ليبيا: ترتيبات عسكرية في العاصمة تستبق العملية السياسية
تقدير موقف، وحدة الشؤون الافريقية، مركز تقدم للسياسات
تقديم: قــتل مساء الإثنين 12 مايو، عبد الغني الككلي، رئيس جهاز دعم الاستقرار التابع للمجلس الرئاسي وعدد من مرافقيه خلال اجتماع عقد في معسكر التكبالي جنوب العاصمة طرابلس، وأشارت بعض التقارير أنها لم تكن مجرد عملية اغتيال عشوائية، بل كانت ضمن تخطيط للتخلص من رجل طرابلس القوي، في صراع النفوذ والسلاح والمصالح تمهيدا لمرحلة سياسية جديدة.
في التفاصيل:
– يعد الككلي, أحد أبرز أمراء الحرب في طرابلس، كان قائد ميلشيا الدعم المركزي – أبو سليم، ومدير جهاز دعم الاستقرار بقرار من رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، بمنصب يضاهي منصب مستشار الأمن القومي. يضم الجهاز غالبية فصائل طرابلس وأحيائها الشعبية، ويمثل نوعًا من الثقل الموازي في مواجهة التشكيلات المسلحة التي قدمت إلى المدينة من مناطق أخرى.
– برز الككلي كقوة صاعدة بعد سقوط القذافي في 2011، وحجز لنفسه مكانًا في عالم الجماعات المسلحة المتصارعة. ولم يكن مجرد قائد فصيل مسلح، بل رمزًا لسلطة الأمر الواقع في العاصمة، ورجلًا تتقاطع عنده خيوط النفوذ والمال والسلاح.
– تهيمن على العاصمة طرابلس التشكيلات المسلحة الجهوية، وعلى رأسها مجموعات مصراتة أولًا ثم الزنتان ثانيًا. ويرى مراقبون أن رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة ووزير داخليته عماد الطرابلسي اللذين يصنفان مناطقيا على مصراتة والزنتان، يلعبان على وتر الجغرافيا ضمن خطة توسيع النفوذ وضمان الحماية، الأمر الذي يرجح فرضية تخلصهم من عبد الغني الككلي صاحب النفوذ العسكري القوي المدعوم من أبناء طرابلس.
– ويتردد الحديث عن إمكانية صعود اللواء 444 بقيادة محمود حمزة كقوة جديدة لملء الفراغ العسكري بالعاصمة، ويحظى هذا اللواء بدعم حكومي وقوة مالية لا يستهان بها.
– يدار جهاز دعم الاستقرار برئيس وثلاثة نواب بقرار من المجلس الرئاسي، على أن يكون المقر الرئيسي للجهاز مدينة طرابلس، كما يجوز إنشاء فروع أو مكاتب له بالمدن أو المناطق الأخرى بقرار من رئيس المجلس الرئاسي، بناء على اقتراح من رئيس الجهاز.,
– من صلاحياته أيضا، تعزيز الإجراءات الأمنية الكفيلة بحماية المقرات الرسمية للدولة من أية تهديدات أمنية، وكذلك تأمين الحماية الشخصية للمسؤولين، والمشاركة كلما اقتضت الضرورة في تنفيذ العمليات القتالية، بما في ذلك عمليات الاقتحام والمداهمة والملاحقة الأمنية، بالتنسيق والتعاون مع الجهات المختصة، ومكافحة الشغب وفض الاشتباكات بين مسلحين خارجين عن القانون في المدن والقرى الليبية، بالتعاون مع مديريات الأمن والأجهزة المختصة بالمدينة.
– تأتي هذه الحادثة بعد اسبوع فقط من انتهاء اللجنة الاستشارية من أعمالها، وهي مجموعة مؤلفة من 20 شخصية ليبية ذات خبرة في القضايا القانونية والدستورية والانتخابات، شكلتها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وفق قرار مجلس الأمن الدولي بهدف إيجاد مخرج سياسي للأزمة، ووفق تصريحها الأولي، توافقت اللجنة على جملة من الخيارات والتوصيات النهائية لمعالجة القضايا الخلافية في الإطار الانتخابي الذي يفضي إلى إجراء انتخابات وطنية وتمهد لتوحيد مؤسسات الدولة.
خلاصة:
**قرار حكومة الدبيبة بحصر المهام الأمنية والعسكرية في المؤسسات النظامية للدولة وفي مقدمتها الشرطة والأجهزة القضائية المختصة، سيضعها في مواجهة مباشرة مع الجماعات المسلحة الأخرى في الغرب الليبي، بسبب تنامي انعدام الثقة بين الميليشيات نفسها، ويفتح الطريق واسعا أمام أي طرف ثالث طامح للسلطة في طرابلس، وفق مقاربات عسكرية وسياسية جديدة.
** الهدف من تصفية جهاز دعم الاستقرار هو تعزيز نفوذ حكومة الدبيبة في العاصمة في ضوء المتغيرات السياسية القادمة، من خلال تحالف الدبيبة والطرابلسي- مصراتة والزنتان- وهو تحالف هش وفق المراقبين، قائم على تقاسم المصالح الآنية، بينهما صراع مسلح حول السيطرة على المؤسسات والمقرات في العاصمة منذ عام 2011، وحرب فجر ليبيا وحرب عام 2019 الأخيرة.
** بمقتل الككلي، تنتهي حقبة من الصراع على النفوذ والسلطة في العاصمة الليبية، لتبدأ أخري بشرعيات جديدة داعمة لطموحات الدبيبة والطرابلسي السياسية، الحادث يؤكد أن الصراع على السلطة والمصالح لا زال يُدار بقوة السلاح بالرغم من المظاهر المدنية للحوار الليبي، الأمر الذي سيعيد للواجهة التناقضات بين المتنفذين سياسيًا وعسكريًا في العاصمة طرابلس.