في رحيل عميد الأسرة الشيخ الطيب حسن
بقلم : الصادق علي حسن
تلقينا أمس خبر وفاة عميد الأسرة الشيخ الطيب حسن بعد عمر مديد، وكان الفقيد الراحل خادما للحركة الوطنية منذ ميلاده، وقد شهد منزل شقيقه الأكبر مصطفى حسن نائب دائرة مقدومية نيالا في برلمان ١٩٥٣م ، ثم نائب دائرة نيالا الشمالية الشرقية لحزب الأمة تأسيس وإنطلاقة أنشطة الحزب وشؤون الأنصار بمدينة نيالا ،كان الطيب حسن من أبناء الأنصار الصغار الذين يقومون بخدمة رواد الحركة الوطنية الذين يزورون مدينة نيالا، ويقيمون في ضيافة الأسرة بمنزل شقيقه مصطفي حسن والذي كان وكيلا للإمام عبد الرحمن وإماما لمسجد الأنصار .نيالا مدينة أمتدت من حى الوادي ،في شمال المدينة تقبع منازل آل المقدوم رجال كما وكان لكل نظار القبائل بجنوب دارفور منازلهم الخاصة بحي الوادي ويقيمون بها عند زياراتهم للمدينة لمتابعة شؤون قبائلهم الإدارية، ولدى غالبيتهم زوجات وأسر بها . مدينة نيالا بدأت تتوسع في الستينات والسبعينات من حي الوادي الذي يبدأ غربه بالسوق الذي يتاخمه في جنوبه قبالة الوادي منزل الحاكم وقائد الجيش ، وهنالك المصالح الحكومية مثل مصلحة الأشغال والنقل والبريد والبرق ،وجنوب غرب الوادي محمية غابة النيم وفي شرقه مباني البطري ،وفي شمال السوق نادي جنوب دارفور منارة الاشاع الثقافي بمدينة نيالا ،وكانت مدينة نيالا محاطة بالبساتين والمزارع. وأول من أدخل البستنة وزراعة الخضر بمدينة نيالا وجنوب دارفور كامل دلالة والد السفيرة سلوى وهو أيضا رائد صناعة السينما بالمدينة، ومن التجار الأغريق مماكوس وكيكاتي. لقد كانت أسرة المقدوم رجال بمدينة نيالا تمثل رأس السلطة الأهلية بالمدينة وكانت محكمة المقدومية ومكتب المقدوم بحي الوادي أبرز معالم المدينة إضافة لبرج بارز طوله حوالي عشرة أمتار أو أكثر بجنوب مدخل نيالا بالقرب من غابة النيم يطلق عليه أهالي نيالا برج سويرس وهو معلم أثري شيده الإنجليز لتحديد خط عرض ١٢ درجة والذي ينتصف المدينة شمالا وجنوبا ،(لم اتحقق من تسمية البرج هل لإسم مفتش من مفتشي مركز نيالا الانجليز أم إسم المهندس الإنجليزي الذي قام بتشييده) ،البرج المذكور تم تشيده بالطوب الأحمر والجبص والأسمنت وقد ظل البرج من علامات المدينة البارزة ، والمؤسف حقا تم هدم البرج وإزالته بواسطة محافظ نيالا الذي تم تعيينه في سنوات الإنقاذ الأولى الحاج عطا المنان ،والذي قام بنقل حديقة الحيوان من مكانه المرتبط بالمدينة جوار السوق إلى غابة النيم المتاخم لوادي نيالا وقد قام بهدم المعلم التاريخي الأبرز بالمدينة وهو يجهل قيمته التاريخية والجغرافية، وفاض وأدي نيالا كعهده وأغرق غابة النيم ونفقت حيوانات الحديقة بفعل تصرف ذلك المحافظ .
لقد أرسل لي العديد من الأحباب والمعارف مقالا كتبه الحبيب حسن مطر وهو ينعى الشيخ الطيب حسن ومن خلال مقاله فهو على معرفة لصيقة بفقيدنا الراحل وأسرته، وشهادته عنه أعادت بي الذاكرة إلى بحوثي حول وقائع استقلال السودان وعلى الوثائق التي وجدتها بمنزل الشيخ مصطفى حسن . الشيخ مصطفى حسن جده لأمه هو (الفقيه) الفكي محمود مؤسس أول خلوة دينية بمدينة نيالا والتي صارت بعد ذلك مسجد نيالا العتيق وإمامه ، قام مفتش مركز نيالا بإبعاد الفكي محمود إلى أمدرمان في أربعينات القرن الماضي بأمر إداري، وإتهامه بمخالفة الأوامر المحلية وقيامه بتشجيع الأنصار للذهاب إلى الجزيرة أبا للحاق بالإمام عبد الرحمن ، وكان الإنجليز يمنعون الأنصار من مغادرة مناطقهم للحاق بالإمام عبد الرحمن بالجزيرة أبا أو أمدرمان وظل بعد نفيه بأمدرمان مجاورا للإمام عبد الرحمن حتى وفاته ومواراة جثمانه بمقابر أحمد شرفي. لقد أسس أحفاد الفكي محمود الذي كان يطلق عليه الأنصار وطلاب العلم (سيدنا) من بعده مسجد الأنصار بنيالا ثم مسجد الأنصار بمدينة الفاشر وقد صارت خلوة ومسجد ابنه الفكي شريف بالفاشر قبلة للأنصار بشمال دارفور تلقى فيهما أبناء الأنصار العلوم الدينية وضروب العلوم الأخرى وحفظ القرآن والراتب ،لقد قام أبناء الأنصار الذين نالوا العلوم والمعارف بإعادة بناء مسجد وخلوة الفكي شريف قبل سنوات قلائل على طراز حديث ، وزوده بالسجاجيد والمفارش والمصاحف ووضعوا لافتة بارزة عليه (خلوة ومسجد الفكي شريف للعلوم الدينية) ، كما قاموا بتسوير بقية الأرض وأسسوا عليه داري حزب الأمة وهيئة شؤون الأنصار بمدينة الفاشر .في الجزيرة أبا لازم ابن الفكي محمود الفكي رشيد الإمام عبد الرحمن المهدي وكان من ائمة مسجد الكون بالجزيرة أبا ، وكان صهره يعقوب وأبناءه من أئمة الأنصار بجزيرة الفيل بود مدني، كما كان ابن عم الفكي محمود الفقيه عبد الحميد وابنه عمر عبد الحميد إمام مسجد الهدى من خلصاء الإمام عبد الرحمن ، ابتعث الإمام عبد الرحمن عمر عبد الحميد في أهم المهام وذلك بعد أن خاطب الأنصار وحزب الأمة لإختيار من يرونه مؤهلا للترشح في انتخابات برلمان ١٩٥٣م وتم ترشيح سكرتير الحزب بأم كدادة آدم بشر إبراهيم ثم لاحقا توصل الحزب لضرورة ترشيح قياداته الهامة مثل الاميرلاي عبد خليل في معاقل الأنصار وحزب الأمة وتمسك سكرتير الحزب بأم كدادة آدم بشر إبراهيم باختياره مرشحا للحزب بالدائرة ،وسافر عمر عبد الحميد بخطاب من الإمام عبد الرحمن إلى أم كدادة وتنازل آدم بشر إبراهيم لصالح عبد الله خليل، وشهدت الدائرة محاولات وشكاوى لا أساس لها من الحزب الوطني الإتحادي بغية تعطيل الفوز الكاسح المتوقع لسكرتير عام الحزب عبد خليل بالدائرة . (إفادات موثقة من ملازمي الإمام ومنهم الطيب شرف الدين وآخرين بمنزل الأسطى بدر أسحق بأدرمان حي بانت غرب ).
من الوقائع الهامة بنيالا قبيل استقلال السودان بعد امتناع بريطانيا عن ترشيح حاكم عام جديد للسودان خلفا للحاكم العام المستقيل في ١٩٥٥م قبيل إعلان استقلال السودان السير الكسندر نوكس هيلم والذي أستقال لأسباب صحية وذلك لافساح المجال للسودانيين للتقرير بشأن مصير بلادهم . دعا مفتش مركز نيالا نواب البرلمان بجنوب دارفور وذلك لتبني مقترح تأجيل إعلان استقلال السودان من داخل البرلمان وإلى حين وصول أبناء دارفور لدرجة مثل رصفائهم من الشمال للمشاركة المتكافئة في إدارة الدولة ، ولكن لم تجد محاولات مفتش مركز نيالا بدوماية (مزارع بغربي مدينة نيالا) النتائج التي كان يرجوها. لقد قمت بتوثيق وقائع زيارات الصحفي المثير للجدل مكي الناس (صاحب صحيفة الناس) لنيالا والذي كان يزور مدينة نيالا من وقت لآخر ويقيم بمنزل الشيخ مصطفي حسن ويكون شقيقه الأصغر الطيب حسن في خدمته في حله وترحله وكان مكي يكتب ويوثق لتاريخ المدينة، ونشأتها، والحياة السياسية فيها . لقد كان معظم سكان مدينة نيالا أنصار وتجانية وحزب أمة ،ووصل الإمام الصديق إلى مدينة نيالا قبيل إعلان الإنتخابات العامة وتناول الأفطار بمنزل المقدوم آدم رجال في ظل حفاوة بالغة من الأنصار ، ثم توجه إلى مسجد الشيخ عطا المنان بحي الوادي غرب في ركب كبير من أعيان نيالا، وقام بأداء صلاة الظهر بمسجد الشيخ عطا المنان وتم اختيار إبراهيم حسن (شقيق مصطفى حسن) وعلي الحاج محمد (الأمين العام الحالي للمؤتمر الشعبي) وكانا وقتها طلابا لتلاوة القرآن ، وبعد ذلك توجهت الجموع المتقاطرة إلى وأدي نيالا وقام الإمام الصديق بإمامة غالبية سكان مدينة نيالا في صلاة العصر بوادي نيالا وقد توافد الأنصار من كل المناطق والقرى المجاورة للمدينة لاستقبال الإمام الصديق ، وفي تاريخ لاحق تم تسمية الشيخ مصطفي حسن مرشحا لحزب الأمة لدائرة مقدومية نيالا، وفاز فيها بأغلبية كبيرة على مرشح الحزب الوطني الإتحادي ومن بعد ذلك مرشحا ونائبا لدائرة نيالا الشمالية الشرقية للبرلمان .
لم يكن بمدينة نيالا قبيل الإنتخابات الديمقراطية الأولى بمدينة نيالا سوى الأنصار والتجانية ، ولكن الحزب الوطني الإتحادى تمكن قبيل الإنتخابات الأولى من تسمية مرشح له من أقارب الفكي محمود في دائرة مقدومية نيالا ومرشحين آخرين بدوائر أخرى ، وصار للحزب الوطني الإتحادي وجود بمدينة نيالا، إضافة للتجار الجلابة الذين كانوا يعملون بسوق نيالا وفيهم الختمية .
رحم الله تعالى الشيخ الطيب حسن وأثاب كل من كتب عنه معزيا وعلى رأسهم الحبيب حسن مطر ،ونسأل الله تعالى أن يتقبله في عليين وهو ولي ذلك والقادر عليه وإنا لله وإنا إليه راجعون.