الثلاثاء, فبراير 4, 2025
الرئيسيةمقالات صفــــاء الــــزين تكتب:الشهادة السودانية مساومة بالمستقبل

 صفــــاء الــــزين تكتب:الشهادة السودانية مساومة بالمستقبل

 صفــــاء الــــزين تكتب:الشهادة السودانية مساومة بالمستقبل

في ظل استمرار الأزمات والكوارث الراهنة في السودان، حيث تدور رحى الحرب وتتفاقم الأزمات الإنسانية، وتتعد أنماط المساومة السياسية، وتتنامى انتهاكات الحرب تجاه السودانيين وبخاصة الطلاب، تتجه الأنظار إلى قرار حكومة البرهان بإجراء امتحانات الشهادة السودانية في موعدها المحدد، رغم النداءات المتكررة والمطالبات الموضوعية والمذكرات التنويهية لحكومة الأمر الواقع بتأجيل هذه الامتحانات نظرًا للظروف الأمنية والإنسانية الصعبة، إلا أن كل تلك المطالب تم الضرب بها عرض الحائط، وصمت حكومة بورتسودان آذانها لتجعل من الصعوبة بمكان إقامة امتحانات صحية وحقيقية لا تستثني أحد وتمكن الطلاب وأهلهم للوصول إلى مراكز مهيئة وفي ظروف تراعي احتياجاتهم.

إن التعليم هو الركيزة الأساسية لنهضة الشعوب وتقدمها، وهو المدخل الصحيح لبناء الأمم وحجز المقاعد في المستقبل، وهو المفالح الأوحد للبناء، كما قال الشاعر:

العلمُ يبني بيوتًا لا عمادَ لها
والجهلُ يهدمُ بيتَ العزِّ والكرمِ

وقد جاء في الحديث الشريف، أن رسول اللهﷺ قال : (من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهل الله له به طريقًا إلى الجنة).

إلا أن الواقع المؤلم يشير إلى أن العديد من الطلاب في الولايات الخارجة عن سيطرة الحكومة، وحتى في المناطق التي تسيطر عليها، وفي دول المهجر لجوءًا واغتراباً، يواجهون صعوبات جمة في الوصول إلى مراكز الامتحانات، فقد أشارت تقارير إلى أن حوالي 17 مليون طالب خارج المدارس حاليًا بسبب الحرب، مما يجعل البلاد تعاني من “أسوأ أزمات التعليم في العالم”، كما وصفتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف”.

الطالب/ة الممتحن/ة تـ/يحتاج إلى أمان واستقرار نفسي وغذاء وتطبيب واهتمام ورعاية خاصة، وكل هذا في الوقت الحالي غير متوفر في ظل الحرب المستعرة التي شتتت الأسر وفرقت الطلاب عن ذويهم، لذلك فإن الإصرار على عقد الامتحانات في هذه الظروف يُعتبر تجاهلاً لحقوق الطلاب في بيئة تعليمية مناسبة، مما ينعكس سلبًا على مستقبلهم ومستقبل الأمة بأسرها، ويجعل من ملف التعليم مدخلاً للمساومة السياسية الرخيصة التي توجب مساءلة كل من يعبث بمستقبل النشء.

إن التعليم هو السبيل إلى التنمية الذاتية، وهو طريق المستقبل للمجتمعات، فهو يطلق العنان لشتى الفرص ويحدّ من أوجه اللامساواة، وهو حجر الأساس الذي تقوم عليه المجتمعات المزدهرة، الامتحانات الحالية هي حلقة من حلقات التعلم الصفي، والتي من خلالها يرى أبناءنا بوابات المستقبل مشرعة، ومن يريد التلاعب بمستقبلهم يجعلهم عرضة للانهيار والأزمات والضياع.

أذكر الجميع أنه عندما ثار الشعب السوداني، كان من بين أهدافه القضاء على الظلم والاستبداد، وتحسين المناهج التعليمية التي أضعفتها سياسات النظام السابق، واليوم نجد أن هذه المناهج، رغم ضعفها لا يستطيع الطلاب دراستها أو الامتحان فيها في ظل هذه الظروف القاسية، ويعاني أساتذتهم لإيصال المعلومة إليهم أو حتى الوصول إلى مدارسهم لتدريسهم، وبذلك تعذر على آلاف المعلمين الوصول والاطمئنان على سلامة غرسهم، ليترك الأمر برمته لمقاربات أمنية وبوليسية بعيدة كل البعد عن المطلوبات التربوية.

ختاما: عندما صارت الامتحانات واقعا، صغنا العديد من المذكرات المطالبة بوقف إطلاق نار وهدنة إنسانية تسهل الوصول لمراكز للامتحانات وتوقف فوضى السلاح، إلا أن الاستجابة صفرية ما يؤكد عدم مبالاة القيادة ولا مسؤوليتها وعدم اكتراثها لمستقبل جيل كامل.
إن قرار عقد هذه الامتحانات في هذا التوقيت سيكون خنجرًا في ظهر وحدة السودان، وسيبدد أي بارقة أمل في سودان آمن مستقر وموحد، وسيفتح هذا التصرف اللامسؤول الباب واسعا لمعسكرات التجنيد والتحشيد لاستمرار الحرب، فالتعليم هو السلاح الأقوى الذي يمكننا استخدامه لتغيير العالم بأكمله، كما قال نيلسون مانديلا.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات