محمد علي احمد يكتب :أبناء الحروب
بعد انقضاء الستة أشهر الأولى من الحرب الدائرة في السودان منذ منتصف أبريل من العالم 2023, بدأت المنظمات الدولية المعنية بالطفولة و التعليم في نشر تقارير مزعجة عن تأثر الطفولة و التعليم جراء استمرار الحرب و ما رافقها من نزوح لملايين السودانيين من مواطنهم الأصلية إلى أماكن يمكن أن يتوفر فيها الآمن و الاستقرار مما قد يسمح للأطفال و الدارسين عموما بمواصلة تعليمهم و لكن الحال ازداد سوءا مع الاتساع المستمر لرقعة الحرب في ولايات البلاد المختلفة ما أسفر عن أكبر حركة نزوح و لجؤ على مستوى العالم حسب تقارير المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة كما رافق ذلك تقارير عن اليونيسيف تؤكد حرمان حوالي تسعة عشرة مليون طالب من مواصلة تعليمهم و تشير التقارير نفسها إلى أن الكثير من المرافق التعليمية و الصحية قد تعرضت للدمار أو لأضرار جسيمة نتيجة لتعرضها للقصف من قبل طرفي الحرب كما حذرت التقارير من أن هجرة أعداد كبيرة من المعلمين وأساتذة الجامعات تمثل تهديداً جدياً لمستقبل التعليم بالبلاد .. ومن خلال متابعة أوضاع التلاميذ و الطلاب في ظل هذه الظروف المعقدة و مع استطالة أمد الحرب دون وجود ما ينبأ عن قرب انتهائها نلحظ وقوع أعداد كبيرة من التلاميذ و الطلاب تحت تأثير استقطاب طرفي النزاع في البلاد و تحديدا مع نهاية العام المنصرم 2023 حين أعلنت القوات المسلحة السودانية ما عرف بحملة الاستنفار الشعبي لدعم الجيش السوداني في حربه ضد ميليشيا الدعم السريع فشهدت الولايات التي تسيطر عليها القوات المسلحة السودانية موجات منتظمة و متزامنة من تحريض الشباب للانخراط في معسكرات التدريب على حمل السلاح و القتال إلى جانب الجيش فظهرت إلى العلن كتائب الإسلاميين التي تم تأسيسها قبل أكثر من ثلاثة عقود و هي كتائب مقاتلة تدين بالولاء للحركة الإسلامية و سبق أن شاركت في القتال إلى جانب الجيش السوداني إبان فترة حكم الرئيس المخلوع / عمر البشير و قد نشطت هذه الكتائب في عمليات استقطاب الشباب و حثهم على الانضمام إلى مراكز الاستنفار و معسكرات التدريب و استغلت العاطفة الدينية و الحمية العنصرية و الميول الجهوية و المناطقية كمحفزات حاسمة لدفع الشباب لحمل السلاح و القتال إلى جانب الجيش و بينما أبدى قادة الجيش مواقف متباينة حيال حملات الاستنفار الشعبي حينما كانت في مراحلها الأولى إلا أنه ما لبث أن أكدت قيادة الجيش دعمها لها و توفير التدريب لها و مدها بكافة أنواع الأسلحة و سرعان ما شاركت كتائب المستنفرين الجيش في سوح القتال ضد المليشيا كما أقامت نقاط تفتيش على الطرق القومية و داخل المدن بينما تجوب أعداد كبيرة منهم الشوارع في الأماكن السكنية في المدن و القرى و هم يحملون أسلحتهم دون أن يتقيد معظمهم بارتداء الزى العسكري و دون أي التزام بقواعد النظام العام و احترام المواطنين في سلوك يشبه سلوكيات و نهج المليشيا و العصابات المسلحة هذا الوضع يفرض مسؤولية مباشرة على كل شرائح المجتمع السوداني للعمل على حماية الشباب و الأطفال من خطر الاستجابة لحملات الاستقطاب من قبل طرفي الحرب حتى لا يكونوا وقوداً لحرب هي في الأساس ضد المواطنين الأبرياء و ضد وحدة الوطن ومعلوم أن من أشعل هذه الحرب و يدعم استمرارها قد أرسلوا أبناءهم و أسرهم إلى خارج السودان ليكونوا في مأمن من ويلاتها وليواصلوا تعليمهم في أفضل المؤسسات التعليمية و ليعيشوا حياة هانئة في أفخم المساكن و كل ذلك من مال الشعب المنهوب الذي يموت قتلاً و جوعاً و مرضاً. كما أنه من الضروري الحرص على الاستخدام الايجابي لوسائل التواصل الاجتماعي بنشر و ترسيخ دعائم السلام و عدم بث المواد التي تغذي العنف و الانجراف مع تيار الحرب الأهلية و التي نراها على الأبواب أو بدأ سعيرها في التهام ما تبقى من مساحات المناطق الآمنة من بلادنا المنكوبة و لابد أن نذكر بدور الإعلام الحر في توعية الشباب و كل أطياف المجتمع السوداني بخطورة الانزلاق في محرقة الحرب الأهلية و مقاومة الإعلام المضلل الذي يسعي حجب الحقيقة حول أهداف هذه الحرب و إلباس الحق بالباطل و الترويج للحل العسكري كخيار وحيد رغم أن الواقع يثبت عكس ذلك حيث أن استمرار الحرب يعني استمرار الانتهاكات بحق المدنيين العزل و استمرار دمار البلاد و الاتجاه نحو ما هو أسوأ حيث أن استمرار الحروب الأهلية غالباً ما يؤدي غالى تمزيق البلاد على أسس جهوية و عرقية و ضياع الوطن الذي يزعم المتقاتلون الآن أنهم يتقاتلون من أجله.
ختاماً يجب تنبيه الأسر و لجان المقاومة الشعبة إلى الاجتهاد في تشجيع الأطفال و الشباب لمواصلة تعليمهم بكل الوسائل الممكنة – في هذه الظروف المعقدة – متى ما كان ذلك ممكناً إذ يمكن للوالدين أو أحد أفراد الأسرة أن يقوم بدور المعلم و في الأماكن الآمنة يمكن للمعلمين ممارسة التدريس في مجموعات صغيرة و الاستفادة من استخدام الإنترنت – إن توفر – للحصول على مواد تعليمية جيدة في ظل انعدام كتب المناهج المدرسية في معظم أنحاء البلاد.