الثلاثاء, فبراير 4, 2025
الرئيسيةمقالاتمحمد عبدالله إبراهيم يكتب : (كنابي) الجزيرة .. مشاهد الألم وشهادة على...

محمد عبدالله إبراهيم يكتب : (كنابي) الجزيرة .. مشاهد الألم وشهادة على انتهاكات لا تُغتفر.!!

محمد عبدالله إبراهيم يكتب : (كنابي) الجزيرة .. مشاهد الألم وشهادة على انتهاكات لا تُغتفر.!!

بقلوب مليئة بالحزن والأسى، تابعنا في الأمس القريب صورًا وفيديوهات تفطر القلب وتثير في النفس أسى لا يُوصف، ومشاهد تداولها الناشطون على نطاق واسع عبر منصات التواصل الاجتماعي، تُظهر مجموعات مسلحة تابعة للجيش السوداني وهي تمارس أبشع أشكال التعذيب والانتهاكات الجسيمة بحق مواطنين سودانيين عُزّل في (كنابي) ولاية الجزيرة، تعكس وحشية وانتهاكًا صارخًا للكرامة الإنسانية، تحت ذرائع باطلة تتعلق بالتعاون مع قوات الدعم السريع، جرى استهداف هؤلاء المواطنين بلا رحمة، في مشاهد تجسد مأساة إنسانية مكتملة الأركان، موثقة بالصوت والصورة، ولا يقوى أي ضمير انساني حي تحمل مشاهدتها، أو تبريرها، كما تشير الأنباء إلى ارتكاب انتهاكات جسيمة تضمنت القتل خارج القانون، والتعذيب الوحشي، واعتداءات جنسية بحق النساء والأطفال، وهذه الممارسات لا تعكس فقط انحرافًا خطيرًا في مسار الصراع السوداني، بل تمثل وصمة عار على جبين الإنسانية.

ما شهدناه ليس مجرد انتهاكات عابرة، بل هو اعتداء وحشي ضد الإنسانية بأبشع صورها، تُمارس بعنصرية وجهوية مقيتة، فقط لأن هؤلاء الأبرياء ينتمون إلى مجموعات سكانية تعود جذورها إلى إقليم دارفور، هذه الجرائم التي تُعد استهدافًا متعمدًا وممنهجًا تُمثل إهانة لكرامة الإنسان السوداني، وتُشكل تهديدًا للقيم الأخلاقية والدينية التي طالما جمعت الشعب السوداني بمختلف مكوناته، وانتهاكًا صارخًا لكل القوانين الدولية والأعراف الإنسانية التي تحمي حقوق المدنيين، حتى في أوقات الحرب والنزاعات.
إن ما جرى في ولاية الجزيرة يعكس جانبًا مظلمًا من الحرب العبثية المفروضة على الشعب السوداني، وإذا افترضنا جدلًا أن أولئك المواطنين كانوا متعاونين مع الدعم السريع، فإن ذلك لا يبرر بأي حال من الأحوال الممارسات الوحشية التي تعرضوا لها، والتي تخالف كل القوانين الدولية والأعراف الإنسانية، كما إن هذه الوقائع دخيلة على قيم ومبادئ الشعب السوداني، وتعد تطورًا خطيرًا في النزاع الدائر، يُهدد وحدة النسيج الاجتماعي ويضرب القيم الدينية والأخلاقية، كما أنها تدق ناقوس الخطر، وتستلزم تحركًا عاجلًا وحاسمًا من الجهات المحلية والدولية لوضع حد لهذه المآسي، وفقًا لقواعد العدالة والقانون الدولي الإنساني.

ما يُفاقم من الحزن هو رد الفعل الصادم من قيادة الجيش السوداني، التي أصدرت بيانًا باهتًا ومخجلًا، تنصّلت فيه من المسؤولية، مدعية أن ما حدث هو تصرف فردي، ومع ذلك، تظهر الأدلة الدامغة، بما فيها الفيديوهات المنتشرة، تورط مسؤولين من الجيش في هذه الجرائم، حيث تُوثق أوامر مباشرة بقتل الأسرى وعدم الإبقاء عليهم، بل قتلهم وارسالهم (الي السماء ذات البروج)، كيف يمكن لمؤسسة عسكرية أن تتبرأ من جرائم كهذه وتصفها بانها (تصرف فردي) بينما في حالة نفس هذه المجموعات تحقق “الانتصارات” لم تصف “انتصاراتها بانها تصرف فردي؟”، والكل يعلم بان جميع الأطراف والمليشيات والكتائب الاسلامية التي تقاتل في صفوف الجيش السوداني، هم تحت إمرتها ومسؤوليتها، وكل اقوالهم وافعالهم وتصرفاتهم، تمثل اقوال وافعال وتصرفات الجيش السوداني، وهو المسؤول الأول والأخير عنها، وإن هذا التناقض الصارخ يُعري حجم التواطؤ والإفلات من العقاب الذي يُهيمن على المشهد.

إننا نُدرك أن هذه الممارسات ليست مجرد تصرفات فردية أو استثناءات، بل هي انعكاس لتوجهات انتقامية وحقد دفين من قادة الجيش وميليشياته وكافة الأطراف التي تحارب معه ضد بعض مكونات المجتمع السوداني، وهذه الوقائع المؤلمة تكشف مدى خطورة الحرب العبثية المفروضة على هذا الشعب المنهك، التي تُدار بذهنية لا تراعي حرمة الحياة ولا كرامة الإنسان، وتُظهر بوضوح أن ما يجري في السودان يتجاوز كونه نزاعًا سياسيًا ليصبح تصفية عنصرية تستهدف استئصال مكونات سودانية بعينها.

ما يزيد الجرح عمقًا هو صمت بعض الافراد والمجموعات، المنحازة في القتال الى جانب الجيش السوداني، والتي طالما ادّعت الوقوف مع الشعب السوداني وحقوقه، فيما يسمى زورا وبهتانا “بحرب الكرامة” والذين كانوا يملؤو الدنيا ضجيجاً بانتهاكات ومجازر الدعم السريع ضد المواطنين، الا انهم صمتوا عن هذه المجزرة البشعة، وعمل البعض منهم على تبريرها، وقاموا بأطلاق سهامهم ضد من إدان هذه المجزرة، ونقول لهؤلاء الواهمون المرتزقون والمنتفعون من هذه الحرب، ان لإنسانية لا تعرف الانحياز، والضمير الإنساني الحي لا يقبل التمييز بين الضحايا، بغض النظر عن الأطراف المتورطة، ولا يقبل التواطؤ مع الظلم تحت أي مبرر.

نحن ندين جميع الأطراف التي ارتكبت انتهاكات ضد الشعب السوداني، سواء كانت قوات الجيش أو الدعم السريع أو المجموعات والمليشيات المتحالفة مع أي منهما، وهذه الحرب ليست سوى مأساة إنسانية يدفع ثمنها الأبرياء من كافة مكونات المجتمع السوداني، ونؤكد أن المسؤولية الكاملة عن هذه الجرائم تقع على عاتق كافة الأطراف المتحاربة، وندعو المجتمع الإقليمي والدولي، وخاصة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، إلى التحرك العاجل واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لحماية الشعب السوداني، وضمان محاسبة جميع المسؤولين عن هذه الجرائم أمام العدالة الدولية.

إن الصمت المؤلم للمجتمع الدولي يزيد من معاناة الشعب السوداني ويطيل أمد مأساته، ولا أمل لشعب يُترك وحيدًا في مواجهة آلة الحرب والدمار، لذلك نطالب أولئك الجالسون على مقاعد هذه المؤسسات الإقليمية والدولية بالتدخل الفوري والعاجل لوقف هذه الفوضى وهذه الجرائم والانتهاكات، أو التنحي فوراً وإفساح المجال أمام من يستطيع الوفاء بواجباته الأخلاقية والإنسانية.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات