لاجئات سودانيات.. المواجهة بين آمال العودة والخوف من المجهول
القاهرة: موني محمد
بعد أكثر من عامين على اندلاع الحرب في السودان، تجد آلاف النساء السودانيات أنفسهن في مفترق طرق صعب، يوازنّ فيه بين آمال العودة إلى الوطن والخوف من واقع ما زال يحمل في طياته الكثير من التحديات. دفعت ظروف النزاع العديد من النساء إلى مغادرة البلاد نحو دول الجوار، حيث يواجهن واقعًا قاسيًا، أغلبهن دون معيل أو رب أسرة، ليتحملن مسؤوليات جسام تتجاوز قسوة الحرب نفسها.
في بلاد اللجوء، تقع على عاتق هؤلاء النساء مهام ضخمة تتمثل في رعاية الأطفال في مجتمعات وبيئات تختلف جذريًا في العادات والتقاليد، مما يفرض ضغوطًا نفسية هائلة على الأمهات. يضاف إلى ذلك المسؤولية الاقتصادية للأسر، خاصة وأن العديد من الآباء فضلوا البقاء أو العودة إلى السودان أو بلدان أخرى لكسب العيش، تاركين عبء المعيشة على كاهل الأمهات.
العودة إلى “الخراب”: قرار صعب في ظل ظروف قاسية
مع عودة العاصمة وبعض ولايات الوسط إلى سيطرة الجيش، قررت آلاف الأسر السودانية العودة إلى مناطقها التي وصفت بـ”شبه الآمنة”. وتُشكل النساء والأطفال الشريحة الأكبر من هؤلاء العائدين إلى “الديار والمنازل الخراب”. جاء هذا القرار مدفوعًا بالارتفاع الخيالي لأسعار الإيجارات والمدارس والمعيشة بشكل عام في دول اللجوء، مما أرهق الأسر ماديًا ونفسيًا، ولم يجدوا بدًا من خيار العودة، رغم طول وصعوبة الطريق. تمتد رحلة العودة الشاقة من مختلف المدن المصرية إلى أسوان، ثم أبو سمبل، وصولًا إلى منطقة الكتيبة، ومنها يتم التفويج عبر ميناء حلفا النهري أو معبر أرقين، في رحلة قد تستغرق أيامًا عديدة.
“ر.خ”، سيدة في أواخر الستينيات، قررت العودة إلى منزلها في ود مدني بولاية الجزيرة مع بناتها وأطفالهن. عبرت عن قرارها بالقول: “بالرغم من عدم استقرار الأوضاع وانتشار بعض الأوبئة في السودان، إلا أن العودة قرار لا بد منه. من الأفضل أن نرجع بعد أن ارتفعت تكاليف الإيجارات والمدارس، حتى المعيشة أصبحت غالية. ما في زول ماشي بينا، أحسن نرجع بلدنا”. وناشدت شركات النقل بتوفير تذاكر بأسعار معقولة، مشيرة إلى أن سعر التَّذْكِرَة “غالٍ جدًا ولا تستطيع الأسر الكبيرة دفع هذه المبالغ، خاصة وأن السعر موحد للكبار والأطفال، فضلًا عن بقية الشنط، حيث تدفع في الشنطة الواحدة 250 جنيهًا مصريًا إضافة لتذكرة الراكب حتى حلفا 900 جنيه. وحتى تصل مدني يتضاعف المبلغ بصورة أكبر، وهي مبالغ مرهقة وكثيرة جدًا”.
من جانبها، قررت “ا.م” العودة إلى السودان وإلى منزلها في الفتيحاب بمدينة أم درمان بعد أن عاد الأمن إليها. وقالت: “صحيح لا توجد خدمات، والكهرباء والمياه لم تستقر بعد، وكذلك بعض سكان الحي لم يعودوا، إلا أنني فضلت العودة إلى بيتي وإعادة تأسيسه من جديد بعد أن تمت سرقته بالكامل. من غيري سيعيد له مجده القديم رغم الصعوبة؟” وأضافت أن خوفها يقتصر على “المتفلتين والشفشافة، وخطر الأمراض والأوبئة”، لكنها استدركت قائلة: “قد مر الأصعب، وربنا يصلح حال البلاد والعباد”.
في المقابل، أكدت “ه.ح” أنها مجبرة على الذهاب مع أسرتها بعد قرارهم بالعودة إلى السودان. وعبرت عن مخاوفها بالقول: “في هذا التوقيت العودة ليست آمنة وحال البلد لا يبشر بخير على الأقل في القريب العاجل، والدليل على ذلك الانفلات الأمني الواضح وحالات السرقة التي تصاحبها دائمًا عمليات القتل، فضلًا عن انتشار الأمراض وعدم وجود الأدوية بعد انهيار النظام الصحي في العاصمة الخرطوم. وطالما ظلت الحكومة في بورتسودان حتى الآن، فهذا يعني شيئًا واحدًا فقط: أن الخرطوم ليست صالحة وآمنة للاستقرار فيها”. واختتمت حديثها بأن “قرار العودة للسودان الآن هو الذهاب إلى المجهول”.
حركة عودة نشطة وتخفيضات للأسر
كشف محمد الأمين، مدير مكتب شركة نسور الوادي للسفر بالقاهرة، عن عودة 1500 سوداني يوميًا عبر السفريات الباصية. وأوضح أن عدد الباصات السفرية في منطقة “الكتيبة” بالقصر يبلغ 30 باصًا. وأشار إلى أن “نسور الوادي” تُسيّر يوميًا 3 بصات بعدد 150 راكبًا، وأن معظم العائدين يتجهون إلى ولايات الجزيرة (مدني) والخرطوم (شرق النيل)، مع الإشارة إلى أن المحطات الرئيسية هي حلفا وعطبرة وبورتسودان.
وأفاد الأمين بأن سعر التذكرة يبلغ 200 ألف جنيه سوداني، لافتًا إلى زيادة بنسبة 50% بعد إجازة المدارس. وأضاف أن الشركة تتعاون مع مبادرة “العودة الطوعية” بالتعاون مع فاعلي الخير لتخفيض التذاكر لبعض الأسر بنسبة 50%. وبين أن معظم العائدين هذه الأيام من موظفي الدولة. وأكد الأمين أنه بالرغم من عودة عدد كبير من السودانيين إلى الوطن، إلا أن هناك أعدادًا غفيرة ما زالت تدخل مصر يوميًا، تقارب 1000 شخص.