محمد صالح عبدالله يس يكتب: المهندس محمد موسي ادم وعبير الامكنة 4—5
وعبير الامكنة 4—5
الاخوة السجالا نسال الله ان يجمع شملنا في تلك البقعة الطيبة التي بهرتنا بايامها المترعة بالجمال والالفة والمحبة كنا نحلم بوطن نباهي به اوطان الاخرين ولكن الايام وبؤسها سرقت من مآقينا ذلك الحلم الجميل فتبخرت من صدورنا وهربت امنيات كنا نختزنها لمثل هكذا ايام فرقتنا الحياة وبعثرتنا في امصار الدنيا وتركتنا نعاني من قسوة التذكار ولظي الغربة صار الوطن عندنا عبارة عن هاتف محمول يعيد لنا شيئا من رحمن الذات ولولاه لاحترقت ماتبقي في وجداننا وتبخرت مع صرير الرياح التي تحاصرني الان سيما وان بيتي وسكني يشاطئ بحر الشمال الذي يخاصر بلجيكا وبريطانيا في هزيع الليل لا تسمع الا ازيز القطارات وبعض أصوات الصيادين الذي يعتاشون علي البحار
هنا لا مدلتون يغازل منزل التجاني ابوبكر ولا جبل بوباي ولا غابة فكي يونس ولا فرن ودجلاب ولا مسيد فكي عبدالله ولا كبانية ابوشوك ولا قهقه محمد صالح شيكات ولا احلام الحركة العمالية التي يتزعمها محمد المليجي وغابت وتلاشت عن اعيننا حليمة بت داني ومكنستها التي كانت تكنس الاوساخ والهموم من سوق امكدادة تنظف حتي مربط حمار عمنا مصطفي الكردفاني نسيت حتي نغمات نقش حجر الطاحونة التي كان يتفنن في نقشها احمد ابوه وودحمد داخل سور طاحونة الشريف صديق
غاب الكبار وحداة الركب الذين كنا نستمد منهم عزائمنا وقوتنا رحلوا وتركوا لنا ذكرياتهم منحوتة في برندة علي محمد الطيب التي مازلت اراه وفي اذنه قلم الرصاص ويلزم بكتفه ميزان المحاصيل وسيجل في دفتره اسم المزارع وكميه محصوله
ذهبت الي دكان عبدالله موسي وجدتهمغلف ودكان محمد صالح ربيح مغلق ودكان مستور عطية مغلق ومكنة عمر ابوكدنكة في البرندة وصالون ادم مصطفي مغلق ودكان احمد دور واسماعيل ذكريا وادم علي امبدادي كذلك فتناولت فحمة وجدتها بالقرب من قهوة حسن ادم وكتبت بخط مهترئ حضرنا ولم نجدكم قبل ان نغادر هذه الامواه وطلاسمها فقد كنا نهتم بنزول الامطار ليس لانها بركة ونعمة وقد كانت لكننانهتم بها لان الرعود ستمتلئ لنعود لنمارس هوايتنا المفضلة ونبتهج ايما ابتهاج ونفرح عندما نري السحب الداكنة التي تحول مهارات المدينة الي ظلام مرعب تكسر حدته البرق الخاطف
ومن النوادر التي اذكرها عن الامطار وهطولها هي حكاية الاخ ابراهيم عثمان خريف ( ابسمبلة) والاخ نجيب بدوي عبد الله فقد كانا تفاحة المجالس يرسلون النكتة الذكية واللماحة ومعروف عن الاخ ابراهيم كان ينتج النكتة ويضع لها الحواشي والمتون واحيانا تصل الي مرحلة المبالغة ان لم تكن كذبة بيضاء والاخ نجيب كان يرسل النكتة لكنه لا يضحك فقط يكتفي بالابتسامة ففي تلك الليلة وبينما كنا منهمكين في السمر تراءت لنا سحابة داكنة باتجاه قرية امستوية في الاتجاه الشمالي الشرقي المدينة وعندما لمع البرق نظر صفق ابراهيم عثمان وقال ( والله السنة ناس امستوية يشبعو شبع ) فرد له الاخ نجيب ( والله يشبعوا شبع تُقول دخنوا بقنقو ) انفجر الجميع بالضحك سوي الاخ نجيب صاحب النكتة اكتفي بابتسامة خفيفة وساتطرق باحاديث ممتعة عن هؤلا الاصدقاء الذين جملوا حياتنا بكل ما جميل وكنا نطلق عليهم الخمسة الكبار ابراهيم عثمان ونجيب بدوي وصلاح علي احمد ومعاوية نورالدين وهاشم زين العابدين فقد كانوا جيلا متصالحا مع نفسه اضاف لحياتنا الكثير ولي مع نجيب ونظارته قصة ورواية سارويها في مكان
حملتنا حمير الشيطنة هذه المرة الي رهد معلي بالقرب الذي تنحدر مياهه من جبل بوباي الذي يقع جنوب غرب امكدادة وله شاطئ واسع قبالة منزل اسرة العم احمد عبد المؤمن ورهدمعلي يحتفظ ببكورته ونقائه في الاسبوع الاول من امتلاءه وبعد اسبوع تولغ فيه الحيوانات بابوالها وروثها فتحوله الي بركة اسنة رغم عمقه الا اننا كنا نعافه للروائح الكريهة التي تنبعث منه ورغم ذلك لانكترث ولا نهتم فالمهم ان تعوم فيه مهما لانابه لهذه الكوارث البيئية ورغم تفشي مرض البلهارسيا وتحذيرات المعلمين لنا من مغبة اصابتنا بهذا الداء الوبيل فاذا قدر لك ان تعوم فيه وتمارس لعبة الديك والفروجة ورماك احد الجنادلة علي ظهرك فلن تصاب بالعطش طوال اليوم فالكميات التي دخلت بطنك رغم انفك تصيبك بالغثيان والمغص ولن تجدي محاولاتك المتكررة لاستفراغها واذكر صديقنا شمو عمر سعد كان بيتهم قريبا من هذا العملاق معلي وكان يحضر الي الرهد بسرواله فقط لقرب منزلهم منه وفي ذات مرة كنا نمارس لعبة الديك والفروجة هي من العاب الطفولة حين يلتقي مجموعة تتكون ما بين خمسة او ستة اشخاص يحمللون الضحية ويرفعونه الي اعلي وقبل ان يلقوه في اليم يسئلونة ديك ولا فروجة اي تريد ان نلقيك كما الديك او كما الدجاجة فاذا اختار وضعية الديك يقذف وظهر في سطح الماء اماذا اختار وضع الفروجة فيلقي علي بطنه واختار صاحبنا وضعية الديك فرُمي علي ظهر ه وشرب كمية كبيرة من الماء حتي كاد ان يغرقك فنشلناه بعيدا وحاولنا انقاذه واستخراج الماء من بطنه دون جدوي وقد اقترح علينا الاخ بشير يوسف ان نكثر عليه من الضرب حتي يستفرغ فسمناه ضربا مبرحا حتي استفرغ العشاء والفطور ولكن بعد ان فاق وعاد الي وعيه ذكر لنا ان بشير يوسف هو الذي اغرقه بمكر عندما سقط قام بالضغط علي راسه حتي شرب رغم انفه وقد لاحظنا اثناء ضربنا له ان بشير كان يستخم بسطونة كان يخفيها في احد اطراف الرهد بين حبال التوت مخت وسيقان الخروع الكثيفة والمتشابكة ومعروف ان البسطونة هي من اسلحة الدمار الشامل والمحرمة دوليا وبشير هذا كان قد هدد شمو ووعده بالويل والثبور حتي جاءت الازفة وبالفعل كان هو اكثر الضاربين له وبقوة وكرم اشد وبشير معروف عنه الباس والشدة وعندما بلغ الضرب ذروته واخرج شمو مافي بطنه عاد اليه وعيه فبدأ يصرخ كالمجنون فاصابنا الهلع فاسرع الحافظ احمد دفع الله مسرعا الي والده واخبره بالحادثه فجاء عمنا احمد دفع الله ومعه سماعته ونحن واجمين ففحصه ثم طبب له بعض الكدمات التي اصابته خاصة من بسطونة بشير فنهض شمو متثاقلا يجرجر اقدامه حتي اختفي في انظارنا ولست ادري مالذي حدث للحافظ في المنزل خاصة بعد ان تاكد لعمنا احمد ان حافظ هو الاخر جزء من هذه الكارثة لم نعلم ماحدث له ولم يحدثنا هو بماحدث وحتي كتابة هذه الاسطر ولكن الشئ الوحيد الذي استطيع ان اؤكده ان حافظ في تلك الليلة ان مكروها الم به
عاد شمو الي البيت وفي الصباح الباكر واثناء الطابور وقف الاستاذ المنا شيخ الدين ولديه قائمة باسماء الذين شاركوا في هذه الحادثة الماساوية ومجرد ذكر اسماءنا بهتنا جميعا ومنا اصحاب جرسة اغرورقت اعينهم قبل العقاب ويكفيك هلعا ان تري استاذ المنا بقامته الفارعة متابطا كراع الجراب الذي لايستعمله الا في الجرائم الكبري التي يرتكبها جلاوزة المجرمين من تلاميذ الصف الثالث والرابع وعوقبنا عقابا رادعا ولم ينجو حتي الضحية من كراع الجراب الذي كلما تذكرته تحسسًت ظهري اما صديقنا الحافظ احمد دفع فقد عوقب هو الاخر واغلب الظن ان العقاب بتق له كدمات الامس التي تلقاها هناك اما الاخ شموا الضحية قد قطعنا علاقته به واصبحنا نحذره ولا نتقرب منه ونتحاشي شروره والاحتكاك به فعلاقته باستاذ المنا علاقة جيرة وربما هناك صلة قرابة ودم بينهما
رحم الله استاذ المنا شيخ الدين فقد كان احد المعلمين الافذاذ الذي تعلمنا منه الكثير كان يرسل النكته بين دخان سجارة الروثمان التي يحبها كثيرا واكاد اراه امامي الان وقلم التروبن البني الذي يستخدمه في تصحيح ما دوناه في مدوناتنا الطبيعية التي علمتنا كتابة التقارير والملاحظات والمشاهدات اليومية وتعلمنا تدوين حالة الطقس وميلان الشمس وتعامدها
استاذ المنا ترك ادبا وارثا ضخما من المخطوطات والانتاج الادبي ضاع بسبب الاهمال فهو فيلسوف واديب وشاعر من الطراز الفريد ترك اشعارا وكتابات منثوره بين دفاتره لست ادري اين هي الان رحمة ربي تغشاه في برزخه