الأربعاء, ديسمبر 24, 2025
الرئيسيةمقالاتكامل إدريس إلى نيويورك: مرسال السلطة المعزولة

كامل إدريس إلى نيويورك: مرسال السلطة المعزولة

بقلم: د. حافظ إبراهيم عبدالنبي

تأتي زيارة كامل إدريس إلى نيويورك في لحظة سياسية وإنسانية بالغة الحساسية، لكنها – من حيث التوقيت والمضمون – لا تتجاوز كونها تحركًا رمزيًا خاليًا من الأثر. فالعالم الذي يتابع المأساة السودانية يوميًا لم يعد معنياً بالخطابات أو الجولات البروتوكولية، بقدر اهتمامه بما يجري على الأرض من قتلٍ ونزوحٍ وانهيار شامل للدولة.

من حيث التوقيت، تبدو الزيارة خارج السياق تمامًا. فالحرب لا تزال مستعرة، والأزمة الإنسانية تتفاقم، والثقة الدولية في سلطة بورتسودان تكاد تكون معدومة. يضاف إلى ذلك أن التوقيت الغربي نفسه غير مواتٍ؛ إذ تأتي الزيارة في ذروة عطلة أعياد الميلاد ورأس السنة، حيث تنخفض وتيرة العمل السياسي والدبلوماسي في العواصم الغربية، ويغيب صانعو القرار الأساسيون عن دوائر التأثير الفعلي. في مثل هذا المناخ، لا تُقاس التحركات الدبلوماسية بعدد اللقاءات أو الصور داخل أروقة الأمم المتحدة، بل بقدرتها على إحداث تغيير حقيقي في مسار الصراع، وهو ما غاب كليًا عن هذه الزيارة.

أما من حيث المضمون، فقد أعادت الزيارة إنتاج الخطاب نفسه الذي ملّ المجتمع الدولي من سماعه: لغة تبريرية، تحميل للآخرين مسؤولية الانهيار، وتجاهل متعمد لجذور الأزمة المرتبطة ببنية السلطة القائمة في بورتسودان. لم تحمل الرسائل أي التزام واضح بوقف الحرب، ولا رؤية سياسية شاملة، ولا استعدادًا جديًا للانخراط في مسار سلام حقيقي يعالج أصل المشكلة لا أعراضها.

الأخطر من ذلك أن الزيارة كشفت مجددًا عن طبيعة الدور الذي يؤديه كامل إدريس. فهو لم يظهر كفاعل سياسي مستقل، ولا كصاحب رؤية إصلاحية، بل كـ مرسال للسلطة المعزولة في بورتسودان، ينقل خطابها كما هو، ويكرر سرديتها دون مراجعة أو مساءلة. هذا الدور الوظيفي أفقد الزيارة أي وزن سياسي، وحوّلها إلى مجرد محاولة لتلميع صورة سلطة فقدت قدرتها على الإقناع داخليًا وخارجيًا.

وفي هذا السياق، يصبح من الضروري وضع الأمور في نصابها الحقيقي؛ إذ إن أي حديث عن القرار السياسي أو وقف الحرب يظل ناقصًا ومضللًا ما لم يُسمَّ الفاعل الفعلي. فالمعطيات على الأرض، كما بات واضحًا للمجتمع الدولي، تؤكد أن مفتاح القرار السياسي وقرار استمرار الحرب أو وقفها لا يوجد في نيويورك ولا في بورتسودان، بل في يد الحركة الإسلامية التي أعادت التموضع داخل مؤسسات الدولة والجيش. هذه الحركة، التي فقدت شرعيتها الشعبية منذ سنوات، لا تزال ترى في الحرب وسيلة للبقاء وإعادة إنتاج نفوذها، وهو ما يفسر تعطيل أي مبادرة سلام جادة، وإفراغ التحركات الدبلوماسية من مضمونها. وفي ظل هذه المعادلة، يتحول دور المبعوثين والمرسالين إلى مجرد غطاء سياسي لقرار لا يملكونه، وخطاب لا يغيّر شيئًا من واقع الحرب.

لقد تجاوز المجتمع الدولي هذه المرحلة. لم يعد العالم ينخدع بالدبلوماسية الشكلية، ولا بالخطابات التي تُدار من غرف مغلقة بينما تُقصف المدن ويُهجّر المدنيون. ما يُنتظر اليوم هو أفعال واضحة: وقف فوري لإطلاق النار، حماية المدنيين، فتح الممرات الإنسانية، والانخراط الجاد في عملية سياسية تُنهي احتكار السلطة وتعيد الاعتبار لإرادة السودانيين.

إن زيارة كامل إدريس إلى نيويورك، بهذا الشكل، ليست سوى تأكيد إضافي على مأزق سلطة بورتسودان، وعجزها عن قراءة التحولات الدولية أو الاستجابة لمتطلبات اللحظة التاريخية. فالأزمات الكبرى لا تُدار بالمرسالين، ولا تُحل بالخطابات المستهلكة، بل بقرارات شجاعة تفكك بنية السلطة التي قادت السودان إلى هذا الانهيار، وتفتح الطريق أمام مسار سياسي جديد يعبّر عن تطلعات الشعب لا عن مصالح العصابة الحاكمة.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات