رحل من كان صوته نبض المكلومين؟ وداعاً يوسف هندوسة ..القلب الذي لايعرف إلا العطاء؟؟
بكاه:حسين سعد
بقلوب يعتصرها الحزن، وعيون أغرقتها الدموع، فجعناً برحيل إبنًا بارًا من أبناء السودان، وصوتًا نقيًا من أصوات الحقيقة والإنسانية، ودعنا الصحفي والمتطوع (يوسف هندوسة)، الذي رحل عن دنيانا في زمن الحرب، حيث لا صوت يعلو فوق صوت الألم، لكنه إختار أن يكون صوتًا للضعفاء، وملاذًا للمنكوبين، كان (يوسف) صوتاً معطون بالإنسانية، وعدسةً لا تغضّ البصر عن وجع الناس، وقلبًا نابضًا بالرحمة، لم يكن صحفيًا فقط، بل كان إنسانًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، جال في ربوع الوطن الجريح، يحمل على كتفيه القلم والكاميرا وحقيبة المساعدات، يكتب بيده اليمنى تقارير عن معاناة المحتاجين والمقهورين، ويواسي بيده اليسرى طفلاً فقد أهله أو أمًا فقدت بيتها، أورجالاً بحاجة للعلاج ، كان (يوسف) شعلة لا تنطفئ، يعمل بصمت، يعطي بلا حدود، ويسابق الموت لينقذ حياة أو يوثق مأساة، حتى باغته الرحيل في لحظة كان فيها ، تاركًا خلفه فراغًا لا يملؤه أحد، وذكرى طيبة ستبقى خالدة في قلوب كل من عرفوه ، لقد كان (يوسف) مثالاً للصحفي والمتطوع الإنسان الذي إختار أن يهب قلمه للحق، ووقته للخير، وجهده لكل منكسِر ومُحتاج، لم يكن مجرد صحفي يسرد الأحداث، بل كان شاهداً صادقاً على المأساة، يحمل الكاميرا في يد، وعلبة دواء أو وجبة طعام في اليد الأخرى، كان صوتاً للحقيقة النادرة، عمل (يوسف) بلا كلل في أزقة الخرطوم المنكوبة، وظله يطوف مع شباب مبادرةشارع الحوادث ، يحمل الدفء للمشردين، وينقل آلام المنكوبين، حتى اختطفه الموت، اليوم، يلفّ الحزن قلوب أصدقائه من الصحفيين والمتطوعين، أولئك الذين عرفوه عن قرب، تقاسموا معه الخبز والميدان، والقصص التي تُروى على عجل ، بعضهم لا يزال في السودان، يصارع القهر والخراب، والبعض الآخر يذرف دمعاً في المنافي، على رفيق دربٍ لم يُكمل المسير، علاقتي بالراحل الزميل(يوسف) كانت قبل أكثر من عشر سنوات ، وأتذكر تمت دعوتي من قبل (يوسف ) والزميل مروان الكنزي رد الله غربته الي حفل قص شريط الإفتتاح لغرفة العناية المكثفة لمبادرة شارع الحوادث حيث تم تقديم الوالدة روية دربون بائعة الشاي المشهورة بأم قسمة في لفة بارعة لمكانة المراة السودانية وبائعات الشاي ، كنت حينها قد كتبت تقرير صحفي عن ذلك في مايو 2025م ، وحضرت أم قسمة من ولاية جنوب كردفان لعلاج إبنتها التي كانت تعاني من الاصابة بالفشل الكلوي، إلي مستشفي جعفر إبنعوف للإ طفال حيث ظلت أم قسمة تمارض طفلتها لمدة عام كامل بالخرطوم، ولجأت أم قسمة للعمل نهار أمام المستشفي وممارضة إبنتها ليلاً،وساعد شباب شارع الحوادث أم قسمة بمبلغ من المال ومطالبتها حال حاجتها للمال مرة أخري أو إي مساعدة الحديث معهم مرة أخري وهم (جاهزين) وبعد فترة من العلاج المتواصل تحسنت الأوضاع الصحية لإبنتها التي أصبحت تأتي للغسيل لفترات متباعدة، وفي العام 2010م إلتحقت (قسمة) بالمرحلة الثانوية ومن ثم الالتحاق بجامعة الاحفاد كلية علم النفس.
ام قسمة ورد الجميل:
رد الجميل والتحية جاء سريعاً من ام قسمة التي إنخرطت في مبادرة شارع الحوادث وتقدم لهم (كبابة الشاي المنعنع) والقهوة والبنابر للجلوس عليها والإشارة الي المحتاجين للعلاج الي شباب شارع الحوادث وحفظ الامانات وإستقبال إي مساعدات ترد للشباب الذين لم يترددوا عندما إكتمل حلمهم بغرفة العناية المكثفة قاموا بتقديم والدتهم ام قسمة كرمز للنضال والصبر والتضامن لقص شريط الافتتاح، وقالت لي وقتها أم قسمة إنها كانت تتابع عمل وحلم الشباب (خطوة خطوة) ورددت (انها فرحانة وسعيدة وفخورة بهؤلاء الشباب وتحقيقهم لهذا العمل الضخم والانجاز الذي يستفيد من الاف الاطفال) وعندما ذهبت بالحديث الي عضو مكتب الاعلام بشارع الحوادث الراحل (يوسف هندوسة) قال ان عملهم بداء قبل سنوات قليلة من خلال مجموعات فردية،لايتجاوز عددها عشرة أشخاص لكن عندما تم تدشين صفحة مبادرة شارع الحوادث للمساهمة في علاج الاطفال بمستشفي جعفر بن عوف عبر الفيس بوك في 28اغسطس 2012م تدافع المتطوعيين وتجاوب(الناس) مع المبادرة ولفت الي انهم أسسوا مكاتب لتسير العمل اليومي هما مكتب الاعلام ومكتب شوؤن العضوية والورديات لانسياب العمل بشكل مريح ومنتج،للمبادرة الموزعة بكل من مستشفي جعفر بن عوف للاطفال ومستشفي محمد الامين حامد بأمدرمان ومستشفي احمد قاسم للاطفال بالخرطوم بحري والمستشفي التركي بالكلاكلة،بجانب وجود فروع للمبادرة بغالبية ولايات السودان
وردية وردية:
ورداً علي سؤال حول وجودهم كمبادرة ببقية المستشفيات الأخري بالعاصمة.أوضح هندوسة إنهم يتعاملوا مع الأطباء والطبيبات بتلك المستشفيات، وأشار الي انهم لديهم ثلاث ورديات للعمل بالخرطوم خلال اليوم الواحد،حيث يبداء عمل الوردية الاولي من الساعة العاشرة صباحاً وحتي الخامسة عصراً برئاسة مشرف مسوؤل لانسياب العمل ومتعاونيين ،وتستلم الوردية الثانية عملها من الساعة الخامسة عصرا وحتي العاشرة ليلاً ويمضي عملها علي ذات الوتيرة للوردية الأولي بينما يختلف عمل الوردية الاخيرة لطبيعة عملها الذي يمتد حتي الصابح الباكر والتي تتطلب شخص لديه قدرة لي الحركة والتدخل السريع (سيارة) وقال يوسف ان عدد المتطوعين حالياً أصبح كبيراً بفضل جهود المبادرة وإستجابتها للمساهمة في علاج المرضي،وأشار الي انهم في المبادرة يتعاملوا مع المتطوعيين بشكل مرن بدون لوائح صارمة وأوضح انهم يتركوا للمتطوع اختيار الوردية التي يريد العمل بها من وقت مبكر،وحول الانجازات الملموسة التي قدمتها مبادرة شارع الحوادث أشار الي غرفة العناية المكثفة التي تضم سبعة سراير بكامل أجهزيتها وبها نظام انذار مبكر تبلغ تكلفتها أكثر من أثنين مليار جنيه تم تجميعها من الشعب السوداني وقال ان بعض النساء قمن بتقديم حلي ذهبية للمشروع كما تبرع الاطفال بقروش بسيطة لكنها ذات قيمة كبيرة تؤكد تضامن وتلاحم الشعب السوداني نساء ورجال وشباب وأطفال في قضية مهمه وهي علاج الاطفال.
مجاسفات:
وقال الراحل (يوسف) إنهم يجمعوا أموال العلاج عن طريق الأصدقاء والخيريين وردد(نعمل بمجاسفات) وحول رمزية قص شريط الإفتتاح لمركز العناية المكثفة من قبل بائعة الشاي ام قسمة قال يوسف انهم ليس لديهم مكتب او بناية يديرون منها عملهم واضاف خالتنا ام قسمة كانت اول شخص يستقبلنا ويقدم لنا(بنابر) وشاي وقهوة واوضح ان ام قسمة كانت تخفف عنهم ضغط العمل والشعور بخيبة الأمل، وتدعوهم للصبر وقوة الارادة وعدم اليأس،وبدأء يوسف مسروراً ببائعة الشاي ام قسمة التي وصفها بالوالدة الحنونة واردف(المراة السودانية ناجحة ومنتجة في كل زمان وتحت اي ظروف)وزاد(نقول الي والدتنا ام قسمة شكرا جزيلا)
الخاتمة:
ما قاله الراحل (يوسف) قبل عشر سنوات إلي الوالدة أم قسمة (شكراً) نقول له نحن أصدقائه ، شكراً يا (زميل) ووداعاً أيها الصحفي الإنسان، لقد غادرنا جسدك، وبقيت إنسانيتك تروي الحكاية فقد بكاك الجميع وأقاموا سرادق لرحيلك بنيروبي وكمبالا وغيرها لقد نعاك الجميع فرحيلك ترك فينا فراغًا لا يُملأ.. وغادرت قبل أن نودعك، فقد كنت سندًا في أوقات لا تُحتمل، وصوتاً للذين لا صوت لهم، وضوءاً في زمنٍ غطاه الألم ، والفواجع نم قرير العين يا (يوسف)، فقد أدّيت رسالتك بأمانة، سنظل نذكرك ما دام فينا قلب ينبض، وقلم يكتب، وضمير لم يمت، نم قرير العين يا فارس الكلمة والعمل، فقد أدّيت رسالتك بصدق، وكتبت سطور حياتك بمداد من نور ودمع.