كتب:حسين سعد
تقع زنجبار في قلب المحيط الهندي، قبالة الساحل الشرقي لتنزانيا، وهي مجموعة من الجزر الصغيرة التي تحكي قصة عراقة التاريخ وأصالة الثقافة، وتبهر الزائرين بجمال طبيعتها الأخاذة ومياهها النقية، تعتبر زنجبار مزيجًا ساحرًا من التراث العربي، الأفريقي، والهندي، ما يجعلها وجهة فريدة تجمع بين التاريخ والطبيعة والسياحة الفاخرة، زنجبار ليست مجرد جزيرة سياحية، بل هي بوابة تاريخية لعبت دورًا محوريًا في التجارة العالمية على مدى قرون. كانت مركزًا لتجارة التوابل والعبيد، وشهدت تلاقح الثقافات بين العرب والفرس والبرتغاليين، حتى أصبحت جزءًا من الإمبراطورية العمانية في القرن الثامن عشر. اليوم، يمكن للزائر أن يشعر بسحر الماضي عند التجول في ستون تاون، المدينة القديمة المصنفة ضمن مواقع التراث العالمي لليونسكو، بشوارعها الضيقة، وأسواقها الملونة، ومنازلها الحجرية المزخرفة بنقوش أثرية فريدة، تشتهر زنجبار بشواطئها البيضاء التي تمتد على طول السواحل، ومياهها الصافية التي تتراوح ألوانها بين الفيروزي والأزرق السماوي، ما يجعلها مكانًا مثاليًا للغوص والسباحة ومراقبة الشعاب المرجانية
جزيرة بيمبا المعروفة بالمزارع الخضراء والبيئة الهادئة، وجزيرة بونغوي الصغيرة التي تعد ملاذًا للمحبي الهدوء، تقدمان تجربة مختلفة لكل زائر يبحث عن الاسترخاء والهدوء بعيدًا عن صخب المدن.
ثقافة غنية وتراث حي
زنجبار تُلقب بـ“جزيرة التوابل”، فهي تنتج القرفة، القرنفل، الفلفل، والزنجبيل، التي تنمو في مزارعها الخصبة المنتشرة بين التلال الخضراء. زيارة مزارع التوابل تمنح السائح تجربة حسية متكاملة، من شم الروائح العطرية إلى تذوق النكهات الطازجة، لتصبح رحلة استكشاف الجزيرة رحلة لا تُنسى للمذاق والشم معًا، السكان المحليون في زنجبار، الذين يشكل المسلمون أغلبهم، يتميزون بالود والضيافة. كما تحتضن الجزيرة مهرجانات ثقافية وفنية تعكس تاريخها وتنوعها، مثل مهرجان زنجبار الدولي للأفلام ومهرجان الموسيقى التقليدية ، الأطباق المحلية، مثل السمك المشوي مع الأرز والتوابل، والـ”زينجاباري”، تعكس التداخل بين الثقافات العربية والأفريقية والهندية في نكهاتها الغنية والمعقدة.
تاريخٌ يمتد لآلاف السنين
بين الأزقة الضيقة في ستون تاون، تتكشف أمام الزائر قصص تاريخية محفورة في الجدران الحجرية القديمة، ومنازل مزخرفة بنوافذ خشبية مطعمة بنقوش عثمانية كنت اتحرك في الزقاقات مع هرون وهو شاب تنزاني يعمل فيلا الفندق الذي أقمت فيه كل باب هنا يحكي قصة، كل نافذة تحمل عبق الماضي، أشعر وكأن الجزيرة تروي لي حكاياتها.” الأسواق الصغيرة، أو ما يعرف بـ”سوق فرداني”، تعج بالمنتجات الحرفية من السجاد اليدوي، والمجوهرات الفضية، وحتى التوابل التي يمكن للزائر أن يشتريها كتذكار يحمل رائحة الجزيرة معه، هذا السوق به جميع الوجبات ويبداء نشاط السوق من العصر حتي الساعة الحادية عشر ليلاً، الطعام هنالك لذيذ ودسم كنت يومياً أحضر الي سوق فرداني وتعرفت علي اصحاب المطاعم ، بعد جولة في الأسواق، يأخذ الركاب بعض الوقت للاسترخاء على الشواطئ البيضاء الممتدة. المياه العذبة تدعوهم للسباحة أو الغوص، بينما يلتقط آخرون الصور التذكارية على الرمال الذهبية تحت الشمس الساطعة. البنايات المطلة على البحر، بعضها فندق فخم والآخر مقاهي صغيرة، تضفي طابعًا حضريًا مميزًا على جمال الطبيعة، وتمنح الزائر شعورًا بالرفاهية وسط السحر الطبيعي للجزيرة.
قصص البحارة القدامي:
وفي المقاهي المطلة على البحر، يمكن سماع أصوات المحادثات بلغات مختلفة، بينما يقدم أصحابها القهوة المحلية المصنوعة من حبوب البن الفريدة وزيوت التوابل. هنا، يلتقي السائح بالسكان المحليين، ويكتشف أسرار الثقافة الزنجبارية، من قصص البحارة القدامى إلى وصفات الطهي التقليدية التي تنتقل من جيل إلى جيل، تجربة استكشاف الجزيرة لا تكتمل دون المشاركة في الأنشطة البحرية؛ ركوب القوارب الشراعية الصغيرة، الغوص لمشاهدة الشعاب المرجانية، والتجول بين الجزر الصغيرة المحيطة. كل نشاط يكشف جانبًا جديدًا من زنجبار، سواء كان جمال الطبيعة، تنوع الحياة البحرية، أو دفء السكان المحليين الذين يرحبون بالزائر بابتسامة صافية وود أصيل، لحظة الانسجام مع الجزيرة بين الأسواق والشواطئ والمقاهي، يشعر كل زائر بأن زنجبار ليست مجرد مقصد سياحي، بل تجربة حية تتفاعل مع كل حواسه. أصوات الأمواج، رائحة التوابل، ألوان الأسواق، والابتسامات الدافئة للسكان المحليين، كلها تجتمع لتخلق لحظة انسجام فريدة. كل ضحكة، كل تذوق لقهوة محلية، وكل خطوة في الشاطئ تخلّد في ذاكرة الزائر كجزء من قصة هذه الجزيرة الساحرة، التي تظل محفورة في القلب بعد الرحيل.
غروب الشمس ورمال المحيط:
مع نهاية اليوم، يجلس الزائر على رمال الشاطئ، يشاهد الشمس تغرب خلف البنايات المطلة على البحر، في لوحة طبيعية متكاملة تجمع بين البرتقالي الذهبي، الفيروزي الساحر للمياه، والظلال الطويلة للأشجار الاستوائية. لحظة الغروب في زنجبار ليست مجرد منظر؛ إنها تجربة روحانية تشعر معها وكأنك جزء من الجزيرة، وكأن الأمواج والرياح والشمس كلها تتناغم مع تنفسك، الرحلة البحرية التي بدأت بتحدي الأمواج المتموجة، لم تكن مجرد عبور، بل كانت مقدمة لمغامرة أكبر؛ مغامرة استكشاف أسواق زنجبار العتيقة، تجربة مذاق التوابل، الاستماع إلى موسيقى الجزيرة التقليدية، والغوص في مياهها الصافية لمشاهدة الشعاب المرجانية الغنية بالحياة البحرية. كل تجربة شكلت فسيفساء من الذكريات التي لا تُنسى، وأعطت الزائر إحساسًا بالاتصال العميق مع الجزيرة وثقافتها وسكانها، السياحة في زنجبار ليست مجرد مشاهدة، بل عيش وتفاعل. سكانها المحليون، بابتساماتهم الدافئة وكرم الضيافة الذي يتغلغل في كل تفاصيل حياتهم، يجعلون من كل لقاء تجربة تعليمية وثقافية؛ من نصائحهم حول أفضل الأسواق، إلى مشاركة قصص البحارة القدماء وحكايات التوابل التي تنتقل عبر الأجيال. وهنا، يفهم الزائر أن زنجبار ليست مجرد مكان على الخريطة، بل حضارة نابضة بالحياة تستقبل كل زائر كضيف شرف، زنجبار تقي في الذاكرة كل صوت أمواج، كل رائحة قهوة محلية، كل لون في الأسواق والشواطئ، يظل محفورًا في العقل والقلب. إنها تجربة شاملة تجمع بين التاريخ العريق، الثقافة الغنية، الطبيعة الساحرة، وروح المغامرة، لتقدم لزائرها رحلة لا مثيل لها، وفي النهاية، زنجبار لا تُروى فقط من خلال صور السياحة أو أدلة السفر، بل من خلال قصص وتجارب من عاشوا لحظات فيها؛ كل رحلة بحرية، كل نافذة حجرية في (ستون تاون) وكل لقاء مع السكان المحليين، كل ذلك يشكل لوحة متكاملة من السحر والجمال. زنجبار، بهذا المزيج الفريد، تظل وجهة يحلم بها كل مسافر، وتبقى محفورة في الذاكرة كجزيرة حيث يلتقي البحر بالتاريخ، والمغامرة بالاسترخاء، والثقافة بالرفاهية (يتبع)
زنجبار :الطبيعة الساحرة وقصص البحارة القدامي (4)
مقالات ذات صلة

