سلفاكير يهيئ المسرح لخليفته في الحكم
ذو النون سليمان، وحدة الشؤون الافريقية، مركز تقدم
أصدر رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان سلفا كير ميارديت, قرارا بتعيين نائبه في الحكومة بنجامين بول ميل في منصب النائب الأول لرئيس الحزب، في تطور سياسي لافت يؤشر لمستقبل انتقال السلطة في جنوب السودان. خاصة بعد تداول انباء عن مرض الرئيس، وتفاقم الخلاقات مع مكون أساسي في السلطة ونائبة رياك مشار الذي وضع تحت الإقامة الجبرية.
– ينتمي بنجامين بول ميل لقبيلة الدينكا وولاية بحر الغزال التي ينحدر منها رئيس الدولة والحركة سلفاكير، وهو رجل أعمال تقلد رئاسة عدد من الشركات، مثل الشركة التايلاندية للإنشاءات، وأصبح رئيس الغرفة التجارية والصناعية والزراعية في جنوب السودان. سياسيا تقلد منصب النائب الأول للأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان للشؤون السياسية والتعبئة. تنفيذيا، تولي منصب المبعوث الرئاسي للرئيس، ومؤخرا نائب رئيس الجمهورية للمجموعة الاقتصادية والمسؤول الأول عن الاستثمارات والمشاريع التنموية بجنوب السودان.
– التعيينات الأخيرة في قيادة الحركة الشعبية، والتي شملت نواب الرئيس والأمين العام ونائبيه، تمت استنادًا إلى تفويض دستوري واضح منح لرئيس الحركة، الفريق أول سلفا كير ميارديت، من قبل مجلس التحرير الوطني للحزب في اجتماعه الذي انعقد يومي 2 و3 ديسمبر 2022, أقر الاجتماع تفويض رئيس الحركة بتعيين نوابه الثلاثة، إضافة إلى الأمين العام للحركة ونائبيه. وقد تم اعتماد القرار رسميًا بعد إجازته من قبل جميع أعضاء المجلس الحاضرين.
– لم يخف سلفاكير مخاوفه من أن تؤدي قراراته المتعلقة بتصعيد الجيل الجديد إلى انقسام داخل الحزب، من خلال تصريحاته العلنية بضرورة هذه الخطوة من أجل الاستعداد للمرحلة السياسية المقبلة مهما كانت تكلفتها، ويعني بها انتخابات 2026.
– لا تنفصل هذه الترتيبات عن اعتقاله التحفظي لنائبه رياك مشار على خلفية الأحداث التي صاحبت تجريد الجيش الأبيض من السلاح -مليشيا قبلية للنوير- الداعم لقوات حركته، وهي تتزامن أيضا مع التغييرات العسكرية الكبيرة التي تمت خلال الأشهر الأخيرة لقيادات المؤسسة العسكرية والجهاز التنفيذي. تلك القراءات تصب في اتجاه تعزيز سيطرة سلفاكير على الأوضاع السياسية داخل حزبه والدولة، بما يعزز نجاح مشروعه الانتقالي.
– ما يؤكد هذه الفرضية توجيهه بإعادة فتح البرلمان الوطني خلال الأسبوع الأول من شهر يونيو المقبل، وذلك، بعد أشهر من توقف أعماله، وذلك بهدف تعزيز التعاون الإقليمي، ودعم مسار بناء مؤسسات الدولة وتعزيز الحوكمة حسب تعبيره.
– على الرغم من رصيد الحركة الشعبية التاريخي الكبير، الا انها لم تنجح في تجديد نفسها، وظلت تدور في فلك قياداتها المؤسسة لأكثر من أربعين عاما، وسط صراعات تنظيمية مستمرة أضرت بتطورها وبقدرتها على إنجاز مشروع الدولة بعد الاستقلال من السودان عام 2011 ، وتمثيل مشروع التغيير داخل هياكلها، وهو ما عبرت عنه المراسيم الدستورية الأخيرة.
– بعد ان أطبق سلفاكير سيطرته الكاملة على التنظيم القائد للبلاد, يبدأ بترتيباته الجديدة لمرحلة أخري اعتمادا على حزبه الخاص، وذلك بإدخال جيل جديد من القادة إلى مراكز القيادة بعد إبعاد القيادات التاريخية للحركة وحرسها القديم، وإضعاف الشخصيات المنافسة داخل الحزب، وذلك بهدف ضمان عدم ظهور بدائل أخرى قادرة على منافسة نائبه المنتقى وشريكه الاقتصادي بول ميل, من خلال توسيع صلاحياته تدريجيًا، ليصبح شخصية مركزية في المشهد السياسي، مما يسهل عملية تقديمه كخيار طبيعي سلس لخلافته.
– يمكن قراءة الصعود السياسي والتنفيذي لبنجامين بول بأنه مخطط من الرئيس سلفا كير لنقل السلطة لخليفته في المستقبل، وفق منطوق المادة 5.3 من اتفاقية السلام لعام 2018 الخاصة بالية انتقال السلطة، حيث تنص المادة أنه في حال شغور منصب رئيس الجمهورية لأي سبب، بما في ذلك فقدان الأهلية أو عدم القدرة الجسدية أو الوفاة، يتم تعيين البديل من القيادة العليا لحزب الرئيس خلال 24 ساعة
– صعود نجم بنجامين من رجل أعمال إلى منصب الرجل الثاني في الدولة والحزب يُظهر مقدرته على المناورة واستباق الأحداث، لكن نجاحه سيعتمد على مدى قدرته على كسب ود الحرس القديم من قيادات الحركة الشعبية العسكرية وتقديم حلول حقيقية للأزمة الاقتصادية ليكسب رضا الشعب كقائد حقيقي وليس مجرد شخصية مصنوعة من قبل الرئيس سلفاكير.
– تعزيز فرص نجاح بنجامين في الحكم تتطلب منه التصدي بفاعلية للفساد المستشري في بنية الدولة، وإظهار رغبته في محاربته، إلى جانب التعاطي مع العقوبات الامريكية التي فرضت عليه في ديسمبر 2017، بتهمة الفساد، مشيرة إلى استغلاله لعلاقاته مع الرئيس كير للحصول على عقود حكومية كبيرة لمشاريع بناء لم تُستكمل.
خلاصة.
**انتقال السلطة عملية محسومة مسبقًا، حيث يمنع أي تغيير خارج الإطار الحزبي، ويضمن أن يبقى الحكم داخل الدائرة الضيقة لنظام القائد. وعليه، فإن تعيين بول ميل في منصب نائب الرئيس ليس مجرد قرار إداري، بل تحرك استباقي لضمان أن تكون القيادة القادمة جزءًا من نفس المنظومة السياسية.
** يسعي سلفاكير لاستمرار منظومة السلطة تحت اشرافه بأوجه شبابية جديدة من خلال تحول داخلي متحكم فيه دون أي اضطرابات سياسية تضر بمصالح المجموعة المسيطرة على الحكم. بعد اقصاء الحرس القديم في الحركة الشعبية.
** من غير المتوقع حصول حراك داخلي رافض لعملية الانتقال من قبل المؤسسة العسكرية التي تخضع لسيطرة إجتماعية تدرك مخاطر الصراع المسلح على مصالحها في ظل وجود التمردات والمعارضات القبلية الأخرى، ويبقى القبول الغربي بهذا التحول أحد أهم التحديات، لا سيما الولايات المتحدة الامريكية، بالرغم من مؤشرات تضاؤل اهتمامهم الدبلوماسي بجنوب السودان بعد إغلاق سفارات النرويج وهولندا وألمانيا، ومؤشرات تشمل أمريكا ايضا.