الأحد, ديسمبر 7, 2025
الرئيسيةاخبار سياسيةكيف أصبح الجيش بوابة الالتفاف على العدالة وإعادة إنتاج النفوذ؟

كيف أصبح الجيش بوابة الالتفاف على العدالة وإعادة إنتاج النفوذ؟

د التوم حاج الصافي زين العابدين .خببر علاقات دولية .
لا تمرّ محاولات الحركة الإسلامية للالتفاف على المساءلة في السودان عبر السياسة وحدها، بل تبدأ – وبصورة أكثر خطورة – من داخل الجيش والأجهزة الأمنية التي خضعت، عبر عقود طويلة، لعملية اختراق منهجية حولتها من مؤسسات وطنية إلى أدوات حماية للتنظيم ومشروعه الأيديولوجي.

فخلال سنوات “التمكين”، لم تكتفِ الحركة الإسلامية بالسيطرة على الحكم المدني، بل أولت اهتماماً خاصاً بإعادة هندسة القوات المسلحة والأجهزة الاستخباراتية على أسس الولاء التنظيمي. التعيينات، الترقيات، الإحالات للصالح العام، وحتى العقيدة القتالية، خضعت لمنطق واحد: ضمان أن يبقى السلاح والقرار الأمني في يد من يدينون بالولاء للتنظيم، لا للدولة.

بهذا الشكل، تحوّل الجيش من مؤسسة يفترض أن تحمي الدستور والمواطنين، إلى الضامن الأول لبقاء الكيزان خارج دائرة المحاسبة. فكلما اقتربت لحظة مساءلة سياسية أو قانونية، كانت المؤسسة العسكرية والأمنية – المخترَقة – هي الملاذ الآمن الذي تلجأ إليه هذه الشبكات، إما عبر تعطيل العدالة، أو خلق وقائع أمنية جديدة تُستخدم ذريعة لتأجيلها.

من الدولة إلى التنظيم: انقلاب في وظيفة المؤسسة العسكرية

الخطورة الحقيقية لا تكمن فقط في وجود أفراد محسوبين على الكيزان داخل الجيش، بل في تحويل منطق المؤسسة نفسها. فقد جرى، على مدى سنوات، نقل مركز القرار من الاحترافية العسكرية إلى الحسابات الأيديولوجية، ومن حماية الدولة إلى حماية التنظيم.

هذا الخلل البنيوي يفسر كيف ظلّت الحركة الإسلامية فاعلة في المشهد رغم سقوط واجهتها السياسية، وكيف استمر نفوذها داخل مراكز حساسة بعيدة عن الأضواء، تتحكم في مسارات الأمن والحرب والسلام. فالتنظيم لم يغادر الدولة، بل أعاد التموضع داخل أكثر أجهزتها حساسية.

الحرب كفرصة لإعادة التموقع

في هذا السياق، لا يمكن فصل الحرب الجارية عن هذا الإرث. فقد وفّرت الحرب بيئة مثالية للكيزان لإعادة تقديم أنفسهم كـ«حماة للدولة»، مستفيدين من تغلغلهم في الجيش والأمن، ومن خطاب تعبوي يخلط بين الوطنية والطاعة التنظيمية.

تحت غطاء “الظروف الاستثنائية”، يتم تعطيل النقاش حول الإصلاح العسكري، وتأجيل العدالة، وتبرير غياب الشفافية. وهنا يصبح الجيش – لا بوصفه مؤسسة وطنية – بل بوصفه بنية مخترَقة، أداة لإطالة أمد الأزمة، لا لحلها. فالاستقرار الحقيقي يهدد بفضح شبكات نفوذ الحركة الإسلامية، بينما الفوضى تضمن استمرارها.

الجيش كأول باب للهروب من العدالة

لهذا، فإن أول باب يمرّ عبره الكيزان للإفلات من العقاب هو باب المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية. فطالما ظلت هذه المؤسسات خارج أي عملية إصلاح جاد، ستبقى الحركة الإسلامية قادرة على:

تعطيل مسارات العدالة الانتقالية.

حماية رموزها من الملاحقة القانونية.

إعادة إنتاج خطابها السياسي تحت مظلة “الأمن القومي”.

فرض نفسها كطرف لا يمكن تجاوزه في أي تسوية.

ومن هنا، فإن أي حديث عن تفكيك نفوذ الحركة الإسلامية، أو بناء دولة جديدة، دون معالجة هذا الملف، يبقى حديثاً ناقصاً، بل ومضللاً.

الإصلاح العسكري شرط الدولة… لا خياراً سياسياً

تحرير الدولة من نفوذ الحركة الإسلامية يبدأ بتحرير مؤسسات القوة من الأيديولوجيا. فالإصلاح العسكري ليس مسألة تقنية أو إدارية، بل معركة سياسية–وطنية تتعلق بسؤال: لمن يحمل الجيش ولاءه؟

للدستور أم للتنظيم؟

للدولة أم للمشروع الأيديولوجي؟

للمواطن أم لشبكات الحركة الإسلامية؟

من دون إجابة عملية على هذه الأسئلة، ستظل كل التحركات الدولية أو الإقليمية محدودة الأثر، لأن الكيزان سيحتفظون بأخطر أوراقهم: التحكم في الدولة من داخلها.

خاتمة

إن أخطر ما فعلته الحركة الإسلامية في السودان لم يكن فقط الفشل في الحكم، بل تفكيك الدولة من الداخل، وعلى رأسها الجيش والأجهزة الأمنية. ولهذا، فإن معركة السودانيين اليوم ليست ضد جماعة سياسية فحسب، بل ضد نموذج حكم اختطف الدولة، وحوّل مؤسساتها إلى خطوط دفاع عن تنظيم، لا عن وطن.

وما لم يُفتح هذا الملف بوضوح وشجاعة، ستظل العدالة مؤجلة، والسلام هشّاً، والدولة رهينة لمن أتقنوا الاختباء خلف البزة العسكرية لعقود.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات