يؤجرون بيوتهم للفارين من الحرب ويهربون إلى دول آمنة
السودانية نيوز:وكالات
مع استمرار الحرب التي عصفت بالسودان، وجد المواطن نفسه في معاناة يومية تتجاوز فقدان الاستقرار إلى التهديد المستمر لسبل كسب العيش. وبين النزوح واللجوء، ظهرت ظاهرة استغلال حاجة الفارين من جحيم الحرب، حيث تحولت أزمة السكن إلى سوق مفتوح للربح، استغلها أصحاب العقارات بفرض إيجارات خيالية.
إيجارات خرافية
في المدن التي ظلت آمنة نسبياً، كمدينة بورتسودان، تضاعفت أسعار الإيجارات لتصل إلى أرقام غير مسبوقة. وبلغ متوسط إيجار منزل متواضع نحو 1000 دولار أو أكثر، أي ما يعادل 2-3 مليون جنيه سوداني، وهو مبلغ كبير مقارنة بإيجارات دول الجوار.
محمد الأمين الطاهر، أحد سكان بورتسودان، يروي كيف أجر منزله كاملاً بمبلغ 4 ملايين جنيه سوداني، وانتقل للعيش في مصر حيث استأجر شقة فاخرة بمبلغ 20 ألف جنيه مصري ما يعادل نحو مليون جنيه سوداني، معتبراً أن هذه الخطوة وفرت له حياة مريحة ورفاهية تفوق ما كان يحصل عليه داخل السودان.
أما الموظفون الذين اضطروا للانتقال إلى بورتسودان بسبب الحرب، فقد وجدوا أنفسهم أمام أزمة خانقة. حامد علي أحمد، موظف حكومي، يقول إنه يدفع مليون جنيه شهرياً لإيجار شقة متواضعة، وهو مبلغ لا يتناسب مع دخله أو مستوى السكن. ويؤكد على ضرورة وجود قانون يضبط أسعار الإيجارات في البلاد.
إبراهيم حسن أحمد يكشف عن معاناة عاشها مع توفير السكن لأسرته خلال فترة النزوح التي استمرت ما بين مدينة ود مدني ومدينة القضارف، لافتا إلى أنه عانى ابتداء مع دفع الإيجار لمنزل عادي في ود مدني، كان يستأجره بمبلغ يفوق المليون جنيه قبل أن ينزح مجددا القضارف والتي وجد فيها منزلا متواضعا يتكون من قطعتين ومطبخ بمبلغ مليون ونصف. وكشف أنه، ومع تطاول أمد الحرب، باع حتى مجوهرات زوجته وبنتيه لتوفير السكن ومن ثم بدأ في الاعتماد على ابنائه المغتربين.
إبراهيم قال إن صاحب العقار، بعد أن وقع معه عقد الإيجار، سافر للقاهرة. وأصبح يحول له مبلغ الإيجار هناك، وقال إنه فكر في الذهاب للقاهرة لكن مع صعوبة الحصول على تأشيرة الدخول آثر عدم السفر والاستمرار في مدينة القضارف .
صاحب عقار في مدينة بورتسودان، فضل حجب اسمه، قال إن منزله المكون من طابقين في حى قريب من مركز الخدمات في المدينة، مما يعد موقعا مميزا، قام باستئجار نصفه، مبلغ 2700 جنيه سوداني، وترك جزءاً لأحد أبنائه لديه يواصل دراسته في ببورتسودان، بينما غادر هو وبقية أفراد أسرته إلى القاهرة.
يقول إن جزء قليل من عائد إيجار منزله في بورتسودان يغطي له إيجار الشقة التي يسكنها في العاصمة المصرية القاهرة، وفي ذات الوقت فإن المبلغ المتبقي من عائد الإيجار الذي يتحصله في بداية كل شهر، يغطي مصروفاته وأسرته سواء المواد الغذائية أو الترفيه والمواصلات أو حتى العلاج ويمكن أن يدخر جزءا من العائد. ويعترف صاحب العقار بأن المبلغ الذي يؤجر به منزله في مدينة بورتسودان مرتفع جداً ويفوق كثيرا قيمة الإيجارات قبل الحرب .
الفارق الكبير
الفارق بين الإيجارات داخل السودان وخارجه يكشف تناقضات المشهد. ففي حين يدفع اللاجئون في مصر مبالغ معقولة للسكن والمعيشة، يتحمل النازحون داخل السودان أعباء مالية هائلة لتأمين مأوى متواضع.
في ظل غياب دولة القانون، وازدهار تجارة الأزمات، يعاني النازحون من جشع أصحاب العقارات، الذين يستغلون أوضاعهم المأساوية لزيادة الإيجارات بشكل غير منطقي. ويظل الأمل معلقاً بعودة الحياة إلى طبيعتها، وإنهاء الحرب التي ألقت بظلالها الثقيلة على الجميع