حَكَم الإخوان المسلمون السودان حتى الآن 36 عامًا وكانت خلاصة التجربة ملايين القتلى الذين توزعوا بين الجنوب ودارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وبقية أنحاء السودان. في هذه السنوات الستة والثلاثين لم يحدث في السودان شيءٌ سوى التدميرٍ لجميع المؤسسات الحكومية، سواءً إن كانت تشريعية أو تنفيذية أو قضائية أو اقتصادية تنموية أو خدمية كالصحة والتعليم. بل، خلقوا لأنفسهم دولةٍ موازيةٍ لا تخدم سوى التنظيم وأعضائه. وعمومًا، فقد انتهى بهم مسلسل التجريب الاعتباطي القائم على الاستهانة بأرواح الناس وبمقدرات البلد، وبعد كل هذه التجربة الطويلة من الفشل الفاضح في كل شيء، إلى إشعال حربٍ دمويةٍ في قلب عاصمة البلاد. وقد نتج من هذه الحرب هلاكُ مئات الآلاف من النفوس وتشُّرد ما يقارب 15 مليونًا من المواطنين وتعرُّضُ 25 مليونًا من مجموع السكان للمجاعة وللأمراض الفتاكة. وجرى إلى جانب كل ما تقدم دمارٌ شاملٌ طال كل البنى التحتية الهزيلة للدولة، التي تُقَدَّر كلفة إعادة بنائها أكثر من 100 بليون دولار. وفوق هذا وذاك، امتلأت البلاد بالقذائف غير المتفجرة. وتسممت التربة، وتسمم الجو، وتلوثت المياه، وانتشر السلاح بين أيدي المواطنين حتى وصل إلى أيدي المراهقين. وفاق عدد المليشيات المسلحة التي يصنعونها بالسياسات الخرقاء أكثر من مئة. كما ازداد خطاب الكراهية. وتحولت البلاد إلى جزرٍ متقطعة، وهزُلت وامتُهِنت كرامتها حتى تدخلت في شؤونها كل دول الجوار بلا استثناء. كما تدخَّل في شؤونها، أيضًا، عددٌ من دول الإقليم ودول العالم، وازداد تأثير تلك الدول على مجريات ما يحدث فيها بصورةٍ غير مسبوقة. باختصارٍ شديدٍ، أصبح السودان أرضًا مستباحةً فاقدةً لسلطة القرار الوطني، ومنهوبةَ الثروات بصورةٍ لم تحدث لأي بلدٍ إفريقي آخرٍ، على الإطلاق. هذا هو حصاد الهشيم للتجريب الاعتباطي للإخوان المسلمين في السودان. وهو تجريبٌ لم يقم إلا على أوهام فجةٍ وأباطيلٍ وظلامِ نفوسٍ أضحت صفاتها الشح والشره والكلف بالاستكثار من الحطام.

أما جماعة حماس، المسنودة مثل جماعة الإخوان المسلمين في السودان، من جانب كلٍّ من إيران وقطر، ومن منظومة الإسلام السياسي العابرة للأقطار، فقد فضَّت ارتباطها بالسلطة الفلسطينية، منذ عقودٍ، بالحديد والنار. وجعلت من غزة سجنًا للغزيين وقاعدة لمهاجمة إسرائيل وانتهت بها مغامراتها الرعناء غير محسوبة العواقب إلى أن تجعل من غزة كومةً من الحطام، ومن أهلها شعبًا هائمًا على وجوهه يفترش الأرض، ويلتحف السماء ويموت منه المئات دهسًا وهم يتدافعون بالمناكب من أجل الحصول على لقمة طعام. وقد قاد تهوُّر حماس وداعميها إلى أن تنقض إسرائيل وبقوةٍ غير مسبوقةٍ على حماس وعلى حزب الله وعلى إيران نفسها وتعيد عقارب ساعة قدراتهم العسكرية إلى الوراء. ويبدو أن البرهان وجماعته قد وضعوا السودان الآن على رأس قائمة الأهداف الإسرائيلية.

النعمةُ المنطويةُ في النغمة

الخراب والدمار هو الخلاصة الحتمية لأي نظام حكم يديره الإخوان المسلمون. فهذا التنظيم لا يملك سوى أن يخلق من كل فردٍ من أتباعه قوىً تدميريةً صغيرةً، تنتشر في الزمان والمكان كالفطر في البرِّيَّة، ناشرةً للتوحُّش، وصانعةً للقبح، وراعيةً للجهل، والضحالة، والجلافة والتخلف والغوغائية. ومن سوء حظنا، نحن السودانيين، وفي نفس الوقت، من حسن حظنا، أيضًا، أن جعل الله السودانَ الدولةَ الأولى التي تمكَّن الإخوان المسلمون من حكمها لفترةٍ بلغت حتى الآن 36 سنة.

ما يجسد سوء حظنا إنما هو هذا الخراب والدمار الاستثنائي الذي أصاب بلادنا، وهذا التشرد الضخم، وهذا العوز، وهذه المسغبة الشاملة التي أصابت أهلها. يُضاف إلى ذلك، انسداد الأفق وخفوت بريق الأمل في المستقبل والشعور المريع بالضياع الذي أطبق على الجميع. هذه النكبة الكبرى التي حدثت لنا، وحدثت لأهل غزة لم تحدث في أي دولةٍ أخرى، ولا لأي شعبٍ آخر، في كامل الإقليم، بل وفي كل العالم. والسبب أن من وقف وراءها هم الإخوان المسلمون الذين يحجب عنهم عوزهم المعرفيٌّ ووهنهم الأخلاقي الهدفَ والغايةَ من الفعل السياسي.

أما قولي إن هذه النكبة الكبرى التي جرت لنا، ربما تكون في محصلتها النهائية خيرًا أراده الله بنا، وأنها من حسن حظنا، فمردُّه إلى أن هذه التجربة سوف تخرجنا، مرَّةً وإلى الأبد، من قبضة الهوس الديني. وربما بقدرٍ لن يُتاح لغيرنا من الأمم الإسلامية التي ابتليت بداء الهوس الديني الذي ينتهي بقياداته إلى عصاباتٍ حاكمةٍ مستبدةٍ همُّها حب المال ورغد العيش. وقارنوا بين ما عليه قادة حماس وقادة الإخوان المسلمين في السودان من نعيمٍ، وانغماسٍ في ملذَّات الدنيا، وسترون صحة ذلك أوضح من قرص الشمس في رابعة النهار. مما أراه بعين بصيرتي الآن، أن قوى الروح الكوني قد قضت بطي حقبة الإخوان المسلمين في كل مكان، وإيقاف عُتُوَّهم العنفي الفالت، ولجم طاقتهم التدميرية. ويَرِدُنِي ذلك مثلما ورد أبا القاسم الشابي من قبل، حين قال: “كذلك قالتْ لي الكائناتُ وحدَّثني روحُها المُستتر”. ختامًا، فإن خلاصة القول هي قوله تعالى: “أَتَىٰ أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ”. صدق الله العظيم.

عن صحيفة (التنوير)

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات