عبدالوهاب الانصاري
وَما الحَربُ إِلّا ما عَلِمتُم وَذُقتُمُ
وَما هُوَ عَنها بِالحَديثِ المُرَجَّمِ
*”زهير بن أبي سلمى”
دون الخوض في جدلية، الانتهاكات الجسيمة التي حدثت، على منصة الحرب وميدان الكريهة “وما هو بالحديث المرجمِ” في انتظار نتائج لجنة التحقيق في الانتهاكات بالفاشر حال سقوط الفرقة السادسة مشاة. التي أمر بتشكيلها الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي” رئيس حكومة السلام والوحدة “تأسيس”.
لكن بداهتةً؛ بعد هروب قوات الجيش، من مدينة الفاشر قبل أن تُعلِن قيادة الجيش لاحقاً “إنسحابها” وحلفائها من كتيبة البراء الداعشية، والقوات المشتركة وغيرها من المليشات الداعمة لها.
وفق الوقائع حال دخول قوات الدعم السريع، لمقر الفرقة، والاحياء المحيطة بها التي باتت مناطق عسكرية، وتحصن فيها قادة الحركات المسلحة، بعد حصار محكم لقرابة ال18 شهرا؛ وحددت فيه قوات الدعم السريع مسارات آمنة معلنة لخروج المدنيين، وحتى العسكريين الفاريين من القتال.
حيث كان سقوط الفرقة، هو النتيجة الحتمية الأرجح والمتوقعة، وكان إنتظارها مسألة وقت وفق الشواهد.
الانتهكات المدانة، باغلظ العبارات، واعمق الكلمات، كانت حاضرة دون شك، وللآسف لم تكن جديدة، لطرفي الحرب، وحلفائهم ولم تكن الاولى، ولن تكون الاخيرة في المدى القريب وفق الثقافة الموروثة؛ “دخلوها وصقيرا حام” والتي كادات ان تكون شعار دولة والمجد للبندقية نتيجة مرجحة وحتمية للانتهكات المستثمرة للكسب السياسي ..!
بل الانتهاكات حاضنة، وثقافة وامشاج تُخلق، وجينات متوارثة، في نسيج علقة الثقافة العسكرية السودانية النظامية، والشعبية وتاريخ الحرابة الاهلية خير شاهد.
مخاطبات رسمية، حسب أدبيات موثقة صوت وصورة لاعضاء قياديين في المؤتمر الوطني المنحل والحركة الاسلامية الارهابية.
“أكسح أمس قش ما تجيبوا حي” هذه العبارة من فم شخص دارس قانون، وقيادي رأس ناس. بعضهم يبكي بدموع التماسيح على الانتهاكات في الميديا الآن، القائل:
“احمد محمد هارون” القيادي بالحركة الاسلامية الارهابية، والآن هو رئيس لحزب المؤتمر الوطني “المنحل” وأول من اطلق تسمية “كرامة” لهذه الحرب الندامة التي أوقدت نارها الحركة الاسلامية الارهابية. لحظة فراره من سجن كوبر. وهو المطلوب للعدالة الدولية بتهم الابادة الجماعية والتطهير العرقي!
ثم مِّن قائل آخر “طلقة ب 2 جنية ما تخسروها فيهم” من فيه لواء في جهاز الآمن والمخابرات. ووالي سابق لشرق دارفور .. “أنس عمر” – معتقل حالياً. لدى قوات الدعم السريع، من ايام الحرب الاولى؛ هذه فقط امثلة من رسميين ورجال دولة كمان يفترض، إن كانت هنالك دولة.!
فالجيش اعلن رسمياً إنسحابه، بعد هروبه، بلسان قائده، وبعد فترةٍ من هروب قيادته من الفاشر، آخر معاقله في عاصمة اقليم دارفور، وفي اللحظات الاخيرة، أي بعد الدخول الفعلي وإقتحام، قوات الدعم السريع لمقر قيادة الفرقة السادسة مشاة وسقوطها.
انسحاب إحترافي أم انسحاب عشوائي:
بداهتةً؛ عندما ينسحب الجيش المحترف، من ميدان القتال، لإسباب تيكتيكية، أو إستراتيجية، أو حتى منهزماً، هنالك تعليمات مستدامة، وواجبات، وخطوات محددة عليه إتباعها وإعلانها.
وهو هنا أي الجيش المنسحب، يتبع مباديء ونصوص القانون الدولي الإنساني، ويّفرِض عليه القانون الانساني، التزاماً، مبدئياً أساسياً، وهو قدسية حماية المدنيين.
حيث يجب على القوات المسلحة الوطنية “حقيقةً” في اي بلدٍ كان أن تحمي المدنيين، حتى ولو أدى ذلك لفقدان افرادها حيوياتهم ” أو ألست هكذا كان القسم المغلظ بالله العظيم وبكتابه الكريم أن …..”
فالجيوش أثناء إنسحابها من ميدان المعركة، لظرفٍ ما قدرته قيادتها.
عليها على ضوء ذلك:
تحديد مسارات وطرق، وحماية هذه المناطق المحايدة الآمنة المخصصة للمدنيين، وإعلان مسارات للإخلاء، وضمان عدم استهداف المدنيين فيها وهي منسحبة.
كما يجب على القوات المنسحبة، اعلان المنظمات المعنية، لتقديم المساعدات الانسانية، وضمان وصول هذه المعينات الأساسية للسكان المدنيين.
الالتزام والعمل على تحقيق شروط حماية المدنيين أثناء الانسحاب العسكري وهي:
1- حماية المدنيين من أخطار الحرب:
ويتطلب هذا الشرط، وفق القانون الدولي الإنساني، الالتزام من جميع الأطراف، بتجنب أي استهداف مباشر لارواح المدنيين أو المنشآت المدنية.
2- الحد من الدمار:
يجب على القوات “المنسحبة” بذل قصارى جهدها؛ للحد من الضرر اللآحق بالمدنيين، والمتوقع نتيجة انسحابها من مناطق الصراع.
●هل عمل الجيش الذي يتباكى قادته ومناصريه بدموع التماسيح وهم عصبة؛ “وجاءوا إباهم عشاءً يبكون”. على ذلك؟ طبعاً لا؛ لماذا؟
لأن قوة دفاع السودان منذ أن غرز الجنرال هيدلستون 1925 بذرتها ليستوي عودها؛ كأداة إستعمارية باطشة تسبح بحمده. وهي”كخضراء الدمن” حسنة في منبت سوء؛ يتباها منتسبيها ومناصريهم بها، جهلاً وعلفاً وبتاريخها دون حياء؛ كانت عقيدتها ومهمتها الاساسية؛ هي قمع الحركات الوطنية المناهضة للاستعمار ! منقادة لعقلية القائد الانجليزي، التي تلبسها سدنتها الوارثيين من السودانيين الاولين والآخرين، و بإمتيازاتهم التاريخية؛ ولغياب مساهمتها بالضرورة، وفق عقيدتها القتالية الاستعمارية، في الحركة الوطنية، المقاوِمة للاستعمار حيث قامت قوة دفاع السودان مباشرة؛ بعد إنشاءها، بشن عدة حملات قمعية، مثبتة ولائها لسيدها مخلصة كيدٍ طيعةٍ باطشة للاستعمار، يقمع بها ثورات الشعوب السودانية’ ضد السلطات الاستعمارية.
نذكر منها على سبيل المثال. انتفاضة جبال النوبة في العام 1926 واثنتان أُخر كانتا ضد النوير في عامي 1927 و1928. واستمرت حملات قوة دفاع السودان ضد المقاومة، وأن قلت وتيرتها، حتى الاستقلال.
لن تعثر على اي مراجع، وانت تنقب في تاريخ السودان الحديث، ما يشير لمساهمة قوة دفاع السودان 1925 في دعم الحركة الوطنية المناهضة للاستعمار الانجليزي بالضرورة.
وحتى بعد إستقلال السودان السياسي في مطلع يناير 195؛ لم يطلق هذا الجيش طلقة واحدة، ولو فشنق ضد عدو محتل اجنبي؛ بل ظلت بندقيته، التي ينفخ قادته بمجدها، موجهة فوهتها نحو صدور شعوبه، من اجل كراسي الحكم والجلوس من علٍ في قصر غردون الذي غدى حطام.
لذلك حتى اليوم ينظر منتسبي “الجيش السوداني” وخاصة الضباط، للمدنيين بإزدراء، وك: كهنة (خرقة بالية لمسح الاحذية وتلميعها).
وهم كانهم ضباط انجليز مُستعمِرين .. وظلت هذه النظرة كامنة مسيطرة في عقُولهم، مختصرة المجد في البندقية والقوة الجبانة ضد الشعوب الابرياء العزل.
وليس منطق العقل؛ وهم بوهم يستدعي الشفقة، والرثاء يقولون إنهم “أوصياء” علينا دون رشد، أو هدايا، أو مصباح منير.
“إذا لم يتم علاج المرض بدوائه، لن تشفى بتناول مسكن لأعراضه”.
“تقف الحرب “المرض” اولاً؛ تزول مظاهرها، واعراضها الانتهاكات نشفى، ويسود السلام.

