أقرع ونُزهي .. البرهان يُلقي خطبة تمويل التنمية من فوق ركام الوطن!
عروة الصادق
● كلما زاد أنين البلاد ومواطنيها زادت تطلعات البرهان لأن يصبح رئيسّا حتى بعد تسميته لرئيس وزراء 《عبوب》مثقل بالعيوب، ففي مشهدٍ لا يخلو من السريالية، خرج علينا الفريق أول الركن عبد الفتاح البرهان من قلب مدينة إشبيلية الأندلسية، لا ليمدّ يده استجداءً ولا ليعتذر عن حريق أشعله بيديه، بل ليُعلّم العالم دروساً في العدالة المالية الدولية، متوسلاً إصلاح النظام المالي العالمي وكأنه لم يكن هو من حوّل بلده إلى ساحة أنقاض أشبه بديكور فيلم نهاية العالم.
“نحن لا نطلب تعاطفاً”، يقولها البرهان بكل ثقة، وهو يغرق في فوضى من صنع أيديه وجنرالاته – جنرالات الدم والموت والمخدرات- وكأن تعاطف العالم قد توقف أصلاً عند حدود السودان منذ قرر هو وزملاؤه العسكريون أن يحكموا البلد بالبارود بدل الدستور.
مخاطباً المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية، خرج البرهان بخطابٍ مكتوب بعناية، مليء بالمصطلحات الرنانة كـ”النظام العادل”، و”تمثيل الدول النامية”، و”التمكين للتنمية”، في وقتٍ لا يستطيع فيه طفل سوداني أن يصل إلى مستشفى، ولا مدرسة، ولا حتى كوب ماء نظيف، بسبب الحرب التي لم يسأل عنها البنك الدولي، بل سأل عنها “القائد العام” وأمراء حربه.
قمة النُزهية حينما يأتي علينا بحديث عن السلام وسط أصوات المدافع، يتحدث البرهان عن السلام والاستقرار بينما الخرطوم تنهار، ونيالا تتآكل، وسنار تستنجد، والفاشر تتداعى وبورتسودان صارت رميماً؛ فطفق يشكو من مؤامرات دولية على السودان، متناسياً أن أكبر مؤامرة حلت بالسودان كان توقيعه بيده على شيك أبيض لفلول النظام البائد، وعندما أقسم على حماية الثورة وحكومتها ثم نقضه لها وانقلابه عليها في اكتوبر 2021م، ثم خوضه مع الفلوس والسدنة وأبواق الانقلاب حرباً حول السلطة لم تبقِ من الدولة شيئاً.
كيف لمن يجلس فوق أنقاض دولة دمّرها بقراراته الرعناء أن يحدثنا عن العدالة المالية؟ وهل من الوقاحة أم من الغفلة أن يُحاضر جنرالٌ انقلابي في مؤتمر دولي عن “التمثيل العادل” بينما لا يملك بلده تمثيلاً حتى في أحياء العاصمة المدمرة؟
حين يقول البرهان إن السودان لا يحتاج تعاطفاً بل “دعماً مستداماً”، لا يمكن للمرء إلا أن يتساءل: لمن هذا الدعم؟ أهو للنظام الذي فجّر الخرطوم؟ أم للمؤسسة العسكرية التي تحارب كل ما هو مدني وتنتهك صحائف الحقوق بانتزاع نقابة المحاميين وتطارد الصحفيين والأطباء والطلاب في الشوارع بعد أن حرموا من الجلوس للانتخابات بحجة غاربة الوجوه، وغربية الاتجاه، وغُربة داخل وطنهم؟ أي دعم ذاك الذي يُطلب باسم الوطن ويُصرف باسم الكاكي؟
الحقيقة التي لا تُقال على منابر إشبيلية واضحة: “دعونا نواصل الحكم بلا مساءلة، بلا ديمقراطية، بلا دستور .. فقط نحتاج إلى بعض السيولة النقدية لنشتري بها شرعية مهترئة ونواصل إدعاء تمثيل شعب لم نترك له سوى الخيام والنزوح والقبور الجماعية.”
ختاماً: قدم البرهان درسًا في الوقاحة الدبلوماسية، فلو أننا في عالمٍ مثالي، كان يفترض أن يمنع البرهان من دخول مؤتمر دولي يُعنى بالتنمية، إلا بصفة “مُتسبب رئيسي في انحدار دولة من قائمة الدول النامية إلى حفرة الدول المنهارة”، لكنه ويا للمفارقة، لم يُمنع، بل يمنح تأشيرة دخول لأوروبا، وخُصّ بمنصة، وصفق له بعضهم ربما لأنهم لا يعرفون ماذا فعل بوطنه، وهكذا وعلى الطريقة السودانية الصميمة، ألقى البرهان خطاباً من النوع الذي يُختتم التعليق عليه عادةً بكلمتين لا غير: أقرع ونُزهي.