دولة ممزقة ومواطنون فقراء.. اقتصاد ينهار مع استمرار الحرب ومستقبل غامض
متابعات:السودانية نيوز
أكثر من عامين ونيف مضت على اندلاع الحرب في السودان، وما زالت البلاد تدفع ثمنًا باهظًا، يتجلى في انهيار اقتصادي شبه كامل يهدد بتمزيق النسيج الاجتماعي للدولة، الكارثة الإنسانية والاقتصادية تتفاقم يوما بعد يوم، مع توقف عجلة الإنتاج في كافة القطاعات الحيوية، من الصناعة والزراعة إلى الصحة والتعليم، مما يضع السودان على شفا هاوية لم يشهدها من قبل.
مؤشرات بنك دولي مقلقة: انكماش غير مسبوق ومستقبل اقتصادي قاتم
أكد البنك الدولي في تقرير حديث صدر يوم الثلاثاء، 10 يونيو أن الاقتصاد السوداني يعاني من انهيار غير مسبوق، حيث وصل معدل الانكماش إلى 42.9% في الفترة ما بين أبريل 2023 ونهاية العام الماضي.
هذه الأرقام الصادمة ترسم صورة قاتمة لمستقبل البلاد، حيث يشير التقرير بوضوح إلى أن حتى إنهاء الصراع خلال الأشهر المقبلة لن يعيد اقتصاد السودان إلى مستوياته قبل الحرب حتى عام 2031 ، وهذا التنبؤ يلقي بظلاله على أي جهود لإعادة الإعمار، ويؤكد على عمق الأزمة التي تواجهها البلاد.
ولم تفلح الضغوط الخارجية ولا ضغوط الداخل من القوى المدنية والشعب كل لشعب على طرفي النزاع للتوصل إلى حلول سياسية شاملة تفضي إلى تشكيل حكومة تكنوقراط مدنية ديمقراطية وإنهاء الحرب، حيث اصطدمت جميعها بإصرار عجيب من قيادة الجيش على استمرار الحرب حيث يعلن قئاد الجيش مرارا عن أنه لن يوقف هذه الحرب مهما كان الثمن، وهو ثمن لا يدفعه البرهان ولا كبار المسؤولين بل يدفعه الشعب السوداني من حاضرة ومستقبله ومعيشته وتعليمه وصحته .

الانهيار الاقتصادي يتسارع: قطاعات حيوية على وشك الزوال
أرجع البنك الدولي التدهور الكبير في الاقتصاد السوداني إلى الانهيار الملحوظ في مؤشرات القطاعات الإنتاجية الرئيسية. فالقطاع الزراعي، الذي يعتمد عليه ملايين السودانيين، يشهد تراجعا كارثيا، بينما توقفت الحركة التجارية بسبب إغلاق الطرق الاستراتيجية في معظم الولايات ويضاف إلى ذلك، انعدام فرص التمويل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، مما يقضي على أي أمل في تعافٍ اقتصادي ذاتي.
في سياق متصل، حذر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في بيان صادر يوم الثلاثاء، 10 يونيو من تفاقم المجاعة في مناطق جديدة من السودان، وأكد البرنامج أن خطر الجوع يتهدد الآن جنوب العاصمة الخرطوم، مشيرا إلى حاجته الملحة لما يقرب من نصف مليار دولار لتلبية الاحتياجات الغذائية للمدنيين المتأثرين بالحرب.
هذه التحذيرات تأتي في وقت ارتفعت فيه معدلات الفقر في السودان بشكل كبير، لتصل إلى 71% مقارنة بـ 33% في عام 2022، فقد الملايين مصادر دخلهم وفرص عملهم، مما دفع معدلات البطالة للارتفاع إلى 47% بنهاية العام الماضي مقارنة بـ 32% في عام 2022.
انخفاض الإيرادات الحكومية وصراع على الثروات: تحديات تعصف بالحكومة الجديدة
مع توقف العمل في القطاعات الرئيسية، تراجعت إيرادات الحكومة من الناتج المحلي الإجمالي بشكل حاد، من 10% في عام 2022 إلى أقل من 5% في عام 2023، في حين يستمر الدين العام في الارتفاع.
في ظل هذه الأوضاع المتردية، أصدر رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، قرارا بتعيين كامل إدريس رئيسا للوزراء، وكلفه بتشكيل حكومة جديدة، وهي خطوة اعبترها المراقبون محاولة لكسر العزلة الخارجية عبر تقديم واجهة مدنية مغلفة لحكم العسكر المستمر منذ الانقلاب الذي قاده البرهان في 15 أكتوبر 2021
ومع إعلان إدريس حل الحكومة السابقة كأول قرار له، بدأت الخلافات والصراعات الداخلية تطفو على السطح حول توزيع الحقائب الوزارية المختلفة.
هذه الخلافات ليست وليدة الصدفة، بل تتغذى على وعود البرهان “لكل من حمل السلاح مع الجيش” بالانخراط بشكل أساسي في أي عملية سياسية مقبلة.
هذا الوعد اعتبرته الحركات الإسلامية والميليشيات المتطرفة قرينة تطالب بموجبها بوجود داخل الحكومة الجديدة، وتنافس على الوزارات السيادية، وتلك التي تسيطر على ثروات البلاد من نفط وذهب ومعادن.
وتتفاقم التحديات الاقتصادية مع ارتفاع معدل التضخم إلى 170% على أساس سنوي في عام 2024، بعد أن كان 66% خلال عام 2023 الذي شهد اندلاع الحرب.
وتحدثت مصادر لموقع “سودان تربيون” أن الخلافات داخل حكومة إدريس تتمحور حول ثلاث وزارات رئيسية هي الدفاع، والخارجية، والمالية، وذلك للسيطرة على ثروات البلاد والتحكم في القرارات السيادية.
مخاطر جسيمة تهدد التعافي: من الألغام إلى انهيار العملة
لا تقتصر المخاطر التي تعرقل محاولات انتشال الاقتصاد السوداني من الانهيار على استمرار الحرب فحسب، بل تمتد لتشمل تحديات جسيمة حتى بعد انتهائها.
يشير تقرير البنك الدولي إلى وجود ألغام أرضية زُرعت في مناطق متفرقة بالبلاد، والتي تهدد حياة المدنيين وتعرقل حركة الأنشطة الاقتصادية.
وتأتي تقارير جديدة لتؤكد نشر المزيد من الألغام في المناطق المتضررة من النزاع في ولايات مختلفة، مما يزيد من تعقيد جهود التعافي.
كما أن انهيار سعر صرف العملة المحلية، الجنيه السوداني، يشكل ضربة قاصمة للاقتصاد، فقد تراجع سعر صرف الجنيه من 600 جنيه للدولار الأمريكي قبل اندلاع الحرب إلى 2680 جنيهًا لكل دولار خلال الأسبوع الأول من يونيو الجاري، هذا التدهور السريع في قيمة العملة يؤدي إلى المزيد من الانهيار الاقتصادي ويفقد البلاد أي فرص للنمو.
تضررت الأراضي الزراعية في السودان بشكل كبير خلال الحرب، خاصة مع نزوح المزارعين وترك أراضيهم بلا رعاية. وقالت منظمة “الفاو” إن الإنتاج الزراعي في البلاد تراجع بنسبة تزيد عن 40%. هذا التراجع يشير إلى حجم الخسائر، حيث كان القطاع الزراعي يمثل 35% من الناتج المحلي الإجمالي ويعمل به نحو 40% من القوى العاملة.
أدى توقف الإنتاج الزراعي إلى تحول السودان إلى منطقة تشهد أكبر أزمة جوع في العالم، حيث يحتاج أكثر من 26 مليون شخص إلى مساعدات غذائية عاجلة، وانتشرت نسبة سوء التغذية الحاد في البلاد لتصل إلى 13.6%.
يضاف إلى ذلك، يؤدي انهيار القطاع الصحي إلى المزيد من الأزمات التي تواجه السودان خلال الحرب وبعدها.
فقد خرجت 70% من المستشفيات والمراكز الصحية عن الخدمة، وأصبحت القدرة على الوصول إلى الخدمات الصحية متاحة فقط لنسبة 17% من سكان السودان البالغ عددهم قرابة 50 مليون نسمة.
تصدير الأزمات: الجيش السوداني يتجه نحو التصعيد الخارجي
في ظل هذه الأوضاع الداخلية المتدهورة، التي يواجه فيها المواطن السوداني المجاعة والنزوح والحرمان من أبسط مقومات الحياة، يبدو أن قيادة الجيش تحاول تصدير أزمات البلاد إلى الخارج. فبعد سلسلة من التهديدات بمهاجمة دول الجوار مثل تشاد وكينيا وجنوب السودان، بدأ الجيش السوداني مؤخرًا باتهام الجيش الليبي بالتدخل في الشؤون الداخلية، وباشر بالفعل التحرش على الحدود. هذه التحركات التصعيدية تأتي في محاولة واضحة لصرف الأنظار عن صراع أجنحة السلطة داخل المؤسسة العسكرية، وعن المأساة الإنسانية التي ينكرها البرهان وقادة الانقلاب ، والتي يعيشها المواطن السوداني الذي يتضور جوعًا ويعيش بلا مأوى.