تقرير: معزة صالح “الحرب التي تسرق الطفولة”
في السودان، لم تعد الطفولة تعني اللعب، الأحلام، والمدرسة، بل أصبحت تعني الخوف، القصف، والنزوح. الحرب التي اندلعت لم تترك للأطفال فرصة للاختيار، بل وضعتهم في قلب المأساة، بين أنقاض البيوت المحطمة ، وبين الجوع والتشرد.
لقد صار القصف لغتهم الجديدة، والخوف هو إحساسهم الدائم، وأصوات الطائرات والمدافع هي الموسيقى الوحيدة التي ترافق لياليهم. لم يسلموا من الرصاص، ولم تحمِهم الجدران، ولم تُنصفهم القوانين ،المعاناة التي يعيشها أطفال السودان اليوم ترسم مستقبلًا محفوفًا بالندوب لجيل بأكمله.
: الأطفال في قلب النزاع
مع كل غارة جوية، يسقط أطفال بين قتيل وجريح، ومع كل معركة، يُضاف رقم جديد إلى قوائم الضحايا ،أرواحٌ خُطفت، وطفولةٌ دُفنت تحت الأنقاض.
في بعض المناطق، تُستخدم المدارس كمراكز عسكرية، وتُهاجم المستشفيات والاسواق، مما يجعل الأماكن التي كانت آمنة يومًا ما ساحات حرب. البعض يجدون أنفسهم وحيدين، بعدما قُتل ذووهم أو فُقدوا وسط فوضى النزوح .
كما حدث في التدوين الأخيرة بأمدرمان بسوق صابرين الذي راح ضحيته فوق ال60 شخصاً بينهم نساء واطفال ، لم يكن ذلك الطفل الذي لم يتجاوز عمره الثالثة عشرة عاماً يعلم أن يومه الأخير سيكون وسط الفوضى والنار، بعد قصف السوق من قبل قوات الدعم السريع، انتشر خبر فقدانه، أملاً في العثور عليه بين الأنقاض أو بين الناجين. لكن في اليوم التالي، جاءت الحقيقة أكثر قسوة الخبر الذي بدأ بحثًا عنه انتهى بإعلان وفاته. هكذا، تحول اسمه من مفقود إلى رقم جديد في قائمة الضحايا، بينما بقيت عائلته تتجرع ألم الفقدان في مدينة لم تعد تعرف سوى الحزن والدمار.
في ظل استمرار الحرب، يبدو الحديث عن حلول جذرية وكأنه ترفٌ لا مكان له. لكن السؤال الأهم: هل يمكن إنقاذ الأطفال الآن قبل أن يضيعوا تمامًا؟
و يبقى التحدي الأكبر: هل هناك إرادة حقيقية لإنقاذ هذا الجيل؟ أم أن الطفولة ستبقى مجرد ضحية أخرى في صراع لا نهاية له ؟
جراح لا تندمل
ما يحدث في السودان اليوم لا يسرق فقط حاضر الأطفال، بل يكتب مستقبلهم بالدم والخوف. كل قنبلة تسقط، كل مدرسة تُهدم، كل وجبة تُفقد، تترك ندبة عميقة في أرواحهم.
إذا لم يتحرك العالم الآن لانقاذهم ومسألة مرتكبي هذه الجرائم ، فقد لا يكون هناك جيل قادر على النهوض من تحت الأنقاض. فهل سيبقى هؤلاء الأطفال مجرد أرقام في تقارير المنظمات، أم أن هناك فرصة حقيقية لإنقاذ ما تبقى من طفولتهم؟