هل تتنحى قيادة حزب الأمة القومي المتنازعة على رئاسته لدماء جديدة ؟
بقلم الصادق علي حسن
حزب الأمة القومي هو ذلك الحزب الذي انتميت إليه وانا صغيرا في عمري وارتبط لدي تاريخ الحزب بحكاوي الكبار ومنهم الجدة عازة محمود التي كانت تتحدث عن والدها الأنصاري الفقيه محمود وخلوته الدينية الأولى بمدينة نيالا لتعليم الدين وأحكامه بوسط مدينة نيالا حيث تأسس مسجد نيالا العتيق، كما وأسس اول مسجد للأنصار بمدينة نيالا وأسس ابنه الفقيه شريف مسجد الأنصار الأول بمدينة الفاشر والذي يوجد به مقر حزب الأمة وهيئة شؤون الأنصار الحالي. وصار تاريخ المهدية المروي لي في طفولتي وصباي الباكر هو ذخيرتي المعرفية بحزب الأمة والسياسة في النشأة ، ولم أدخل مدرسة لكادر بل ظلت المرويات الشفهية عن قيادات الحزب مثل زيارة الإمام الصديق إلى نيالا في عام ١٩٥٢ قبل ذهاب الإنجليز وخروج نيالا على بكرة ابيها إلى وأدي نيالا (وأدي نيالا) وأداء صلاة الشكر ضمن حكاوي تكشف عظمة عمق قيمة مكان المهدية والأنصار وحزب الأمة لدى قواعد الحزب بالمدينة العريقة وتشكيل الثقافة السياسية لغالبية إنسان القرى والبوادي وحاضرتها نيالا ، في حزب الأمة تعلمت من زملائي الطلاب من أمثال آدم أحمد محمود وبقادي جمعة وصافي النور وصلاح بريمة والحبيبة نادية من شمال السودان والتي لا أعرف أين هي الآن الكثير، ماهية قيم هذا الحزب ومبادئه في التنشئة والإيثار ، ولأسباب لا أخوض فيها لم اعد مقتنعا بالحزبية ، واعلنت التخلي عن الحزبية منذ عدة سنوات مضت ، ولكن لا تزال حكاوي الجدة عازة تشكل المرحلة الأهم في فترة نشأة الطفولة والصبا الباكر وهي كانت قد تجاوزت المئة عاما بكثير حين توفاها الله تعالى إلى رحمته وهي تحتفظ بشعارات حزب الأمة وراتب الإمام المهدي وتحتفظ باوراق دعاية ترشيح الحزب في انتخابات عام ١٩٥٢م التي فاز فيها ابنها الشيخ مصطفي حسن نائبا لدائرة مقدومية نيالا، فدائرة نيالا الشمالية الشرقية في عام ١٩٥٨م . لقد ظللت حريصا على التواصل مع الأحباب الأنصار في افراحهم واتراحهم وقد تشكلت توجهاتي السياسية المبكرة من خلال حزب الأمة وأنا أشعر بالحزن والأسف الشديدين لما آل إليه مصير هذا الحزب العريق والتنازع بين قياداته على رئاسته، وليس من أجل دوره ومستقبله ، وقد صار الإنشقاق يضرب هذا الحزب كل فترة ، حتى جسمه الرئيس الذي ظل عصيا على الإختراق تشرزم وانقسم داخله إلى ثلاث شُعب وبرزت منهن (شُعبتان أحداهما صارت الأقرب إلى معسكر بورتسودان والآخرى إلى معسكر نيروبي) .
لخلفية صلتي (السابقة) بحزب الأمة القومي وقد التقيت بالدكتور محمد المهدي حسن رئيس المكتب السياسي لحزب الأمة القومي بوسط القاهرة في الأيام الماضية ، قدمت له رأي المراقب المشفق على مستقبل هذا الحزب الذي يمثل تاريخة أمتدادا لنشاة الدولة الوطنية الأولى في البلاد ، بأن في صالح مستقبل حزب الأمة القومي أن لا تتوارث أجياله القادمة الخلافات، وقد ظهرت في مناطق نفوذه التقليدية ولاءات جديدة، ولم يعد الحزب هو ذلك الحزب الذي يحوز التأثير الرئيس في عدة مناطق من معاقل نفوذه ، بل تلاحق قياداته مآخذ التقصير وقد عجز الحزب عن تسجيل مواقف تتلاءم مع مصالح جماهيره ومصالح البلاد وتوزعت مواقف قياداته على معسكري بنادق الحرب العبثية الدائرة، واستجار الحزب من خلال شقيه المتنازعين وقد لاذت قيادتيهما ببندقيتي البرهان وحميدتي ،ليفقد الحزب دوره المأمول فيه، في هكذا ظروف مفصلية بأعتباره من صناع المواقف .
في صالح مستقبل حزب الأمة القومي الذي ظل هو الحزب الوحيد الذي لم يشارك نظام الإنقاذ طوال عهده حتى ذهب أن تتنحى قياداته الحالية ممثلة في كل مؤسسة رئاسته بشقيها القريبة من بورتسودان بقيادة مولانا محمد عبد الله الدومة والفريق صديق محمد إسماعيل النور والقريبة من نيروبي بقيادة اللواء فضل الله برمة ناصر والواثق البرير كما ومن الأفضل للأمين العام للحزب العودة إلى عالم الأعمال وخدمة حزبه بتوفير الموارد للحفاظ على الموجود من تاريخه ولاستعادة الممكن بإفساح المجال للدماء الجديدة وعدم التشبث.
ليس لدى القيادات المتنازعة على رئاسة الحزب ولا أمينها العام ما يقدمونه، وقد أعطت ما لديها حتى وصلت إلى مرحلة عدم القدرة على المواكبة ، فالزمن ليس زمانها، وقد اختلفت الظروف والوسائل وتقديرات السياسة .
إن مستقبل الممارسة السياسية للأحزاب السودانية كلها في الأفكار الولودة التي تطرحها قياداتها للأجيال الجديدة، وتقنعها بالبرامج والأهداف وليس في التحصن بالموجود، أو الولاءات الموروثة، لقد ظهرت في الساحة العامة تنظيمات جديدة مسلحة جعلت من البندقية وسيلة من وسائل الوصول إلى السلطة وتكوين الولاءات القائمة على الإنتماءات الإجتماعية والجهوية وشعارات المطالب ليبدا التراجع المستمر في دور ومستقبل حزب الأمة والأحزاب السودانية جميعها ، وقد صارت من الثقافة السياسية الشائعة الإعلان عن تأسيس حركة مسلحة أو تنظيم سياسي في الوسائط أسهل من أنشاء وتأسيس منظمة مجتمع مدني أو شركة خاصة فكثرت اللافتات المرفوعة بأسماء الحركات المسلحة والتنظيمات السياسية .
ليس في صالح حزب الأمة القومي الخوض في حرب البيانات كالبيان الذي أصدره رئيس مكتبه السياسي الدكتور محمد المهدي حسن ردا على بيان الأستاذ الدومة، كما لم يكن في صالح وحدة الحزب البيان الذي اصدره الأستاذ محمد عبد الله الدومة في هكذا ظروف ،وقد صارت البيانات الصادرة أقرب لتقنين الإعلان عن حالة الانقسام الجديد داخل الحزب العريق .
حزب الأمة القومي بتاريخه العريق الآن شقه بقيادة اللواء فضل الله برمة ناصر يتكئ على بندقية الدعم السريع ، وقد صار اللواء برمة عبارة عن أداة من أدوات الزينة في محافل مجموعة نيروبي، يحمل معه حزب الأمة ومؤسساته كحقيبته الخاصة ليُوضع أمام المنابر فيؤدي دور الكمبارس ، ومجموعة بورتسودان تبحث فيها عن هوامش مشاركة السلطة المعزولة من خلف طغمة البرهان وحركة الإسلام السياسي .
السادة أعضاء مؤسسة الرئاسة (بشقيها بورتسودان ونيروبي) وأمين عام الحزب السيد الواثق البرير، لم يعد لديكم ما تقدمونه لحزبكم، وقد آن أوان تخليكم عن قيادة الحزب لصالح مستقبله . أذهبوا وأتركوا سمعة معتبرة للأجيال القادمة قبل السقوط وأوان الرحيل الأبدي .