السبت, ديسمبر 13, 2025
الرئيسيةمقالاتمحاصرة إخوان الشيطان: حين أغلقت الأبواب من القاهرة إلى موسكو

محاصرة إخوان الشيطان: حين أغلقت الأبواب من القاهرة إلى موسكو

دكتور الوليد آدم مادبو

من الصعب اليوم قراءة المشهد السوداني بمعزل عن الانهيار المتسارع الذي يحيط بالحركة الإسلاموية السودانية—بأجنحتها العسكرية والسياسية—بعد أن تحوّلت من فاعلٍ يبحث عن النفوذ إلى عبء استراتيجي تتفادى الدول التعامل معه. فالإخوان المسلمون، في سلوكهم السياسي وفي خطابهم، يبدون كما لو أنهم آخر من يدرك أن العالم تغيّر، وأن قواعد اللعبة الدولية لم تعد تقبل الكيانات التي تُراكم الكلفة الأخلاقية والسياسية والاقتصادية على من يقترب منها.

لقد ظنّ الإسلاميون أن مصر، التي قاتلت إلى جانب الجيش لثلاث سنوات، ستبقى حليفًا دائمًا؛ لكن القاهرة كانت أوضح من أن تُخطئ في قراءة التحولات. فبعد أن استنفدت استراتيجيتها القائمة على تدمير البنية التحتية السودانية بما يضمن تبعية اقتصادية طويلة المدى، أدركت أن صعود “ثورة الريف” وانهيار الدولة المركزية المستندة إلى الإخوان بات مسألة وقت لا أكثر، وأن الاستثمار في نظام ينهار من الداخل مخاطرة لا تُجدي.

لكن مصر لم تكن وحدها. فالتسريبات الأخيرة من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وتصريحات مديرها فرناندو أرياس حول امتلاك المنظمة “أدق التفاصيل” حول استخدام الجيش السوداني لأسلحة كيميائية — من الخرطوم إلى سنار وكردفان ودارفور — وضعت سلطة الأمر الواقع ومن خلفها التيار الإسلاموي أمام باب مغلق جديد في المجتمع الدولي.

إنكار الجيش لم يعد يساوي شيئًا أمام معطيات تقنية، ومواقع محددة، ومخاطر إنسانية ممتدة من التلوث إلى موجات النزوح والإجهاضات الجماعية. ومن المتوقع أن تشهد الأيام المقبلة تشديدًا في المواقف الغربية، وصولًا إلى عقوبات أمريكية وأممية مرتبطة بجرائم الحرب.

أما موسكو، التي ظنّ الإسلاميون أنها قد تمنحهم مخرجًا من عزلتهم، فقد أعلنت موقفًا لا يقل صراحة. فوفق مستشار الرئيس الروسي يوري أوشاكوف، إن أي امتيازات اقتصادية أو عسكرية في السودان مشروطة بـتحقيق السلام أولًا. وبلغة دبلوماسية باردة، تقول روسيا إنها لن تراهن على سلطة لا تستطيع ضبط نفسها، ولا تثبيت مؤسساتها، ولا وقف حرب تأكل أصحابها قبل خصومهم.

لكن الأكثر أهمية — وربما الأخطر — هو أنّ الجيش ما زال يمارس عنفه بمنطق انتقامي لا سياسي، وآخره قصف قافلة إنسانية قرب مليط تابعة لبرنامج الغذاء العالمي، في هجوم أدانه منسق الشؤون الإنسانية في السودان، لوكا ريندا، وطالب بتحقيق مستقل. لم يكن القصف ردًّا على اشتباك ولا على خط إمداد عسكري، بل وقع في ذروة حاجة المدنيين للغذاء والدواء. وكأنّ النظام يواصل ترديد رسالته لشعبه: “إن رفضتم العبودية، فالانتقام بانتظاركم”!

إن هذا السلوك ليس انفعالًا عابرًا، بل جزءٌ من بنيةٍ أعمق تشبه — في جوهرها — ما حدث في سوريا حين حوّلت الأوليغارشية العسكرية والأقلية المتطرفة الطموحات إلى ماكينة قمع لا تجد مخرجًا من أزمتها إلا عبر تدمير المجتمع الذي رفض الخضوع لها. إنه المشهد ذاته: سلطة تتآكل داخليًا، وجماعة أيديولوجية تعيش فوق إمكانياتها الروحية والمادية، وشعب يقرر أخيرًا كسر حلقة الخضوع رغم الثمن الباهظ.

في هذا السياق، يخطئ الإخوان حين يظنون أن علاقتهم بالدول تُبنى بالشعارات أو الصفقات الأمنية. الدول تفكر بمنطق المصلحة، وتدرك أن الاقتراب من الإسلاميين اليوم يعني التورط في جرائم حرب، وفساد مالي عابر للحدود، وفوضى أمنية، ومشهد سياسي لا يمكن البناء عليه. وهكذا يصبح الإخوان عبئًا يزداد ثقلًا مع احتمال تصنيفهم جماعة إرهابية من قبل الولايات المتحدة.

المحصلة أن الحواضن الإقليمية التي كانت توفر مظلات سياسية للإخوان تتفكك، والممرات الدولية التي كانت تمنحهم هامش مناورة تضيق، والمستقبل الذي حلموا بإدارته بات خارج أيديهم. واليوم، مع إغلاق الأبواب من القاهرة إلى موسكو إلى المؤسسات الأممية، لم يعد السؤال: من تخلى عنهم؟ بل: من بقي أصلًا مستعدًا لتحمّل خسارتهم؟

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات