الجمعة, أغسطس 1, 2025
الرئيسيةاخبار سياسيةروث الماشية... ثروة مهدورة وفرصة واعدة للطاقة النظيفة في السودان

روث الماشية… ثروة مهدورة وفرصة واعدة للطاقة النظيفة في السودان

روث الماشية… ثروة مهدورة وفرصة واعدة للطاقة النظيفة في السودان

كتب:حسين سعد
على الضفة الغربية من النيل الأزرق، هناك حيث تهدأ الموجات وتتمايل الأغصان في حضن الريح، تتمدد قرية الحليلة الشيخ موسى بمحلية الكاملين بولاية الجزيرة كلوحة من زمن مضي زمن الأجداد، والبركة، والحنين العميق، هناك لا تُقاس الحياة بالساعات، بل بخُطى الزائرين نحو القباب، وبدعوات الجدات تحت ظلال الأشجار، وبدفء الأهل حين تتشابك الأيادي حول صحن القُراصة والكسرة بملاح التقلية والنعيمية والشعيرية في الصباحات الشاتية، الحليلةالشيخ موسي ليست مجرد قرية؛ إنها سِفر من الذاكرة، ومقام لطيبين سكنوا الأرض وورثوها لأحفادهم عامرة بالمودة، والإيمان، وحكايات الأولياء، وعلى رأسهم الشيخ موسى، الذي تُنسب إليه البركة والكرم والعلم، وتُشد الرحال إلى مقامه من أطراف الجوار طلبًا للدعاء والسكينة، القبة البيضاء تعلو بهدوء بين الخُضراء والنهر، كأنها تسبّح، أو تحرس السرّ القديم بين النيل والأرض، والأصوات هناك لا تعلو، بل تهمس، فكل شيء في الحليلة يقول لك: “تمهّل… أنت في حضرة التاريخ والحنية، وتعلم أبناءها وبناتها أن الإنتماء لا يُشترى… بل يُورث، في صباحات الحليلة، تصحو الحياة على صوت الأذان الممتد من المآذن ، يختلط بصوت الديكة، وزغزغة العصافير، ورائحة الخبز في الافران والكسرة في الصاج النساء يشرعن في طقوسهن اليومية بكل هدوء ورضا، ، فيما الرجال يذهبون نحو الحقول أو يتهيأون لسُوق الكاملين، أما الأطفال في الحليلة يركضون حفاةً فوق الرمل، يلهون بالماء، ويصنعون لعبهم من الطين، لكنهم يعرفون تمامًا طريق الخلوة، والمدرسة حيث الحروف الأولى تُنقش على ألواحهم بمداد من الصبر والنور، الحليلة الشيخ موسي تحيا بطقسها الخاص، فالمناسبات ليست مجرد أيام، بل مواسم كاملة من المحبة. في الموالد، تمتلئ الساحات بالدفوف والذكر، وتنتصب الرايات الخضراء، ويأتي الزوار من البعيد والقريب، يطلبون البركة ويمدون الأيادي للعناق، أما في الأتراح، فإن الحليلة كلها تصبح بيتاً واحداً، لا يُترك فيه حزين وحده، ولا تُبكي أم شهيد في صمت، تراث القرية حي في الحكايات، في أسماء البيوت التي تُنادى باسم الجد الأكبر، في الرُقية الشعبية، في زفة العرسان،. حتى الا شجارالمنتشرة ، هنا، له قصة تروي ، الحليلة ليست مجرد مكان على خريطة… إنها سِرٌ صغير من أسرار السودان — قطعة من الزمن الجميل، ومن الأرض الطيبة، التي كلما عبرتها… شعرت بأنك أقرب لنفسك، وأقرب لجذورك، في هذه المنطقة برز حسن خير الله الشاب الأربعيني بابتسامة هادئة ونظرة بعيدة، يحول ما يراه الناس نفايات إلى كنز مستدام، لم ينتظر وظيفة حكومية ولا دعماً من جهة مانحة، بل أمسك بزمام المبادرة وبدأ يصنع الفحم النباتي من روث الأبقار والمواشي، متحدياً الحرب وتداعياتها الكارثية مثل الفقر والبطالة وانهيار الاقتصاد، كان يؤمن أن الحلول في الأرض، فغاص في تفاصيل البيئة من حوله، مستلهماً من الطبيعة ذاتها وسيلة للعيش النظيف والرزق الحلال، لم يكن مشروعه مجرد وسيلة للبقاء، بل رسالة في الاكتفاء والابتكار، وحكاية أخرى من حكايات الصمود السوداني في زمن الحرب والانهيار، كان يرى في روث الابقار وقودًا نظيفًا، وحطبًا بلا أشجار مقطوعة، ونفَسًا للبيئة المنهكة من القطع الجائر والتصحر المتسارع، من خلال تقنيات بسيطة وعزيمة لا تلين، بدأ في تحويل الروث إلى فحم نباتي مضغوط، يُحرق بكفاءة عالية ولا يخلف الدخان الأسود الذي يخنق الصدور. شيئًا فشيئًا، تحوّل مشروعه إلى حلم نو أمل جديد لمحاربة قطع الاشجار للفحم التقليدي ، ما يفعله حسن خير الله ليس مجرد ابتكار بيئي فحسب، بل هو ثورة صغيرة في بلاد أنهكتها الحرب ، ترد على أسئلة كبرى تتعلق بالاستدامة والعدالة البيئية وحق الإنسان في طاقة نظيفة وآمنة، حسن في صمته حكمة، وفي عمله إلهام، وفي فكرته وعد بأن الحلول قد تولد من روث الأبقار، إذا وُجد الإيمان والمثابرة، في ظل إستمرار حرب السودان وتداعياتها الانسانية والأمنية، و التحديات البيئية والاقتصادية ، يبرز إنتاج الفحم النباتي من روث الأغنام والأبقار كفرصة واعدة تمزج بين الابتكار البيئي والتنمية المستدامة، ففي بلدٍ يتمتع بثروة حيوانية هائلة تقدر بملايين الرؤوس من الأبقار والأغنام والماعز، تظل المخلفات الحيوانية موردًا غير مستغل بشكل كافٍ، رغم ما تحتويه من طاقة كامنة يمكن تحويلها إلى مصدر نظيف وفعّال للطاقة، إن استخدام روث الماشية لإنتاج الفحم النباتي لا يمثل فقط إستجابة ذكية لمشكلة تراكم النفايات الحيوانية، بل يُعد أيضًا خطوة رائدة نحو التخفيف من الإعتماد على الفحم التقليدي، الذي يتسبب في إزالة الغابات وتدهور البيئة، في هذا السياق، تلوح في الأفق فرص كبيرة أمام السودان للاستثمار في إنتاج الفحم الحيوي أو عبر تقنيات التحلل الحراري، التي تحول روث الماشية إلى فحم نباتي مستدام وعالي الجودة يمكن إستخدامه كوقود منزلي أو صناعي، أو حتى كسماد عضوي غني بالكربون يحسّن من خصوبة التربة الزراعية، وتمتاز هذه الطريقة بكونها منخفضة الإنبعاثات وتقلل من غازات الدفيئة، كما تسهم في تحقيق أهداف الاقتصاد الأخضر. ويقول حسن خير الله في حديثه مع مدنية نيوز أن فكرته تم تنفيذها عبر معمل بسيط وإستخدام روث الماشية والابقار المتوفر بكميات كبيرة حيث نجحت التجربة بنسبة (100%) فالحم المنتج من المعمل عالي الجودة يمكن ان يستمر لفترة اطول اثناء الطهي او التدفئة وهو يقلل من قطع الاشجار ، وعملية الانتاج تكتمل من خلال يوم او يومين فقط واوضح حسن ان طريقة التحضير سهلة وبسيطة وهذه فكرة قابلة للتطوير اذا وجدت الامكانيات المالية المطلوبة والفنية من قبل خبراء البيئة والغابات لجهة إنتاج فحم نباتي لتخفيف الاعباء والأضرار بالنسبة للانسان والبيئة (معا نحو بيئة سليمة)
الجدير بالذكر ان السودان، الذي يعاني من أزمة طاقة خانقة خاصة في المناطق الريفية، يجد في هذه التجربة فرصة لإنتاج بديل محلي للطاقة يعتمد على الموارد المتوفرة، ويخلق فرص عمل جديدة في سلسلة القيمة – من الجمع والمعالجة وحتى التعبئة والتسويق. كما أن تطوير هذه الصناعة قد يسهم في تمكين المجتمعات الريفية، ولا سيما النساء والشباب، من خلال إشراكهم في أنشطة صديقة للبيئة ذات جدوى اقتصادية، إن التحول إلى إنتاج الفحم النباتي من روث الحيوانات يتطلب دعمًا تقنيًا وسياسات مشجعة وشراكات بين القطاعين العام والخاص، لكنه يفتح الباب أمام تحول بيئي واقتصادي مهم. وفي ظل التغيرات المناخية والبحث العالمي عن بدائل نظيفة ومستدامة، فإن السودان يمتلك كل المقومات ليصبح رائدًا إقليميًا في هذا المجال، مستفيدًا من ثروته الحيوانية، وساعيًا نحو مستقبل أكثر استدامة وعدالة بيئية، من ناحية اقتصادية، فإن تطوير سلسلة إنتاج الفحم النباتي من الروث يمكن أن يُسهم في تقليل الاستيراد المكلف لأنواع الوقود الأخرى، كما يوفر موردًا محليًا يدعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة، خاصة في مجالات الطهي والتدفئة والإنتاج الزراعي. كما يمكن تصدير الفائض إلى الأسواق الإقليمية والدولية، خاصة في ظل تزايد الطلب العالمي على منتجات الطاقة المستدامة.
أما بيئيًا، فإن هذه الخطوة تُعد بمثابة ثورة خضراء في التعامل مع نفايات الثروة الحيوانية، التي إن تُركت دون معالجة قد تساهم في تلوث المياه والهواء والتربة، وتفاقم من ظاهرة الإحتباس الحراري نتيجة إنبعاث غاز الميثان، بينما إنتاج الفحم الحيوي من هذه المخلفات لا يحد من هذه الانبعاثات فحسب، بل يعيد تدوير الكربون بطريقة ذكية تحافظ على التوازن البيئي وتحد من التصحر، وتساهم في استعادة خصوبة الأراضي الزراعية المتدهورة بفعل التغيرات المناخية أو الاستخدام الجائر.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات