ضرورة الفصل بين اماني بعض السودانيين و أماني الطويل
رشا عوض
تنتشر في السوشيال ميديا السودانية وخصوصا في الواتساب كثير من المقولات التي تهاجم الجيش او تدعو لاستئصال الكيزان من اي عملية سياسية مستقبلية او تؤيد القوى المدنية منسوبة للدكتورة اماني الطويل مديرة البرنامج الافريقي بمركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية ، يتم تداول هذه الفبركات باحتفاء مبالغ فيه باعتبارها تحول في الموقف المصري الرسمي او باعتبار ان د.اماني الطويل نصيرة للقوى المدنية، ويستمر تداولها حتى بعد ان تنفيها وتتبرأ منها صاحبتها!!
د.اماني الطويل سيدة مثقفة ومحترمة، باحثة وكاتبة مجودة لصنعتها، ولكن ما تقوله وما تكتبه في الشأن السوداني ليس معرفة اكاديمية مجردة بل محكوم بالتوجه السياسي الاستراتيجي للدولة المصرية تجاه السودان، وكل المشتغلين بالسياسة السودانية يجب ان يفهموا هذا التوجه جيدا حتى يكونوا واقعيين وغير قابلين للتضليل، وفي هذا السياق مشروع الدولة المصرية في السودان هو حكم عسكري على رأسه جنرال مدجن يقبل بحراسة مشروع استتباع السودان لمصر سياسيا واقتصاديا ، النظام الذي تسعى مصر لاقامته في السودان هو النظام العاجز تماما عن ادني اعتراض على السياسة المصرية تجاه السودان وان كانت احتلال جزء من اراضيه واستخراج الذهب منها كما يحدث في حلايب ، وفي هذا السياق مصر ليس لها نوايا استئصالية تجاه الكيزان اسوة بما فعلته بالاخوان المسلمين داخل اراضيها، بل على العكس تماما ، مصر لديها تحالف خفي مع تيار امني وعسكري من الكيزان تعتقد انها تستطيع التحكم فيه ، والكيزان طبعا أسود ضارية على الشعب السوداني ونعامة امام اي جهة خارجية تؤمن لهم البقاء في السلطة ، وبحكم فسادهم وبحكم سياساتهم الخرقاء يتسبب الكيزان في عزل السودان عن العالم الخارجي بفعل العقوبات الاقتصادية وهذه خدمة ذهبية لمصر لن يحققها لها سواهم، ولذلك منذ الفترة الانتقالية كانت مصر تسعى لاشراك المؤتمر الوطني وتوسيع هيمنة الجيش وتحجيم الوجود المدني ، وعندما فشلت في ذلك دعمت الانقلاب على الفترة الانتقالية بعد ان فشل الانقلاب الاول ممثلا في مجزرة فض الاعتصام ، وحتى هذه اللحظة توظف مصر دبلوماسيتها في المنابر الاقليمية والدولية للاقصاء التام لاجندة التحول الديمقراطي واقصاء المدنيين وتمكين العسكر واعادة انتاج الكيزان في نسخة جديدة بقيادة ” كيزان مصر” ، وخلال هذه الحرب شاركت مصر عبر طيرانها في المعارك لصالح الجيش وضربت قوات الد.عم السريع في جبل موية، ولولا ان لمصر مصالح اقتصادية ضخمة تربطها بالامارات الدولة الحليفة للد.عم السريع والداعمة له لكان تدخلها العسكري المباشر في حرب السودان اكثر وضوحا ولكنها على كل حال متدخلة بكثافة في هذه الحرب وهذا هو السبب الذي فرض على الامركان تغيير سياستهم القديمة التي كانت تستبعد مصر من المشاركة في حل النزاعات السودانية، ونتيجة هذا التغيير هي استيعاب مصر في الآلية الرباعية بقيادة امريكا بسبب ان تدخلاتها في الحرب كبيرة. هذا هو التوجه المصري الذي لا تستطيع د. اماني الطويل الانحراف عنه ، وبالتالي فان كتاباتها تصب في اتجاه خدمة بلادها لا خدمة ” اماني السودانيين” في الحكم الديمقراطي وفي الانعتاق من الكيزان، بل ان رغبة السودانيين المشروعة في التحرر من هيمنة الكيزان يتم تجريم اصحابها في ضفة القوى المدنية وتحميلهم مسؤولية استمرار الحرب وتغذية الاستقطاب! في حين ان المتسبب الحقيقي في الاستقطاب هم الكيزان الذين يرغبون عبر هذه الحرب في العودة الى احتكار السلطة بشكل مطلق وتخوين كل معارضيهم واستئصالهم بقوة السلاح والذبح من الوريد الى الوريد كما يجري على الارض!
لا يوجد ما يدعو للدهشة في ان مصر التي استأصلت الاخوان المسلمين من الحياة السياسية في مصر وصنفتهم كحركة ارهابية تتحالف معهم في السودان ، ببساطة مصالحها تقتضي ذلك! وهذا امر مفهوم في العلاقات الدولية، مثلا في منطقتنا هذه كانت هناك حكومات تقمع الشيوعيين وتستأصلهم بأبشع الوسائل ولكنها في ذات الوقت من الحلفاء السياسيين للاتحاد السوفيتي الذي كان الراعي الرسمي للشيوعية في العالم!
نظام صدام حسين البعثي مثلا، خذل البعثيين السودانيين شر خذلة بتحالفه مع نظام البشير الاسلاموي رغم اعدامه لثمانية وعشرين ضابط اغلبهم من البعثيين بعد افشال محاولتهم الانقلابية، حيث زعم صدام ان نظام البشير معاديا للامبريالية ويجب على البعثيين السودانيين دعمه بدلا من معارضته! الامر الذي رفضه البعثيون السودانيون ولكن جزء منهم قبله وانخرط في حلف باطني مع الكيزان! هذا هو منطق العلاقات الدولية! عندما تتعارض مصلحة الدولة مع دعم تنظيم خارج الحدود تنتصر مصلحة الدولة فلا تدعمه، وعندما تتطابق مصلحة الدولة مع دعم تنظيم خارج الحدود فانها تدعمه وان كانت النسخة الشبيهة لذلك التنظيم مصنفة ارهابية داخل حدود تلك الدولة!