الجمعة, ديسمبر 19, 2025
الرئيسيةمقالاتكيف تؤثر التحالفات الإقليمية والدولية على مستقبل السودان السياسي والاقتصادي؟

كيف تؤثر التحالفات الإقليمية والدولية على مستقبل السودان السياسي والاقتصادي؟

بقلم: د. حافظ إبراهيم عبدالنبي

يمرّ السودان بواحدة من أخطر المراحل في تاريخه الحديث، حيث تداخلت الحرب الداخلية مع تعقيدات إقليمية ودولية جعلت من الأزمة السودانية ساحة مفتوحة لتقاطع المصالح والنفوذ. وفي هذا السياق، تبرز التحالفات الإقليمية والدولية بوصفها عاملًا حاسمًا في رسم ملامح مستقبل السودان السياسي والاقتصادي، سلبًا أو إيجابًا، تبعًا لكيفية إدارتها وطبيعة القوى المتحكمة فيها.

أولًا: التحالفات وإعادة تشكيل المشهد السياسي

لم تعد التحالفات الخارجية في الحالة السودانية مجرد علاقات دبلوماسية تقليدية، بل تحوّلت إلى أدوات مباشرة للتأثير في موازين القوى الداخلية. فقد أسهم الدعم الإقليمي والدولي غير المتوازن لبعض الأطراف في تعميق الانقسام السياسي، وإضعاف فرص التوافق الوطني، بل وإطالة أمد الصراع المسلح.

كما أدّى ارتهان حكومة الأمر الواقع للدعم الخارجي إلى تقليص استقلال القرار الوطني، ورفض كل الحلول الي تقود الي سلام عادل ومستدام ، وتحويل السودان تدريجيًا إلى ساحة صراع تتداخل فيها حسابات الأمن الإقليمي، ومصالح البحر الأحمر، وتوازنات القرن الإفريقي، دون اعتبار كافٍ لأولويات الشعب السوداني.

ثانيًا: التحالفات ومسارات السلام المتعثرة

نظريًا، يمكن للتحالفات الدولية أن تلعب دورًا إيجابيًا في إنهاء النزاعات عبر الضغط السياسي والدبلوماسي، أو من خلال الحوافز الاقتصادية والعقوبات. غير أن الواقع السوداني كشف عن عكس ذلك؛ إذ أدى تباين المواقف الإقليمية والدولية، وتعدد المبادرات غير المنسقة، إلى إضعاف فرص التوصل إلى تسوية شاملة.

فقد تحوّلت بعض المنصات التفاوضية إلى مسارات متنافسة بدلًا من أن تكون متكاملة، بينما وفّرت تحالفات إقليمية غير معلنة مظلات سياسية أو لوجستية أطالت أمد الحرب، وأفقدت العملية السياسية مصداقيتها.

ثالثًا: التأثير الاقتصادي للتحالفات الدولية

اقتصاديًا، لا يمكن فصل مستقبل السودان عن شبكة علاقاته الخارجية. فإعادة الإعمار، وإنعاش الاقتصاد، ومعالجة الديون، جميعها رهينة بمواقف القوى الدولية والمؤسسات المالية الكبرى. وتظل فرص الاستثمار مرهونة بوجود سلطة مستقرة، وتحالفات داعمة للاستقرار لا للصراع.

إن التحالفات السلبية تقود إلى عزلة اقتصادية، وحرمان السودان من التمويل والتجارة الدولية، بينما تفتح التحالفات الإيجابية الباب أمام إعفاء الديون، وتسهيل الاستثمارات، ودمج الاقتصاد السوداني في النظام العالمي. غير أن هذه الفرص تظل مشروطة بإصلاح سياسي حقيقي، لا بمجرد تغييرات شكلية.

رابعًا: الموقع الجيوسياسي ومخاطر الدولة الوظيفية

يمتلك السودان موقعًا استراتيجيًا بالغ الحساسية، يجعله محور اهتمام قوى إقليمية ودولية متعددة. لكن هذا الموقع، في غياب رؤية وطنية واضحة، قد يتحول من فرصة إلى عبء، ومن مصدر قوة إلى مدخل للابتزاز السياسي.

ويكمن الخطر الأكبر في تحوّل السودان إلى “دولة وظيفية”، يُختزل دورها في خدمة أجندات أمنية أو اقتصادية للآخرين، دون أن ينعكس ذلك على التنمية أو الاستقرار الداخلي.

خاتمة: التحالفات بين الضرورة والخطر

التحالفات الإقليمية والدولية ليست في ذاتها شرًّا أو خيرًا، بل أدوات تتحدد نتائجها بمدى امتلاك السودان لمشروع وطني جامع، وسلطة مدنية شرعية، ورؤية واضحة لإدارة علاقاته الخارجية على أساس المصالح المتبادلة لا التبعية.

إن مستقبل السودان لن يُبنى بالارتهان للمحاور، بل بقدرة السودانيين على توظيف التحالفات لخدمة السلام، وبناء الدولة، وتحقيق التنمية المستدامة. أما الاستمرار في غياب الرؤية، فسيبقي السودان أسيرًا لأزمات تُصنع خارجه بقدر ما تُدار داخله.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات