محمد صالح عبدالله يس يكتب :عاصم هرون ضوالبيت وعبير المكنة
البلابل ناحن في الليل الهجيع
سهرانات عيونن مابيات الضجيع
من الحالة ديك أخير لي النجيع
واحسرة شبابي الما لقيت لي وجيع
بهذه الجمل كان يطربنا عاصم هرون في ليالي الجمعية الأدبية بمدرسة امكدادة الوسطي فقد جعل عاصم من الحزنِ اناقة ومن الشجنِ وطنًا مؤقتًا كلما ضاقت بنا الدنيا
كانت أغنية الشاغلين فؤادي نرددها ونطالبه ان يكررها مرات ومرات كان الأخ محمد عبدالرسول (كُمبش) رحمه الله هو قائد الإيقاع والاكسترا يعطني الأغنية بعدا فخيما وكان عاصم له محبة ومعزةً للكوبلية الأخير ( وا حسرة شبابي الما لقيت لي وجيع ) كان عاصم يري انقضاء أيامه وفناء زهرة شبابه في وقت مبكر كنا نطالبه بترديد هذا المقطع الذي يثير فينا الشجن وينقلنا الي عوالم خرافية مترعة بالوله والتأسي الشفيف ولم يدور بخلدنا انه كان يغني مناحة لنفسه وينعاها في تلك الأيام الباكرة
لم التقي به منذ ان ذهب الي القاهرة للدراسة ثم ذهب الي اليمن فقد اتصلت عليه عبر التلفون ويومها كنت في نيالا في بداية الألفية فقد كنت في بنك البركة بفرع نيالا وكان الأخ صلاح علي احمد موظفا بالبنك فلما راني في الاستقبال فأشار الي بالدخول في مكتبه واعطاني التلفون وقال لي عاصم هرون علي الخط فقد كانت مفاجأة سارة بالنسبة لي فسلمت عليه بشوق ومحبه فقد افترقنا منذ اكثر خمسة وعشرون عاما لم نلتقي كان صوته تختلجه المواجع وحكي لي انه اجري عملية في رأسه بالقاهرة ومازال الألم يتاوره بين الفينة والاخري وماكنت ادري انها المحادثة الأخيرة بيني وبينه ثم ودعته املا في اللقاء كفاحا ولكن المنية أنشبت أظفارها وحقا كل بن انثي وان طالت سلامته فيوما علي الالة الحدباء محمول
كنا نراه عندما يصعد المسرح، فتصعد أرواحنا معه
كان عندما يغني يتسع المكان ويزداد الفضاء طربا تحدثت مع الأخ بركات الكردفاني وحكي لي تفاصيل مرض الأخ عاصم وكيف استفحل امره ولكنه كان يلقي بصبره وتجلده جسام الحادثات لم نكن نعلم أن الذين يملأون المكان فرحًا يخطفهم الموت سريعًا وكأنه لا يحتمل هذا النقاء رحل عاصم بعد ان زرع في قلوبنا رفقةً لا تموت
كان يهتم بمظهر ه فهو سيد الاناقة والهندام كان مهذبا وخلوقا حتي عندما يأتي الي تمارين الكروة تبدوا علي فنلته وكدارته الاناقة والروعة والجمال في الفصل كان درجة ومنضدته نظيفة فهو بحكم جيرتهم للمدرسة كان يحضر باكرا بعد انتهاء الإجازة فيختار المنضدة الجميلة والكرسي الأنيق وتراه دائما يحمل مفاتيح الدرج بين يديه
رحل عاصم مبكرًا وتركنا في منتصف اللحن
وفي عمق اللحظة التي لم نكن مستعدين فيها للفقد
فرغم رحيله لم ينطفيء حضوره فينا،
بل زادنا يقينًا بأن بعض الناس، لا يُغادرون فعلاً ويظلون بيننا في تفاصيل حياتنا اليومية رحل عاصم وترك في أعماقنا غصّة الذكرى فإليّ روحك السلام يا من جعلت الرفقة أجمل لم تترك وراءك شيئا فينا إلا المحبة والحسرة والحنين واللوعة واقول لأولادك الذين لم أتعرف عليهم اكثروا من الدعاء علي عاصم فان دعوة الأبناء لأبائهم مستجابة وواصلة ولامهم الصابرة ألفين سلام
عاصم نم ارقد مع الخالدين فمثلك لاينسي وطيفك باقي فينا وتحيتك ممهورة باسمك علي بوابة مدرسة امكدادة الوسطي
عاصم رافقتك السلام فانت بين الملك الجبار ورحمته وسعت كل شئ