لطالما أكدت دولة الإمارات أن الحل السياسي وحده قادر على تحقيق السلام بالسودان، في دبلوماسية وازنة هدفها إسكات أزيز الرصاص.
وبعد أكثر من 18 شهرا من الحصار، سقطت الفاشر الأحد بيد قوات الدعم السريع، وكانت آخر معقل للجيش في إقليم دارفور، ما أتاح لتلك القوات بسط سيطرتها الكاملة على الإقليم الشاسع الذي يشكل نحو ثلث مساحة السودان.
وفي تعقيبه على التطورات، قال الدكتور أنور بن محمد قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، إن «خسارة الجيش السوداني لمدينة الفاشر بعد حصار طويل تمثل محطة تستوجب التعقّل والواقعية، وإدراك أن المسار السياسي هو الخيار الوحيد لإنهاء الحرب الأهلية».
وأضاف قرقاش عبر حسابه بمنصة إكس، أن «بيان الرباعية (تضم دول الإمارات والسعودية ومصر والولايات المتحدة الأمريكية) وخريطة الطريق يشكّلان الإطار المدعوم دولياً لاستعادة الاستقرار، والوضع الإنساني الحرج لا يحتمل المزيد من التصعيد».
ويعتبر خبراء أن الطرح الإيجابي والعملي للمستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات بشأن التطورات الحالية يحمل رؤية واضحة وخريطة طريق تصب في اتجاه المساع الرامية لإنهاء الأزمة ووضع حد للصراع.
دبلوماسية وازنة
في قراءته، يرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي السوداني، كمبال عبدالواحد أن «الطرح الإيجابي والعملي للمستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات يمثل خريطة طريق تصب في اتجاه المساعي الدولية الرامية لإنهاء الأزمة السودانية».
ويقول عبدالواحد، في حديثه لـ«العين الإخبارية»، إن «دولة الإمارات لديها القدرة الكبيرة والنفوذ الدولي والإقليمي للمساهمة بشكل لافت في حل الأزمة السودانية».
وأوضح أن ما تقدم يأتي «من خلال علاقتها مع دول الإقليم الداعمة لطرفي الصراع، وإيجاد صيغة توافقية قادرة على تحييد المواقف، وجعل التحول المدني في البلاد الخيار الأبرز في طاولة المفاوضات والحل».
وفي تقدير عبدالواحد، فإن سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، آخر معقل للجيش، يعد نقطة تحول مفصلية على الصعيدين السياسي والعسكري في شكل الأزمة السودانية، وذلك من خلال بسط السيطرة على إقليم دارفور بصورة كاملة.
الرباعية وخريطة الطريق
وبحسب الخبير، فإن «الرباعية قدمت مقترحا بوقف القتال لمدة 3 أشهر كأرضية تمهد للحل الشامل وإثبات حسن النوايا من طرفي الحرب من خلال منبر واشنطن، الذي حاز على تفاعل كبير خاصة من الشعب السوداني، باعتباره منبرا وازنا».
كما يلفت المحلل السياسي إلى أن «فتح المسارات والممرات الإنسانية لإمدادات الإغاثة يمثل الهاجس الأكبر لدى المجتمع الدولي ككل والرباعية بصورة خاصة من خلال إفراد مساحة كبيرة عبر جولات المباحثات في منبر واشنطن للشق الإنساني الذي يمثل الخطوة الأولى في إنهاء الصراع الدائر».
وفي وقت سابق، أعلن كبيرُ مستشاري الرئيس الأمريكي للشؤون العربية والأفريقية مسعد بولس، أنّ اجتماعاً استضافته واشنطن، وشاركت فيه السعودية والإمارات ومصر، ناقش سبل دفع عجلة الانتقال إلى حكم مدني في السودان، ووقف التدخل الخارجي في الصراع المسلح.
ولم تسفر المفاوضات حتى الآن عن التوصل إلى اتفاق بين طرفي الصراع، رغم المطالبات الأممية والدولية بهدنة إنسانية.
وطرحتِ «الرباعية» الشهرَ الماضي خريطة طريق دعت فيها إلى هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، تليها هدنة دائمة لبدء عملية سياسية وتشكيل حكومة مدنية مستقلة خلال تسعة أشهر.
«رؤية عقلانية»
من جانبه، قال المحلل السياسي السوداني حاتم إلياس، إن ما «أورده قرقاش هو الرؤية العقلانية التي لطالما أردنا أن تتبناها أطراف الحرب سواء الدعم السريع أو الجيش».
ومستدركا في حديثه لـ«العين الإخبارية»: «لكن جماعة الإسلاميبن (الإخوان) المسيطرين على مفاصل الدولة لجأوا إلى صناعة عدو خارجي كدأبهم في الهروب من مواجهة الحقائق».
وفي اعتقاد الكاتب السوداني، فإن «ما طرحته الرباعية يشكل مخرجا نموذجيا لإنهاء الحرب وتحقيق السلام في السودان».

مرحلة جديدة
بدوره، يؤكد الكاتب والخبير في الشأن الأفريقي إسماعيل الشيخ سيديا، أن «خسارة الفاشر من قبل الجيش السوداني هي عنوان لمرحلة جديدة في الصراغ الحالي».
ويوضح لـ«العين الإخبارية»، أن «خسارة الفاشر هو توقيع من قبل فرقاء الحرب بأن الكر والفر في السياسة أفضل بكثير للبلاد والعباد».
ويضيف الخبير الموريتاني: «نحن فعلا أمام محطة استراتيجية وفرصة تاريخية لتغليب العقل السياسي السوداني على الرصاص».
وأمس الإثنين، أقر قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان بانسحاب الجيش من مدينة الفاشر في إقليم دارفور، غداة إعلان قوات الدعم السريع السيطرة عليها.
واندلعت الحرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل/نيسان 2023 عندما اختلف الطرفان اللذان كانا يتقاسمان السلطة سابقا حول خطط دمج قواتهما خلال فترة الانتقال إلى الديمقراطية.
وأدى القتال إلى نزوح الملايين ومعاناة نحو نصف سكان السودان من مستويات مختلفة من الجوع وانتشار الأمراض.

