عروة الصادق يكتب :لماذا مائدة مستديرة سودانية شاملة؟؟؟
● لعبت الثورات الشعبية والهبات والانتفاضات دوراً مهماً في تطوير فكرة المائدة المستديرة كمنهج لإنهاء الخلاف واجتثاث جذور الصراعات، حيث كانت هذه الثورات تطمح دوما بمشاركة الشعب في صنع القرار وتأسيس أنظمة حكم أكثر عدالة واستقرارا وشفافية، وقد استخدمت الحركات الوطنية في العديد من البلدان المائدة المستديرة كأداة للتفاوض مع القوى الاستعمارية وتحديد مستقبل الدول، وأنجز السودانيون استقلالهم بهذه الطريقة في 1955م، وفي العصر الحديث أصبحت الموائد المستديرة أداة مهمة للحوار بين الأديان والثقافاف المختلفة، بهدف تجسير هوة الخلاف وتيسير التفاهم والتعايش السلمي بين الملل والنحل وللحركات والمذاهب والطوائف والطرق. – كما استخدمت الحركات التحررية في أفريقيا المائدة المستديرة كآلية للتفاوض مع القوى الاستعمارية، مثل مؤتمر برلين الذي قسم أفريقيا بين الدول الاستعمارية، وفي العديد من الدول العربية، تم استخدام الموائد المستديرة خلال فترات الانتقال الديمقراطي للتفاوض حول مستقبل البلاد وتشكيل الحكومات الانتقالية، وقد لعبت الموائد المستديرة دوراً مهماً في حل النزاعات الداخلية في العديد من الدول الأفريقية والعربية، مثل السودان والصومال. – لذلك نجد أن المائدة المستديرة أداة فعالة لحل الأزمات المعقدة، حيث تسمح بتبادل الآراء والأفكار بين مختلف الأطراف المعنية، يرجى أن تساهم في بناء الثقة بين الأطراف المتنازعة، وخلق الروح التوافقية، وأن تتيح الفرصة لمشاركة أوسع شرائح المجتمع في صنع القرار، ومن خلالها تبادل الأفكار والخبرات، يمكن للمشاركين فيها الوصول إلى حلول مبتكرة لمشاكل معقدة وأزمات مستفحلة. – وتُعتبر المائدة المستديرة في السودان حلًا مأمولًا لإنهاء النزاعات السياسية ووقف الحرب الحالية والوصول إلى تسوية شاملة، وقد شهدنا في الآونة الأخيرة العديد من المقترحات والنقاشات حول كيفية تشكيل هذه المائدة وتحديد أهدافها وأطرافها، والمأمول أن تقود بشكل أساسي إلى تحقيق توافق وطني حول إنهاء الحرب وإرساء دعائم دولة مدنية ديمقراطية، كما يرجى من خلالها الوصول إلى تصور بناء مستقبل مستدام للسودان يضمن العدل والمساواة لجميع المواطنين، ويستعيد مكتسبات وشعارات الثورة السودانية. – بالضرورة ضمان مشاركة واسعة – إن لم يكن شاملة – من القوى السياسية والحركات المسلحة والمجتمع المدني والمهنيين والنقابات والتنسيقيات ولجان المقاومة، والقوى المجتمعية والخبراء والأكاديميين، ومع ذلك سيكون هناك عثرات تتعلق بتحديد الأطراف المشاركة بشكل دقيق وضمان تمثيل عادل لجميع المكونات، والتي تشترك جميعها في تحديد القضايا المطروحة على طاولة المفاوضات حاوية مجموعة واسعة من الشؤون والقضايا، بدءًا من السلام والتعافي الاقتصادي ونظام الحكم وانتهاءً بالعدالة الانتقالية. – ويرجى أن تحدد آليات عمل المائدة المستديرة بشفافية، بما في ذلك الهيكل التنظيمي، وآليات اتخاذ القرار، ومصادر التمويل، وأن يتم اختيار منصة انطلاق محايدة بعيدة عن الاتهام والتخوين من طرفي الصراع، تستضيف أعمال المائدة دون التدخل في أجندتها، أو التحكم في قراراتها، وألا تعيق أعمالها القوى الصديقة التي ترى أن الحل الأمثل والسهل هو تجاوز كل هذه الإجراءات لإعلان حكومة كل مؤشرات إعلانها تقول بحملها أجنة فنائها في أحشائها. – هذا المقترح تواجهه عمليا العديد من العقبات والمتاريس الموضوعية والمصطنعة، أخطرها تدخلات قوى الردة وفلول النظام السابق، وحملات التضليل المتواصلة في أجهزة معسكر الحرب الإعلامية، بالإضافة إلى انعدام الثقة بين الأطراف المتنازعة والقوى المستهدفة، وصعوبة تحديد أولويات القضايا والأجندة المهمة، وضمان تنفيذ الاتفاقات التي يتم التوصل إليها، وكيفية مراقبة عملياتها على الأرض. – كما أن آفة كافة العمليات السياسية التي مرت على السودان هي تغييب القطاعات الحية، لذلك بالضرورة ضمان مشاركة واسعة لجميع المكونات السودانية في المائدة المستديرة المقترحة، مع التركيز على تمثيل المرأة والشباب، بصورة فعلية لا صورية، يشاركون في تحديد أهداف واضحة وقابلة للقياس والتنفيذ، ويسهمون في تنزيلها على أرض الواقع ويشاركون في مراقبة تنفيذها. – ولئلا تُتهم المائدة المستديرة بأنها تم التحضير لها من قبل قوى مهيمنة أو نخبة صفوية أو كيانات بعينها، لذلك علينا وضع آليات واضحة لاتخاذ القرارات، تضمن تمثيلًا عادلًا لجميع الأطراف، وتجنب الترهل والإغراق الذي دوما ما تشهده مثل هذه الدعوات فتغوص في تفاصيل يسهل نسفها وإفشالها من الداخل.