صعود التيار المتشدد في قومية التغراي، يقلق اثيوبيا وارتريا
ذو النون سليمان، وحدة الشؤون الافريقية، مركز تقدم للسياسات
تقدير موقف
تقديم: شهد إقليم تيغراي في مطلع يوليو 2025 تحولات جوهرية تمثلت في تعديلات هيكلية جذرية في قيادته العسكرية والسياسية، تمثلت في صعود التيار المتشدد داخل الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بقيادة دبرصيون جبرمكائيل وتادسي ويردي، وإقصاء المعتدلين وفي مقدمتهم غيتاشو رضا. هذه الخطوة أثارت ردود فعل حذرة وقوية من قبل الحكومة الفيدرالية الإثيوبية ومن دولة إريتريا، لما تحمله من دلالات سياسية وأمنية، اعتُبر التحول في أديس أبابا تهديدًا مباشرًا لاتفاق بريتوريا وتراجعًا عن مسار التسوية، بينما رأت فيه أسمرا عودة فعلية لعدوها التاريخي.
في التفاصيل:
• في بداية أبريل 2025, تولي تادسي ويردي رسميًا رئاسة الإدارة الإقليمية المؤقتة، وكان سابقًا قائدًا لقوات الدفاع التيغرية، اختاره تيار دبرصون لتعزيز القيادة السياسية والعسكرية بالتوازي كبديل لغيتاشو رضا، رئيس الإدارة المؤقتة السابق، الذي يتبنى خط الاعتدال والتفاوض مع أديس أبابا.
• عقدت جبهة التغراي مؤتمرها الرابع عشر في يوليو 2024, وشددت توصياته على ضرورة إجراء إصلاحات عميقة في الإدارة المؤقتة والقوى العسكرية، وتعتبر قيادة الجبهة الهيكلة الجديدة خطوة عملية لتطبيق هذه التوصيات، علمًا أن الاعتبارات الأمنية الحالية والتطورات السياسية قد سرعت الخطوة.
• بعد اتفاق بريتوريا في نوفمبر 2022 تم تشكيل الإدارة المؤقتة برئاسة ريدا، كحل وسطي. لكن الانقسام السياسي تسبب في حالة من الفوضى الأمنية والقوة المتنافسة في إقليم تيغراي، وشهدت بعض المدن مثل – أديغرات وميكيل- تناحرا وسيطرة متقلبة بين الفصائل، مما أثار مخاوف من اندلاع مواجهة شاملة مجددًا.
• تصدر القائد دبرصيون جبرمكائيل الهيكلة الجديدة كقائد سياسي–عسكري أعلى، بينما يشغل اللواء تادسي ويردي القائد الحالي لـجبهة التغراي، موقع الرئيس التنفيذي للهيئة المشتركة. وهي وظيفة تشمل إدارة العمليات والتنسيق اليومية بين الإدارات السياسية والعسكرية.
• قضت الهيكلة المعلنة بدمج الجهازين السياسي والعسكري للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي تحت قيادة موحدة، بما يعزز القدرة على اتخاذ قرارات استراتيجية وسيادية دون ازدواجية السلطات بينهما، كما يهدف هذا التغيير لاستعادة الفعالية العسكرية التي كانت شبه “مشلولة “بعد اتفاق السلام، بغرض مواجهة أي تصعيد إقليمي مفاجئ مع الحكومة الفيدرالية الإثيوبية أو دولة إريتريا.
• من مهام الإدارة التنفيذية الجديدة حماية المدن واستعادة السيطرة على المناطق المتنازع عليها – كـأديغرات – وتفكيك المنظومات العسكرية المتفرقة بما في ذلك حزب سلام تيغراي المدني المعارض للجبهة.
• بحسب مراقبين، ستؤثر الهيكلة الجديدة على مسار الحل السياسي، وذلك بسبب تعزيز الخط المتشدد داخل جبهة التيغراي عن طريق القادة الذين صعدوا الآن إلى الواجهة، مثل دبرصيون جبرمكائيل وتادسي ويردي، والذين يمثلون تيارًا يفضّل الضغط بالقوة والتصعيد العسكري إذا لزم الأمر، بدلًا من التنازلات السياسية.
• في المقابل، هذا التحول من شأنه اضعاف موقف تيار الاعتدال الداعم لاتفاق بريتوريا والسلام طويل الأمد الذي كان يقوده غيتاشو رضا، مما يشكل صعوبة في التأثير على مواقف الجبهة الشعبية لتحرير التغراي في أي مفاوضات مستقبلية، ويعقّد عملية الوصول إلى تسوية تخدم السلام ووحدة البلاد.
موقف الحكومة الفيدرالية الإثيوبية:
• تعتبر أديس أبابا إعادة الهيكلة محاولة لإعادة إحياء جبهة التغراي كقوة عسكرية مستقلة. وقد ترى في التعديلات الإدارية الجديدة، انها تُهدد تنفيذ الاتفاقات الموقعة وتُمثل انقلاباً ضمنياً على شروط السلام.
• التقديرات ان هذه الخطوة قد تدفع اديس ابابا إلى تعزيز الانتشار العسكري على حدود إقليم تيغراي ووقف الدعم المالي واللوجستي للإدارة المؤقتة في الاقليم، ولا تستبعد المصادر الاثيوبية ان يستأنف دعم الفصائل المناوئة لـلجبهة الشعبية لتحرير التغراي.
• كما ان رأيا اخر يدور في الاوساط السياسية في اديس ابابا، ينادي بعدم استعجال ردود الفعل، والقيام بتحركات دبلوماسية لإعادة ضبط المسار السياسي عبر الاتحاد الإفريقي، بهدف الاحتواء المبكر لتداعيات الهيكلة الجديدة في إقليم تغراي ومنعا لتدهور العلاقات واحتمالية عودة الصراع للشمال الاثيوبي مجددا.
موقف إريتريا:
• ترى أسمرة في إعادة التنظيم والهيكلة داخل الجبهة الشعبية لتحرير التغراي تهديدًا استراتيجيًا مباشرًا، حيث تضم القيادة شخصيات تعادي النظام الإريتري منذ حرب 1998–2000. يخشى النظام الإرتري من تواصل جبهة التغراي مع المعارضة الإرترية وتحديدا مع المكون الاثني المشترك.
• ما يقلق اسمرة انها ستكون مضطرة لتغيير استراتيجيتها المتعلقة بالحفاظ على حالة الجمود الاستراتيجي التي تمنحها نفوذاً في المنطقة دون تكاليف مباشرة ولها تهديدات
• بعض التقديرات في المنطقة تتوقع أن يعزز الجيش الإريتري انتشاره في المنطقة الحدودية مع إقليم التيغراي الإثيوبي. وتفيد بعض التقارير بان اسمرة تحتضن قوى منشقة عن جبهة تيغراي، قد تنفذ بها كخطوة استباقية عمليات عسكرية في المناطق المتداخلة بين البلدين.
الخلاصة
** إعادة الهيكلة التي أقدمت عليها قيادة تيغراي تُعيد خلط الأوراق في القرن الإفريقي، وقد تفتح الباب أمام احتمالات التصعيد السياسي والعسكري بين ثلاثة أطراف رئيسية: تيغراي، الحكومة الفيدرالية الاثيوبية وإريتريا. ورغم أن الخيار العسكري لا يزال غير مطروح في الوقت الراهن، الا أن الاستعدادات على الأرض تشير الى أن المنطقة مقبلة على اختبار جديد لاستقرارها الهش
**تشترك إثيوبيا وإرتريا في الرغبة المشتركة لمنع تعزيز نفوذ جبهة التغراي من جديد، مع اختلاف الوسائل والأولويات، الأمر الذي يستدعي تفعيل قنوات التهدئة والمراقبة الدبلوماسية لتدارك مخاطر التصعيد الإقليمي الثلاثي.
**على المجتمع الدولي والاتحاد الإفريقي التدخل مبكرًا لإعادة فتح قنوات التفاوض ومنع انزلاق الوضع إلى صراع مفتوح، مع مراقبة التحركات العسكرية على الأرض عن كثب.