الجمعة, أكتوبر 3, 2025
الرئيسيةمقالاتمن سطوة السلاح إلى قوة الكلمة؟ هل يمنح الفكر للسودان فرصة للنجاة...

من سطوة السلاح إلى قوة الكلمة؟ هل يمنح الفكر للسودان فرصة للنجاة من دورته الدموية؟(1)

من سطوة السلاح إلى قوة الكلمة؟ هل يمنح الفكر للسودان فرصة للنجاة من دورته الدموية؟(1)

كتب:حسين سعد
عندما نتأمل المشهد السوداني الراهن، لا يمكننا أن نغفل عن حجم المأساة التي أفرزتها الحرب مدن مدمرة، ملايين النازحين، مجاعة طرقت الأبواب، وإنهيار شامل لمؤسسات الدولة ومع ذلك، فإن ما يفاقم هذه المأساة ليس فقط الخراب المادي والإنساني، وإنما العجز المستمر عن إنتاج بدائل فكرية قادرة على أن تضيء الطريق وسط هذا الظلام، لقد صار السلاح هو اللغة الغالبة، والخطاب العسكري هو الصوت الأعلى، بينما تراجع صوت الفكر والحوار النقدي إلى الهوامش، وكأنّ الأزمة في جوهرها صراع قوة وليس صراع رؤى، نشرالتقرير في مجلة قضايا فكرية في عددها الرابع الصادر مؤخراً، وسط هذه المأساة تتقاطع رائحة البارود مع صرخات النازحين، يطلّ سؤال قديم متجدد: لماذا نعجز عن تحويل أزماتنا إلى فرص لبناء وطن يتسع للجميع؟ لقد جرّب السودان، عبر عقود متلاحقة، كل أشكال الحلول العسكرية والسياسية التقليدية، لكن ما تزال الدائرة المفرغة تحاصرنا، إنقلابات تتبعها إتفاقيات هشة، ثم جولات دم جديدة، فالأزمة الحالية ليست مجرد صراع علي السلطة ، بل أزمة فكر لم يتجذر في الوعي الجمعي مشروع وطني جامع يجيب علي أسئلة الهوية والعدالة والسلام والحرية ، بينما يتصدّر السلاح المشهد، ويعلو خطاب الكراهية والعنصرية والانقسام في صفوف القوى المدنية والسياسية والنقابات وحتى الإعلام، يغيب الصوت الفكري العقلاني القادر على بناء جسور الحوار، وإضاءة المخارج الممكنة، فهل يمكن أن يشكل الجدل الفكري بما يحمله من قدرة علي إعادة صياغة المفاهيم وفتح الأفق ، كمدخل لاحياء مشروع السلام في السودان ؟ ولماذا غاب المثقف في لحظة تحتاج البلاد فيها إلي جرأته الاخلاقية وطاقته النقدية عن مائدة الفعل العام؟ مجلة قضايا فكرية في هذا العدد طرحت بعض الأسئلة علي عدد من المثقفين وأستاذة العلوم السياسية بالجامعات ، السؤال الجوهري هنا: لماذا يغيب البعد الفكري عن مقاربة أزمات السودان، في حين يملأ الفضاء العام خطاب الكراهية والعنصرية والتعبئة الضيقة؟ أليست جذور أزمتنا متصلة أصلاً بمسائل فكرية عميقة لم تُحسم منذ الاستقلال، مثل سؤال الهوية، العلاقة بين المركز والهامش، ثنائية العروبة والأفريقانية، وعلاقة الدين بالدولة؟ إن تهميش هذه الأسئلة أو تحويلها إلى شعارات سياسية آنية جعلها تنفجر في شكل صراعات مسلحة، وكأن التاريخ يكرر نفسه في دوامة لا تنتهي،أليست الأزمة السودانية كأزمة فكر قبل أن تكون أزمة سلطة؟ و كيف تحوّلت الخلافات الفكرية (الهوية، المركز والهامش، العروبة والأفريقانية، الدين والدولة) إلى صراعات مسلحة؟ وغياب مشروع وطني جامع كخلفية لغستمرار الأزمات؟ وماهو دور المثقفين السودانيين في لحظات التحول ؟ مقارنة بين أدوار المثقفين في أكتوبر 1964، أبريل 1985، وثورة ديسمبر 2019م كيف تراجع صوت المثقف في ظل عسكرة المشهد؟
الفكر الغائب والسلام المستحيل:
لقد عرف السودان لحظات مفصلية كان فيها للمثقفين والفكر النقدي حضور قوي ومؤثر، في ثورة أكتوبر 1964 حين أعادوا تعريف معنى الحرية، وفي أبريل 1985 حين فتحوا أفق التغيير، وفي ثورة ديسمبر 2019 حين صاغوا شعارات الحرية والسلام والعدالة. غير أنّ المشهد الراهن يشهد تراجعاً حاداً في دور المثقف، الذي وجد نفسه محاصراً بين عسكرة الحياة العامة وانقسام القوى المدنية والسياسية والنقابية والإعلامية، حتى صار حضوره باهتاً في لحظة تاريخية تتطلب شجاعة فكرية مضاعفة؟ من هنا ينهض سؤال المقال: هل يمكن للجدل الفكري، بما يمتلكه من قدرة على إعادة قراءة الواقع وتفكيك أزماته، أن يفتح مسارات جديدة نحو السلام في السودان؟ أم أننا سنظل أسرى توازنات القوة العسكرية وصفقات السياسة الضيقة، نكرر ذات الأخطاء التي أطاحت بكل فرص الاستقرار منذ الاستقلال؟
سلام بلا فكرة.. وطن بلا مشروع:
أولاً :الأزمة السودانية كأزمة فكر قبل أن تكون أزمة سلطة منذ الاستقلال، ظل السودان يعيش أزمة هوية ورؤية قبل أن يعيش أزمة سلطة. فالصراع بين المركز والهامش لم يكن مجرد خلاف إداري حول توزيع الموارد، بل انعكاساً لأزمة فكرية حول معنى الدولة السودانية وحدود انتمائها: هل هي عربية خالصة أم أفريقية الجذور؟ هل هي دولة دينية أم مدنية؟ هذه الأسئلة الجوهرية، بدلاً من أن تُناقش في فضاءات فكرية مفتوحة، جرى اختزالها في صراعات سياسية ومساومات مؤقتة، ثم تحولت إلى وقود لحروب أهلية، وغياب المشروع الوطني الجامع جعل الانقسام القائم على الهوية والثقافة والدين يتغلغل في مؤسسات الدولة نفسها، فإن النتيجة كانت دولة عاجزة عن تمثيل تنوعها، وسلطة متنازعة بين قوى متضادة فكرياً وأيديولوجياً. لذلك يمكن القول إن الحرب التي يعيشها السودان اليوم ليست سوى تجلٍّ عنيف لفشل فكري ممتد عبر عقود.
ثانياً: غياب المشروع الوطني الجامع منذ لحظة الاستقلال حين ورثت النخبة السياسية دولة لم تُبنَ على تعاقد اجتماعي حقيقي. فبدلاً من مشروع قومي يُعلي قيم المواطنة والعدالة، استندت السلطة إلى أدوات الإقصاء والهيمنة، فكان طبيعياً أن تتجدد النزاعات كلما تغيّر النظام أو تبدلت التحالفات، لقد أُجهضت فرص عديدة كان يمكن أن تؤسس لمشروع وطني، مثل مؤتمر المائدة المستديرة في ستينيات القرن الماضي، أو اتفاقية نيفاشا في مطلع الألفية. غير أن غياب الرؤية الفكرية العميقة جعل هذه المحطات تتحول إلى اتفاقيات سياسية قصيرة العمر، تُرضي أطرافاً محدودة لكنها تعجز عن بناء توافق وطني شامل.(يتبع)

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات