الإثنين, يوليو 14, 2025
الرئيسيةمقالاتمحمد صالح عبد الله يس يكتبـ:المهندس محمد موسي ادم وعبير الامكنة 13—15

محمد صالح عبد الله يس يكتبـ:المهندس محمد موسي ادم وعبير الامكنة 13—15

محمد صالح عبد الله يس يكتبـ:المهندس محمد موسي ادم وعبير الامكنة 13—15

كانت بوستة امكدادة واتصالاتها عنوانا مميزا من صفحاتها المجيدة فلم تكن التلفونات متوفرة ومتاحة كيوم الناس هذا فقد كانت هناك أربعة تلفونات فقط في كل المدينة أولاها كبانية حاج السيد وهي بمثابة الكابينة الرئيسية للاتصالات وهي مسئولة عن توفير خدمات الاتصالات للزبائن وكثيرا مايقصدها ذو الحاجات من التجار ورجال الأعمال وأولياء الأمور الذي يتواصلون مع أبنائهم المنتشرون في أنحاء الدنيا وقد ذكر لي احد الإخوة أنا عمنا الحاج السيد ابوشوك كان يتصل مباشرة بابنه اللواء امين ابوشوك الذي كان ضمن قوات الردع العربية في الشرق الأوسط في دولة الاردن
وقلت لمحدثي إذا كانت الاتصالا ت العالمية متاحة في تلك الأيام فما الذي أضافته شركات الاتصالات الحديثة وهل يعتبر ماحدث فعلا هو تطور ام هو استعادة لذلك الزمن الجميل فكانت اجابته لي ان ماحدث اليوم من تطور وقفزة كبيرة في عالم الاتصالات بالسودان لم يكن لتحدث لولا وجود هذه البنيات التحتية التي  ارتكزت عليها هذه النهضة والتي مهدت الطريق لقيامها
اما التلفون الثاني هو تلفون المدرسة الوسطي وهو مربوط بكبانية البوسته وكبانة ابوشوك ومرتبط باشرة بتلفون الشرطة والمجلس وتتواصل ادارة المدرسة ببقية انحاء السودان المختلفة  ومن النكات التي اذكرها ان بعض اصدقائنا درجوا علي اللعب داخل سور المدرسة واحيانا يداهمون جنينة المدرسة في غفلة رقيبها ويقطفون من ثمارها وفاكهتها فقد كانت مسورة بسلك شائك مهترىء ومحاط ببعض فروع الشوك التي يتسللون منها بعد ان داهمو الجنينة اغرتهم غياب الرقيب الي كسر باب المدير فداهموه ولم يجدو شيئا ذي بال يصلح لهم فما كان الا وان امسك احدهم قرص التلفون وادار بكرته فرن الجرس ورفع شخص ما السماعة وقال { الو الو} انت منو ؟ فاجابه الشخص قائلا انا { علي} وكان صادقا فهو حقا علي  فكان من سوء حظه ان الاتصال كان بمكتب بلاغات الشرطة ولم تكن إلا برهة وقد حضر كومر البوليس وبه مجموعة من رجال الشرطة فالقي القبض عليهم واقتادوهم الي مخفر الشرطة ثم اوسعوهم ضربا ثم أطلق سراحهم وحمدت الله أنني تأخرت عن هذه الشلة واكرمني الله لم اكن معهم فقد تحول اسم { علي }ترند ردده الناس كثير واصبحت مجرد كلمة {علي} مثيرة للضحك والمتعة
كان هناك  ارتباط بين هذه التلفونات وتنضم الي بعضها البعض ويمكن ان تسمع الشرطة مكالمة المجلس ويستمع ضابط المجلس اليهم
صالح الوكيل ومصطفي محي الدين ابوشوك وموسي ادم امام باب البوستة
من الشخصيات الهامة العصية علي النسيان والذي أحبته جماهير امكدادة صالح الخزرجي {الوكيل }الدنقلاوي المشلخ الممتلىء لحما وحيوية فكأني أراه وبشلوخه المطارق يتحدث الي مصطفي محي الدين الفراش المعروف او او يحضر الي قهوة ابراهيم الحلبي وبيده بسكلة يأتي بها خصيصا للفول الذي كان الحلبي ماهرا في سبكه وطهيه وامضي صالح الوكيل فترة طويلة بامكدادة حتي اصبح جزءً منهم كان يجامل الناس في أفراحهم وأتراحهم وحكي لي الأخ صالح ابوبكر احمد جمعة ان احدي المراجعين حضر فجاءة الي امكدادة لمراجعة البوستة وعندما انتهت المراجعة وجد ان هناك مبلغا كبيرا لم يكن موجودا بخزنة البوستة وأمر المراجع بفتح بلاغ ضد الوكيل وايداعه  في الحبس وفتح ضده بلاغا بالشرطة وكان صالح يقوم بتسليف الموظفين والعمال لحين وصول مرتباتهم ثم يستردونها اليه  واحيانا  تتاخر مرتباتهم ويحل اجل السداد او ربما لظرف ما يتاخرون عن السداد وهم علي هذه الحالة حتي باغت المراجع العام البوستة واكتشف هذا الخلل فما كان من أهل امكدادة التجار  إلا ان تداعوا  واتصل بعض اهل الخير بالمراجع واكدوا له ان صالح الوكيل رجل يده عفيفة ولم يحول هذا المبلغ لمنفعته الشخصية وطلبوا اعطائهم مهلة لجمع المبلغ وتوريده وبالفعل سددوا المبلغ وتم توريده الي خزنة البوستة فكان هذا الصنيع الجميل هو اعتراف بفضل الرجل وأياديه البيضاء علي الجميع الان وبعد مرور هذه السنون الطويلة لست  ادري اين هو الان فان كان حيا متعه الله بالصحة والعافية وإلا فله الرحمة والمغفرة  ويرجع الفضل اليه في ادخال ميزان او تيرمومتر الحرارة الذي كان مثبتا عند مدخل البوسته وقد تعرفنا عليه من خلال الزيارات المدرسية التي كانت تنتظم المدارس الأولية والابتدائية  في تلك الفترة الباكرة
صالح الوكيل ومصطفي محي الدين ابوشوك وموسي ادم امام باب البوستة
صالح الوكيل ومصطفي محي الدين ابوشوك وموسي ادم امام باب البوستة
الان ياصديقي اري امامي الفني العم موسي ادم والمشهور بموسي السلكنجي والد زميلنا وصديقنا المهندس محمد موسي أراه وقد صعد الي العمود وقام بتثبيت احد السلوك ثم ينزل ليتابع بالسماعة خطوط الاتصالات بين المدن السودانية فكانت من مهامة مراجعة شبكة الاتصلات بين امكدادة وبقية اطراف السودان في كل صباح ونحن كنا صغارا وفي طريقنا الي المدرسة ننظر اليه بمهابة وقلق شديدين خاصة والعمود الذي يتسلقه كان طويلا ومتناهيا في البعد احيانا يستصحب معه بعض الاسلاك الملونة يستبدلها بالتي تهالكت وتاكلت من جراء حرارة الشمس او  تعرت من اطرافها حتي تتلامس وتحدث التماسا قد يصيب كابينة الاتصال وتتعطل كان العم موسي ادم يسافر لتصليح بعض الاعطال التي تصيب الشبكة خارج المدينة  وكانت هناك عربة اشتهرت باسم عربة البوستة وهي عبارة عن كومر له شاسي طويل يطلق عليه اهل امكدادة كومر ابو {كلوة} مجهز بقطع الغيار من الاسلاك والبكرات وبه اربعة سلالم وصندوق كبير ممتليء بالمسامير الخردة والورد التي تستخدم في الصيانة وما اكثرها فقد كانت اعمدة الخطوط تتعرض للتلف في احيان كثيرة اما بسبب الرياح او بفعل فاعل كان ترتطم احدي الشاحنات باحد الاعمدة فيسقط وتتبعثر اسلاكه فيتحول جثة العمود الي  كنز ثمين لاطفال القري الذين يقطعونا أسلاكها ويستخدمونها  في صناعة العربات وبعض اللعب
كذلك هناك  نوع آخر من هذه الأسلاك وهي مرنة ومثبتة علي طرفها  رؤوس مدببة يتم ادخالها في فتحات عبارة عن مشابك تثبت عليها هذه الرؤوس وبمرور الوقت تفقد هذه الأسلاك خاصية الحساسية والتوصيل فيتم استبدالها باخري جديدة  واحيانا يتحصل عليها بعض المعلميين ويستخدمونها  كسياط لمعاقبتنا فقد كانت تترك اثرا بالغا فيي جسمونا فتحمر وربما تتحول الي جروح ودمامل تحرمنا من الجلوس علي المقاعد  واكثر مستخدمي هذا النوع من السياط الاستاذ طيب الذكر الأستاذ  (  ) الذي تربطة علاقة معرفة قديمة مع وكيل البوستة عباس وهو الوكيل الذي خلفه صالح وكان استاذ (  )علاوة علي كونة قاسيا في العقوبة فقد كان لازع اللسان اثناء تنفيذه للعقوبة  فأثناء الجلد يكيل لك الشتائم والنبذ ( بلا ياخدك وياخد  يومك ياشؤم انت لو جاوبت السؤال ده البقعد في القهاوي منو ؟ انت لوعرفت الاجابة البلعب توستي بالجمبات منو؟ يا رمة ياجحش البصفر للبنات في الشوارع منو ؟اترزع الله لا عادك ياثقيل ياسخلة .
كان العم موسي ادم هو الفني المسئول من شبكة الاتصالات بالمنطقة يحضر الي البوستة مبكرا لمراجعة الخطوط ويتأكد ان أوصال امكدادة مرتبطة ببقية أنحاء السودان وان الخطوط مرتبطة ببعضها وان الكبانية المركزية علي ما يرام  كنا نضيع دقائق كثيرة في متابعة العم موسي حتي ينزل ويمسك السماعة ويضع الارقام ويصيح بكلمة الو يابورتسودان كيف اصبحتم ثم يضع رقم  ويقول الو  الخرطوم فيحيه ثم ينتقل الي الابيض حتي يصل للفاشر وكنا نندهش عندما نسمع ترديده لاسماء  تلك المدن ونندهش لهذه العملية  ا وكثيرا ما تأخرنا عن جرس الطابور الصباحي لانا كنا نتسمر علي اقدامنا نستمتع بمحادثاته وخاصة عندما يقو الو ياخرطوم أولو يا الابيض الو النهود الو الفاشر فقد كنا معجبين بان شخصا أمامنا يتحدث بالسلوك مع شخص اخر بالخرطوم  التي تفصلنا عنها مئات الكيلو مترات احيانا يلتفت الي بعض وينظر الي ساعته الجوفيال ويقول لنا هوي يا أولاد جرسكم ضرب ثم نهرول نحو المدرسة واحيانة تدبر راسك ان تختفي حتي لايراك الاستاذ المسؤل عن الطابور ويا لنحسك ان كان الطيب رجب عليه وردية الطابور فإنك مجلود مجلود لا محالة
كان العم موسي رجلا فارع الطول دائم الابتسامة ورعا تقيا يحافظ عليي صلواته بالمسجد الكبير وكان لديه تجليات صوفية وقد استمعت اليه وهو يتانس مع عمنا الاسكافي المشهو ر ادم ودموس الذي عاصر فترة السلطان علي دينار وقد حكي لي الكثير عن السلطان علي دينار رغم صغري مازلت احتفظ بالكثير منها فقد كان رغم شيخوخته يحب المداعبة خاصة مع عمنا السلكنجي موسي ادم ويقضان احيانا وقتا جميلا في مدارسة القران فود موسي من الحفظة ودائما يتلو القران في اوقات فراغه وعندما ياتيه احد الزبائن لطلب من الطلبات يقول له اقيف لمن نركز الاية  ثم بعد ان يركزها  اي يوقف القراءة في نهايه اللوح ثم يلبي طلبه فقد كان الجميع ممهولين لم يتاثروا بايقاع الحياة المسرعة كما اليوم  عليهم تنزل رحمةربي ورضوانه
رحم الله عمنا موسي ادم كان رجلًا بسيطًا في مظهره، عظيمًا في أثره. دائم الابتسامة كأنما خُلِق ليزرع في القلوب طمأنينةً خفيّة. أتقن مهنته يوم علّمه الإنجليز، لكنه أتقن قبلها وأبعد منها مهنة خدمة الناس بصدق وتجرد لم يشكُ يومًا من عناءٍ أو ضيق بل حمل هموم غيره وخفّفها بضحكته وكلماته الطيبة. رحل عن الدنيا، لكنه ترك وراءه ذِكرًا طيبًا يتردّد في الأرجاء، كأنه لا يزال هنا يُصلح أسلاك التلفونات ويصلح ما انقطع بين الناس من مودة.
مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات