د طارق عبد العزيز مصطفى.أكاديمي سوداني .فرجينيا
تشهد الساحة السودانية في خضم حربها الطويلة تشابكًا متزايدًا في الأدوار الإقليمية، وتبرز قطر كأحد أبرز اللاعبين غير المباشرين عبر دعمها المستمر لشبكات الإسلام السياسي، في السودان وخارجه.
ورغم أن الدوحة تُقدّم نفسها رسميًا كوسيط للسلام والاستقرار، إلا أن الوقائع السياسية والقرائن الإعلامية تشير إلى نفوذ غير رسمي يتحرك عبر التنظيمات الأيديولوجية أكثر من تحركه عبر مؤسسات الدولة.
تمويل موازٍ… لا يمر عبر الدولة
تتداول مصادر سياسية سودانية وإقليمية تقديرات تتحدث عن دعم قطري منتظم للسودان يُقدّر بنحو 75 مليون دولار شهريًا، لا يدخل عبر القنوات الرسمية، بل يُوجَّه إلى شبكات مرتبطة بالحركة الإسلامية التي تتحكم في كثير من مفاصل السلطة.
ورغم عدم وجود إعلان رسمي بهذه الأرقام، فإن تطابق الرواية بين أكثر من مصدر سياسي يجعل الملف قابلًا للتدقيق، خاصة مع تصاعد الحديث عن تداخل القرار السياسي والعسكري مع تأثير الإسلاميين داخل مؤسسات الحكم.
نفوذ أيديولوجي بلا قاعدة شعبية
يؤكد محللون أن المجتمع القطري نفسه ليس مؤدلجًا، وأن تنظيم الإخوان لا يمتلك قاعدة اجتماعية مؤثرة داخل الدولة، لكن النفوذ الأيديولوجي يظهر خارجها، إذ تعتمد الدوحة على شبكات الإسلام السياسي كأداة نفوذ خارجية.
فالعلاقة هنا ليست عقائدية بقدر ما هي استثمار إستراتيجي طويل الأمد في تنظيمات تتيح للدوحة الوصول إلى ساحات نفوذ من الخرطوم إلى طرابلس، ومن كابول إلى أنقرة.
إعلام ونفوذ ناعم
من خلال شبكتها الإعلامية، وعلى رأسها قناة الجزيرة، واستثماراتها في منصات دولية ومؤسسات علاقات عامة، نجحت قطر في تشكيل صورتها العالمية والتحكم في السرد الإعلامي حول دورها السياسي.
تقارير دولية عدة، من بينها دراسات صدرت بعد كأس العالم 2022، أشارت إلى أن الدوحة تستخدم قوتها الإعلامية لتخفيف الانتقادات الموجهة لسياستها الخارجية، ضمن ما يُعرف بـ”القوة الناعمة الموجَّهة”.
بل قامت بالفعل في شراء موسع للعديد من الاصوات الناقدة في العديد من البلدان المؤثرة ووصل بها الأمر الى الدخول في شراكات مع مؤسسات كبرى
اللعب على الحبال المتعددة
ولا يقف الدور القطري عند حدود الإعلام أو التمويل، بل يمتد إلى سياسة دقيقة تقوم على إدارة العلاقات مع حركات الإسلام السياسي على اختلافها.
من طالبان في أفغانستان، إلى شخصيات مثل أبو محمد الجولاني في سوريا، مرورًا بوساطات غير معلنة مع شخصيات مطلوبة دوليًا، استطاعت قطر أن تؤسس لنفسها مكانة فريدة في التوازن بين الغرب وهذه الجماعات.
هذا “التدجين السياسي” جعل الدوحة محطة عبور حتمية للعديد من الملفات الأمنية الحساسة، إذ تجمع بين استضافة شخصيات مثيرة للجدل وبين علاقات قوية مع الدول الغربية.
ويرى مراقبون أن هذا الأسلوب منحها ذكاءً دبلوماسيًا استثنائيًا، لكنه في الوقت نفسه خلق شبكة علاقات معقدة تمتد إلى أطراف مرتبطة بدواعش الأمس وإسلاميي اليوم، ما أثار مخاوف عدة دول من أن يتحول النفوذ القطري إلى تهديد مباشر لأمنها القومي.
أهداف الدوحة من التحالف مع الإخوان
بحسب تحليلات لمراكز أبحاث دولية، من بينها معهد واشنطن ومؤسسة بروكنغز، فإن قطر تنظر إلى الإخوان كـ”استثمار سياسي طويل الأجل” يمكن من خلاله تحقيق خمسة أهداف رئيسية:
- توسيع شبكة النفوذ الإقليمي
إذ تمنحها العلاقة مع الإسلاميين حضورًا داخل أنظمة سياسية متغيرة، مثل السودان، وليبيا، وتونس. - استخدام الإخوان كأداة ضغط ووساطة
لتكون الدوحة قادرة على التوسط بين الأطراف المتنازعة، وتثبيت صورتها كفاعل محايد رغم تحيزاتها المضمرة. - تعزيز المكانة الدولية
من خلال لعب دور “صوت الشعوب” أو “مظلة المعارضة” في مواجهة الأنظمة التقليدية. - تنويع أدوات التأثير
عبر الإعلام، التعليم، والمؤتمرات، ومنظمات المجتمع المدني ذات الطابع الإسلامي. - المرونة الإستراتيجية
إذ تتيح لها هذه العلاقة التحرك بين الضدين: التحالف مع الغرب في ملفات أمنية، ودعم الإسلاميين سياسيًا في الوقت نفسه.
السودان… ساحة اختبار جديدة
في الحالة السودانية، يُنظر إلى الدور القطري–الإخواني كجزء من إعادة تدوير النفوذ الإقليمي داخل بلد منهك بالحرب.
فأي تمويل أو دعم لا يمر عبر مؤسسات الدولة يعني عمليًا قيام سلطة موازية تُديرها التنظيمات تحت رعاية خارجية، مما يهدد سيادة السودان ويزيد من هشاشة اقتصاده ووحدته.
خلاصة
العلاقة بين قطر وتنظيم الإخوان المسلمين ليست عابرة، بل تحالف نفوذ متبادل:
الإخوان يمنحون قطر أذرعًا شعبية في المنطقة،
وقطر تمنحهم المال والحماية والنافذة الإعلامية.
لكن الخطر في السودان أن هذه العلاقة تُعيد إنتاج شبكات النفوذ نفسها التي فجّرت أزمات المنطقة، وتحرم الشعب من مؤسسات دولة حقيقية مستقلة عن التنظيمات والأجندات العابرة للحدود.
مصادر مفتوحة للاطلاع والتحقق
Policy Exchange: Qatar and Political Islam
Washington Institute: Will Qatar’s Relationship with the Muslim Brotherhood Change after Gulf Reconciliation?
Brookings Doha Center: Qatar’s Foreign Policy and the Muslim Brotherhood
ISPI Analysis: Qatar – A Small Power with Big Ambitions
BBC & Washington Post coverage (2017–2022) on Gulf crisis and post–World Cup influence

