ذوالنون سليمان، مركز تقدم للسياسات
تقدير موقف
تقديم: أعلن جيش دفاع شعب جنوب السودان، عن بدء انتشاره لتأمين حقل هجليج النفطي، في أعقاب اتفاق ثلاثي بين رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، ورئيس دولة جنوب السودان سلفا كير ميارديت، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو.
في التفاصيل:
في 8 ديسمبر، أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على بلدة هجليج النفطية بولاية غرب كردفان بعد أن أخلى الجيش مواقعه الدفاعية هناك وانسحب داخل أراضي دولة جنوب السودان حيث جُرّد من السلاح.
أوضح رئيس هيئة أركان جيش دفاع شعب جنوب السودان بول نانق، أن الاتفاق نص على انسحاب الجيش وخروج الدعم السريع من المنطقة، وأكد أن الهدف من الاتفاق هو ضمان عدم حدوث تخريب في المنشآت النفطية.
أوضح رئيس هيئة أركان جيش دفاع شعب جنوب أن الاتفاق الثلاثي يلزم جميع الأطراف بضمان استمرار تدفق النفط دون انقطاع، مشدداً على أن قوات جنوب السودان لن تشارك بأي شكل في النزاع الدائر داخل الأراضي السودانية، وأن مهمتها محدودة وواضحة ومحايدة، وهي حماية المنشآت النفطية فقط.
نفط حقول منطقة هجليج كان يعالج في محطة مركزية لـ 130 ألف برميل من نفط جنوب السودان الذي يُنتج في حقول ولاية الوحدة الجنوبية ويُصدّر عبر الأراضي السودانية، كما تضم نحو 75 حقلاً أهمها مربع 6 وهو الأكبر من حيث الإنتاج. وفي ذروة سابقة قبل الحرب كانت حقول هجليج تنتج من 60000- 70000 برميل يوميا.
استأنف جنوب السودان تصدير النفط عبر الأراضي السودانية في مايو الماضي، بعد توقف دام قرابة عام بسبب الأوضاع الأمنية والعمليات العسكرية في إقليمي كردفان ودارفور.
تحليل
تهدف الاتفاقية الثلاثية إلى تحييد حقل هجليج عن أي عمليات قتالية، وحماية البنية التحتية النفطية من التخريب أو التدمير، لأهمية الحقل بالنسبة لبورتسودان وجوبا، اللذان يحرصان على سريان تدفقاته المالية، بسبب الحرب في السودان والأزمة الاقتصادية في جنوب السودان.
يمثل حقل هجليج مصدر الطاقة الرئيسي المتبقي لحكومة بورتسودان، تعتمد تقريبا بشكل كامل على إنتاجه النفطي المتراجع، الذي يتراوح بين 10,000 و20,000 برميل يوميًا. ووفق سعر تقديري يبلغ 75 دولارًا للبرميل، فإن توقف هذا الإنتاج يعني خسارة سنوية تقارب 410 ملايين دولار.
كما ترتبط منشأة هجليج مباشرة بخط أنابيب نفط جنوب السودان، الذي يصدر عبر السودان ما يقارب 150,000 برميل يوميًا. وتُحصّل الخرطوم مقابل ذلك رسوم عبور ومعالجة وسيادة تقدر بنحو 25 دولارًا للبرميل، مما يوفر إيرادات سنوية تقارب 1.35 مليار دولار. وبذلك، يُقدَّر إجمالي الخسائر المباشرة الناتجة عن فقدان السيطرة على هجليج بنحو 1.76 مليار دولار سنويًا، وهو رقم يعكس حجم التأثير الاقتصادي العميق على حكومة بورتسودان في ظل الحرب المستمرة وتراجع الإيرادات العامة، يخشى البرهان من الحرمان من الموارد-البترول والذهب- التي تقوض قدرة الجيش على شراء الوقود والذخائر وتغطية الاحتياجات اللوجستية الأساسية للحرب. تآكل النفوذ المالي يؤدي لتوقف تمويل رواتب المليشيات ومشاركتها في القتال، بشكل قد يهدد منظومة البرهان القتالية للانهيار الشامل.
يمثل دخول قوات جنوب السودان إلى منطقة هجليج لحماية منشآتها النفطية تحولًا نوعيًا في مسار الحرب السودانية، كاشفًا انتقال الصراع من نطاقه الداخلي المحلي إلى مستوى إقليمي أوسع، يحدد ملامح جديدة لكيفية تعامل دول الجوار مع الحرب، ويعيد رسم حدود التهديد ومجالات النفوذ. هذا التدخل يفتح الباب أمام دول مثل مصر وإثيوبيا وإريتريا لاستخدام مبررات مشابهة إذا شعرت بتهديد لمصالحها الحيوية، بشكل متفاوت يتطابق مع إستراتيجيتها ورغباتها. فمصر تميل لدعم غير مباشر وتحركات حدودية تحوطية لافتقارها لمرفق سيادي داخل الأراضي السودانية يمكن اعتباره “مصلحة حيوية” تتطلب حماية عاجلة، وإثيوبيا منشغلة بالتوترات في إقليمي أمهرة وأوروميا، وتداعيات ما بعد حرب تيغراي، ولن تنخرط في تدخل مباشر إلا إذا مس التهديد منطقة الفشقة أو سد النهضة، بينما تفضّل إريتريا العمل عبر وكلائها من خلال توظيف المكونات الاجتماعية المشتركة الموالية لها في شرق السودان الذي يمثل عمقا استراتيجيا لها، تخشى أن يتحول إلى ساحة نفوذ لخصومها الإقليميين. وبذلك يشير تحرك جوبا إلى دخول السودان مرحلة “التنافس الإقليمي”، وزيادة احتمال تدخلات غير مباشرة أو محدودة عبر الحدود، ما ينذر بتدويل أوسع للحرب وإطالة أمدها.
خلاصة
**حقق الاتفاق الثلاثي للدعم السريع اعتراف عملي بشرعيته كسلطة موازية للجيش، إذ يُظهر القبول بالتفاوض أو التنسيق معه حول منطقة استراتيجية مثل هجليج أنه جزء من معادلة الأمن الإقليمي، مما يقوض سردية الجيش حول قوات الدعم السريع.
**يوفر الاتفاق الثلاثي للدعم السريع فرصة لتثبيت سيطرته على هجليج دون الدخول في معارك استنزافية، وتمنحه أسبقية ميدانية في ظل صراع على موارد حيوية واستراتيجية.
**يعزز الاتفاق ارتباط الدعم السريع بعمق لوجستي واقتصادي داخل جنوب السودان، ويمنحه تعويضًا مهمًا عن أي تضييق قد يتعرض له عبر الحدود الغربية مع تشاد أو الشمالية مع ليبيا.
**يجنب الاتفاق الثلاثي الجيش خوض مواجهة عسكرية جديدة في هجليج، والحد من المزيد من الانهيارات في الجبهات، والحفاظ على القوات المتبقية لدعم جبهة القتال في كردفان، حيث تعاني التشكيلات العسكرية من إنهاك شديد. كما يساهم الاتفاق في حماية منشآت النفط من التدمير.
**يقلل الاتفاق من احتمالات التصعيد مع جنوب السودان، إذ ينظّم آلية عبور النفط بشكل يمنع الاحتكاك المباشر ويجنب بورتسودان ضغوطًا إقليمية ودولية مرتبطة بتعطيل صادرات جوبا.
**دخول جيش جنوب السودان إلى منطقة هجليج السودانية، يعتبر مؤشر على إمكانية تدخل دول الجوار السوداني في حال تعرض مصالحها الحيوية المباشرة للخطر، سواء النفط، الحدود، الموانئ، المياه أو الأمن القومي.
**غياب محطة حيوية مصرية داخل السودان، سيدفع القاهرة لتبنى استراتيجية دعم غير مباشر للجيش السوداني وتحسين الأمن الحدودي، لا التورط العسكري المباشر بسبب تعدد أطراف الصراع السوداني وطول الحدود المشتركة بين البلدين.
** من المستبعد انخراط إثيوبيا في حرب خارجية في ظل تزايد تحدياتها الداخلية العسكرية، ولكن أي تهديد مباشر للفشقة وسد النهضة قد يستدعي تدخلًا إثيوبيًا محدودًا وموضعيًا.
**ينطبق الامر على إرتريا واستبعاد تدخلها علنا بسبب حساسية وضعها الدولي ومحدودية قدراتها العسكرية والاقتصادية، لكنها ستستخدم أدوات غير مباشرة عبر شبكات محلية، وتسهيلات لوجستية، وتأثير استخباري لضبط التوازن في شرق السودان.

